إضاءة في كتاب
السلطان الشهيد عماد الدين زنكي شخصيته وعصره
بقلم: د. علي محمد الصَّلاَّبي
هذا كتاب "السلطان الشهيد عماد الدين زنكي شخصيته وعصره" وقد تحدثت فيه عن الزنكيين، من حيث أصول أسرتهم وعن جدهم آق سنقر ومكانته لدى السلطان ملكشاه، وسياسته الداخلية والخارجية في حلب تولي إمارتها وعن نشأة عماد الدين زنكي وبزوغ نجمه السياسي ودور بهاء الدين الشهرزوري في تعيينه أميراً على الموصل، وعن أهم صفاته، كالشجاعة، والهيبة، والدهاء، والمكر والحيلة واليقظة والحذر، والذكاء، وقدرته على اختيار الأكفاء من الرجال، ووفاؤه لأصحابه، وغيرته على محارمهم، وعدله، وعبادته وهواياته ويتحدث عن سياسته الداخلية، والنظم الإدارية والعسكرية وعلاقته بالخلافة العباسية والسلطنة السلجوقية، وتوسع عماد الدين في شمال بلاد الشام وإقليم الجزيرة، وعلاقته بالأكراد، كبني أيوب حكام تكريت، والأكراد الحميدية والعكارية، والمهرانية والبشنوية، وعلاقته بالإمارات المحلية في ديار بكر، ومحاولاته في ضم دمشق سواء بالتفاهم أم بالحصار أم بالسياسة.
وتكلمت عن جهاده ضد الصليبيين، وتطرقت لحال المسلمين قبل مجيئه للإمارة، وسياسته مع الصليبيين وفتحه للحصون والقلاع وسعيه الحثيث لتوحيد الجبهة الإسلامية وقيادتها لمقاومة الاحتلال الصليبي، وذكرت مناصرة عماد الدين لبني منقذ عندما تعرضت إمارة شيزر لمحاصرة الجيش البيزنطي والصليبي، ومواقفه البطولية في مقارعة الغزاة، وأساليبه التي استخدمها ضدهم سواء نفسية أو تعبوية من طلب النجدة من مختلف المناطق واستخدم سهام الحيلة والدهاء لتعميق الخلاف بين فرنجة الشام وملك الروم البيزنطي، وقد حقق نجاحاً منقطع النظير في هذا الميدان، وفي نهاية المطاف اضطر الإمبراطور البيزنطي فك حصاره عن شيزر بفضل الله ثم جهود عماد الدين العسكرية وكانت من أهم النتائج التي أسفرت عنها هذه الحملة تدهور العلاقات بين البيزنطيين والصليبيين، وعدم استطاعتهم القيام بعمل سريع ضد نشاط زنكي في المنطقة في السنين التالية، وقد انهمك عماد الدين بعد ذلك على اتمام خطته بتوحيد الجبهة الإسلامية، كي يكون أكثر قدرة على مجابهة الصليبيين.
واستطاع عماد الدين بفضل الله ثم بجهوده الميمونة أن ينتزع من الصليبيين إمارة الرها التي تأسست في الشرق الإسلامي سنة 491هـ/1097م بزعامة بدوين الأول، وكان تحريرها في عام 539هـ، وقد ساعد عماد الدين زنكي عوامل عديدة في فتح الرها من أهمها؛ تنامي حركة الجهاد الإسلامي حتى عصره، وحصاد تجربة المسلمين في ذلك المجال.
وكان فتح الرها بداية لما بعدها، إذ لم يكن من الصعب على عماد الدين زنكي أن يستكمل مهمته بفتح باقي المعاقل الصليبية التابعة لهذه الإمارة، فاستغل فرصة تضعضع أحوال الصليبيين في المنطقة، وقد استطاع عماد الدين أن يحقق قسطاً كبيراً من برنامجه وأن يكّون لنفسه مكانة خاصة في التاريخ الإسلامي كسياسي بارع وعسكري متمكن ومسلم واعٍ أدرك الخطر الذي حاق بالعالم الإسلامي من قبل الصليبيين، فقد استطاع أن يوجه الظروف التاريخية القائمة لصالح المسلمين وذلك بتجميعه القوى الإسلامية، بعد القضاء على عوامل التجزئة والانقسام وتوحيد المدن والإمارات المنفصلة في نطاق دولة واحدة استطاع بحنكته أن يستغل أقصى ما يمكن أن تقدمه دولته من إمكانات في سبيل تحقيق برنامجه المزدوج أي تشكيل الجبهة الإسلامية وضرب الصليبيين. ويعتبر عماد الدين زنكي أول قائد سلجوقي قام بتجميع القوى الإسلامية وفق برنامج معين ليجابه بها تزايد الخطر الصليبي الذي لم توقفه المحاولات الجدية التي سبقت زنكي وبخاصة تلك التي تمت على يد كل من مودود بن التونتكين 502هـ- 507هـ وإيلغازي وبلك الأرتقين 518 - 520هـ، وقد مهد عماد الدين زنكي الطريق لقادة التحرير من بعده، فلم تكن جهود ابنه نور الدين محمود، ومن بعده صلاح الدين الأيوبي سوى إتمام للعمل الذي بدأه عماد الدين زنكي وفي نفس الطريق، وبعد استشهاد عماد الدين تولى القيادة ابنه البطل الفذ والمجاهد الشهير نور الدين محمود الشهيد الملك العادل.
إن من الدروس المهمة من هذا الكتاب معرفة المشاريع المتصارعة في عهد الزنكيين، فقد كانت ثلاثة تتطاحن على قدم وساق، وهي المشروع الصليبي والذي تتزعمه الكنيسة من عهد أوربان الثاني والمشروع الشيعي الرافضي بقيادة الدولة الفاطمية بمصر والمشروع الإسلامي الصحيح، فكانت المحاور التي سار عليها أهل السنة دولة وشعباً، تعميق الهوية العقائدية السنية والإحياء الإسلامي الصحيح في نفوس الأمة، والتصدي لشبهات المذهب الشيعي، وإعداد الأمة لمقاومة الصليبيين، وكانت المحاور متداخلة من حيث السير إلا أن تحرير بيت المقدس والقضاء على الصليبيين في معركة حطين لم يتم إلا بعد القضاء على الدولة الفاطمية سياسياً وعسكرياً وقد سبقها الانتصارات العقائدية والفكرية والثقافية والتاريخية والحضارية للمذهب السني.
إن الذين استطاعوا تحرير بيت المقدس وانتزاع المدن والقلاع والحصون من الصليبيين هم الذين تميزوا بمشروعهم الإسلامي الصحيح وعرفوا خطر المشاريع الباطنية الدخيلة، فتصدوا لها بكل حزم وعزم.
وإن أية أمة تريد أن تنهض من كبوتها لابد أن تحرك ذاكرتها التاريخية لتستلخص منها الدروس والعبر والسنن في حاضرها وتستشرف مستقبلها، وإيجاد الكتب النافعة في هذا المجال من الضرورات في عالم الصراع والحوار والجدال والدعوة مع اليهود والنصارى والملاحدة والعلمانيين والمبتدعة .. إلخ وهذا يدخل ضمن سنة التدافع في الأفكار والعقائد، والثقافات والمناهج وهي تسبق التدافع السياسي والعسكري، فأي برنامج سياسي توسعي طموح يحتاج لعقائد، وأفكار وثقافة تدفعه، فالحرف هو الذي يلد السيف، واللسان هو الذي يلد السنان، والكتب هي تلد الكتائب.
هذا وقد انتهيت من هذا الكتاب يوم الأربعاء الساعة الثانية عشرة، وثماني دقائق من تاريخ 20 شعبان 1427هـ الموافق 13/ 09/2006، والفضل الله من قبل ومن بعد، وأسأله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يجعل عملي لوجهه خالصاً ولعباده نافعاً، ويشرح صدور العباد للانتفاع به ويبارك فيه بمنه وكرمه وجوده، وأن يثيبني على كل حرف كتبته ويجعله في ميزان حسناتي، وأن يثبت إخواني الذين أعانوني بكل ما يملكون من أجل إتمام هذا الجهد المتواضع.
تجدون: كتاب السلطان الشهيد عماد الدين زنكي شخصيته وعصره، متوفر على الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي على الرابط التالي: