الخميس

1446-06-25

|

2024-12-26

إضاءة في كتاب

الأمـيـر عبد القادر محيي الدين الجزائري

"قائد رباني ومجاهد إسلامي"

بقلم: د. علي محمد الصَّلاَّبي

(الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)

هذا كتاب «الأمير عبد القادر الجزائري قائد رباني ومجاهد إسلامي»، وهو جزء من  موسوعة  "كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي". وهو يقدم صورة متكاملة عن قصة ومسيرة هذا المناضل الكبير الذي قارع المحتلين الفرنسيين، وتحول إلى قدوة بين قادة وزعماء النضال والجهاد، وأيقونة للنضال والكفاح الشعبي ضد المحتلين والغاصبين.

  • ماذا احتوى الكتاب؟

في المبحث الأول من الكتاب، تحدثت عن الاحتلال الفرنسي للجزائر، وبين يدي هذا المبحث مقدمة مهمة، ثم اِنصبّ الحديث عن الأسباب الحقيقية للاحتلال السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والدينية، والظروف الدولية المواتية، وعن سقوط مدينة الجزائر، واستلام الباي حسين، وعن الأخطاء التي وقع فيها: كإعدامه لقائد جيشه، وثقته الخاطئة في وزير المالية، وعدم وجود انضباط من رجال أمنه، وعدم وجود خطة مدروسة لمواجهة الاحتلال.

وتحدثت في المبحث الثاني عن ظهور المقاومة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي، وتطورها مع ظهور الشريف محيي الدين الحسني الذي كان يحظى باحترام ووقار وهيبة مميزة وكلمة مسموعة بين القبائل، وحقق الجزائريون بقيادته انتصارات عظيمة ضد الاحتلال، ولكن تقدم سن محيي الدين جعله يتأخر في القيادة لصالح ابنه عبد القادر، الذي اشتهر بالشجاعة والذكاء والعلم والحزم والصفات الحميدة والخلال العظيمة، وتمت بيعته من قبل قبائل الجزائر على السمع والطاعة، وكان اختياراً شعبياً موفقاً.

ووضحت في المبحث الثالث، امتداد حكم الأمير بعد البيعة الشعبية، وتوسع سلطانه حتى شمل ثلاثة أرباع القطر الجزائري.

وبعد أن استقام للأمير الأمر شرع في تنظيم أمور الدولة وتشكيل الكوادر الحكومية، فعيّن الأكفاء من الرجال، واعتمد الفقه الإسلامي - أي التشريعات المنبثقة من القران الكريم والسنة - نظاماً لحكمه وبناء الدولة، والجهاد لتحرير الوطن من الغزاة المحتلين.

  • الأمير عبد القادر رجل دولة وعُمران

وسارع الأمير عبد القادر في تأسيس الجيش النظامي، وطور استراتيجيته العسكرية، واهتم بتطوير حرب العصابات وأصبح يتقنها اتقاناً كبيراً وكان يفاجئ ويربك الخصم، وهي التي جعلت الأمير أشهر وألمع رواد هذا النوع من الحرب، وهو بذلك سبق الأمير عبد الكريم الخطابي زعيم حرب الريف بالمغرب، والشيخ عمر المختار بليبيا، واستفاد منه الكثير من قادة التحرر الذين جاؤوا من بعده.

واهتم الأمير بتفعيل وتقوية الحكومة المركزية في دولته، فقسم البلاد إلى ثماني ولايات وجعل عليها خلفاء يديرونها من خلال مجلس شورى وإدارات محلية فعّالة، ووضع معايير في تعيين موظفي الدولة ومناصبهم من ذوي الكفاءات والقدرات والملكات الإدارية والقيادية، وأعطى رعاية خاصة للمؤسسة القضائية لتسهم في رفع الظلم وإقامة العدل، وأسس الأمير مجلس شورى للدولة مكون من أحد عشر عضواً، وكان كثير الاستشارة والاستماع لأصحاب الخبرة والمعرفة والتجارب العملية في الشأن العام.

واهتمت دولة الأمير بالاقتصاد والموارد المالية وترشيد المصروفات، وشجعت حركة التجارة الداخلية والخارجية، وكان لدولة الأمير جهاز دبلوماسي متميز ونشط ساهم في إنجاح مفاوضات عدة منها معاهدة ديمشال ومعاهدة التافنة.

وبيّنت اهتمام دولة الأمير بجهاز المخابرات، ونشر الثقافة من خلال المدارس والمساجد والزوايا والتشجيع على العلم والتعلم و التفقه، وركزت دولة الأمير على الصناعة الحربية واحتياجاتها لأهميتها في حركة الجهاد ضد الاحتلال، واستجلبت من الخارج خبراء وأهل تخصص في ميادين الصناعة وعلم المعادن.

وبيّنت معارك الأمير التي خاضها ضد العدو، واضطرار العدو للمعاهدة، فقد توالت الضربات المتتالية على الحاميات الفرنسية في المدن الساحلية الكبرى من كل حدب وصوب، وكيف استفاد منها في تطوير وتقوية مؤسسات الدولة الناشئة وفتح مجال للعلاقات الخارجية مع الدول، فقد اعترف به سلطان مراكش، وعمل الأمير على بسط نفوذه، وإقرار الأمن والسلام في المناطق الخاضعة لسلطانه.

وقد تحدثت عن الأيام التي قضاها في سجون فرنسا، ثم مغادرته إلى إسطنبول، ثم استقراره في مدينة بورصة بالدولة العثمانية، ثم انتقاله إلى دمشق حيث مقر إقامته الأخير، وتكلمت عن تفرغه للعبادة والعلم والتدريس ومخالطته العلماء وعن جهوده الاجتماعية. وناقشت الاتهامات التي وجهت إلى الأمير مثل: اتهامه بوحدة الوجود، وتأثره بفكر ابن عربي، ونسبة كتاب المواقف إليه، وأثبت بالدليل والبرهان بطلان الكثير مما نسب إليه وبراءته من عقيدة وحدة الوجود والانتساب إلى المحافل الماسونية.

  • الأمير عبد القادر ومحاولة تشويه تاريخه

لقد تعرض الأمير عبد القادر لحملات تشويه مركزة ومنظمة، واختلقوا له الأكاذيب، وزعموا أنه سلم نفسه لفرنسا واستسلم في نهاية المطاف، ونسبوا إليه رسائل ومعاهدات مخزية زعموا أنها بخطه، ثم اختلقوا قصة انتسابه للجمعية الماسونية، وزوروا عليه رسائل بهذا الخصوص، وكل ذلك حتى يسقط اعتباره عند الناس كرجل مخلص لأمته، وحتى لا يكون قدوة للأجيال المتعاقبة في نضاله وكفاحه وجهاده وروحه الثائرة ضد الظلم والجور، ولكن الله أبى إلا أن يخرج الحق للناس بفضله ومنه ثم بجهود الباحثين المخلصين.

إن الأمير عبد القادر اشتهر بين الناس بنزعته الإسلامية، واهتمامه بالقرآن والسنة، والتصوف السني المعتدل على نهج الشيخ عبد القادر الجيلاني، وغيرهم من القدوات العلماء والعاملين، والذي أثنى عليه علماء السلف من أمثال ابن تيمية وابن القيم وغيرهم كثير.

وقد درَّس الأمير بالجامع الأموي صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك ورسالة أبي زيد القيرواني، وأشاد بمبحث العقائد الذي في مقدمة الرسالة، وكل هذه الكتب تخالف تماماً العقائد الموجودة في كتاب «المواقف» المنسوب إليه بالباطل والبهتان والافتراء.

ولقد حاول تشرشل صاحب كتاب «حياة عبد القادر» ومن سار على طريقته من أمثال جرجي زيدان وغيرهم ربط الأمير بالمحافل الماسونية، لكنهم عجزوا عن تقديم الدليل، مما يبطل هذا الخبر المزعوم من أساسه. فحياة الأمير صفحة مفتوحة للباحثين ناصعة البياض نقية طاهرة، واتهامات أعدائه الباطلة تتساقط أمام الحقائق الراسخة وتتلاشى مع الحجج الدامغة، وتذهب جفاء لأنها زبد، وسيرته العطرة تبقى خالدة في معانيها وقيمها ومبادئها لأنها تنفع الناس.

  • كلمة في النهاية

تحدثت في هذا الكتاب عن الأمير عبد القادر الإنسان وعلاقته بأمه وزوجته وأولاده وأقاربه وأصحابه وأصدقائه وأبناء شعبه، وعن مواهبه الأدبية والشعرية ونشرتها حسب المواقف والمناسبات.

 ودوَّنت أيامه الأخيرة ومرضه ووفاته ودفنه، ونقل رفاته بعد تحرير الجزائر عام (1966م) إلى بلاده في احتفال شعبي ورسمي مهيب، وما أن حطت الطائرة بجثمان الأمير في مطار العاصمة وأطل جثمانه الملفوف بالعلم الجزائري حتى امتدت أيادي رئيس الجمهورية «هواري بومدين» والوزراء لتحمله، وفي تلك اللحظات علت أصوات عشرات الألوف من الجزائريين والجزائريات «الله أكبر» تشق عنان السماء، وكانت ترافق الهتافات زغاريد النساء، وكانت دموع الفرح تملأ ماقي الجميع وتسيل مدراراً.

 

انتهيت من مراجعة وإعداد هذا الكتاب يوم الجمعة بتاريخ 28 جمادى الاخرة 1436هـ الموافق لــ 17 إبريل 2015م، وذلك بتمام  الساعة الخامسة بعد صلاة العصر بالدوحة، وتجدر الإشارة بأنه كان ضمن موسوعة كفاح الشعب الجزائري الذي أنهيت الطبعة الأولى منه عام 1414ه/ 1994م. والفضل لله من قبل ومن بعد، وأسأله سبحانه وتعالى أن يتقبل هذا العمل قبولاً حسناً، وأن يكرمنا برفقة النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين.

 

كتاب الأمـيـر عبد القادر محيي الدين الجزائري قائد رباني ومجاهد إسلامي، متوفر على الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي على الرابط التالي:

http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/31

 

 

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022