الجمعة

1446-06-26

|

2024-12-27

إضاءة في كتاب

التداول على السلطة التنفيذية

بقلم: د. علي محمد الصَّلاَّبي

 

هذا الكتاب حلقة مهمة من حلقات المشروع الفكري السياسي الذي تحدثت عنه في كتبي السابقة: (الدولة الحديثة المسلمة دعائمها ووظائفها)، و(البرلمان في الدولة الحديثة)، وقد صدرت عدة كتب تخدم هذا التوجه، منها:

o الشورى فريضة إسلامية.

o الحريات من القرآن الكريم حرية التفكير والتعبير والاعتقاد والحريات الشخصية.

o العدالة والمصالحة الوطنية ضرورة دينية وإنسانية.

o البرلمان في الدولة الحديثة المسلمة.

وهذا الكتاب يتحدث عن التداول على السلطة التنفيذية، وقد قسمته إلى مباحث:

المبحث الأول: السلطة التنفيذية؛ يتحدث عن تعريفها في اللغة والاصطلاح، والمفهوم السياسي والإسلامي لدى الفقهاء المعاصرين، ومم تتكون السلطة التنفيذية، وتعريف الخليفة «الرئيس»، وألقاب من يتولى السلطة التنفيذية وجذورها التاريخية كالخليفة، وأمير المؤمنين، والإمام، والسلطان، والملك، والرئيس، ووجوب تنصيب الرئيس، والأدلة من القرآن الكريم والسنة القولية والفعلية، والإجماع، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ودفع أضرار الفوضى، وأن الرئاسة مما تقتضيها الفطرة وعادات الناس.

وفي المبحث الثاني: التداول على الحكم بعد وفاة الرسول (ﷺ)، وكان الحديث في هذا المبحث عن انتقال الرئاسة لأبي بكر الصديق بالشورى والتحليل السياسي للأحداث في سقيفة بني ساعدة، كموقف الأنصار وترشيحهم لسعد بن عبادة، وخشيتهم من الانشقاقات السياسية على كيان الدولة الوليدة، وكيف تغير موقفهم لصالح أبي بكر الصديق صاحب المواهب المتميزة، والقدرات العالية في الإقناع والتعامل مع النفوس، وكيف تمت بيعته الخاصة ثم العامة، وحرص الجميع على وحدة الأمة، وتم شرح الحديث النبوي الشريف: «الأئمة من قريش»، وبيّنت أهم المبادئ التي أفرزتها الحوارات الجادة في سقيفة بني ساعدة، ومنها: أن قيام الأمة لا يقام إلا بالاختيار، وأن البيعة هي أصل من أصول الاختيار، وشرعية القيادة، وأن الخلافة لا يتولاها إلا الأصلب ديناً، والأكفأ إدارة، فاختيار الخليفة رئيس الدولة وفق مقومات إسلامية وشخصية وأخلاقية، وأن تولي السلطة التنفيذية لا يدخل ضمن مبدأ الوراثة النسبية أو القبلية، وأن إشارة «قريش» في سقيفة بني ساعدة باعتباره واقعاً يجب أخذه في الحسبان، ويجب اعتبار أي شيء مشابه ما لم يكن متعارضاً مع أصول الإسلام، وأن الحوار الذي دار في سقيفة بني ساعدة قام على قاعدة الأمن النفسي السائد بين المسلمين، حيث لا هرج ولا مرج، ولا تكذيب ولا مؤامرات، ولا نقض للاتفاق، ولكن تسليم للنصوص التي تحكمهم، حيث المرجعية في الحوار إلى النصوص الشرعية.

وقد استدل الدكتور توفيق الشاوي على بعض الأمثلة التي صدرت بالشورى الجماعية:

▪ أول ما قرره اجتماع يوم السقيفة هو أن: نظام الحكم ودستور الدولة يقرر بالشورى الحرة تطبيقاً لمبدأ الشورى الذي نص عليه القران؛ ولذلك كان هذا الإجماع كشفاً وتأكيداً لأول أصل شرعي لنظام الحكم في الإسلام، وهو الشورى الملزمة، وهذا أول مبدأ دستوري تقرر بالإجماع بعد وفاة رسولنا (ﷺ)، ثم إن هذا الإجماع لم يكن إلا تأييداً وتطبيقاً لنصوص الكتاب والسنة التي أوجبت الشورى.

▪ تقرر يوم السقيفة أيضاً أن اختيار رئيس الدولة أو الحكومة الإسلامية وتحديد سلطاته يجب أن يتم بالشورى، أي: البيعة الحرة التي تمنحه تفويضاً ليتولى الولاية بالشروط والقيود التي يتضمنها عقد البيعة الاختيارية الحرة ـ الدستور في النظم المعاصرة ـ وكان هذا ثاني المبادئ الدستورية التي أقرها الإجماع، وكان قراراً جماعياً كالقرار السابق.

▪ تطبيقاً للمبدأين السابقين قرر اجتماع السقيفة اختيار أبي بكر ليكون الرئيس الأول للدولة الإسلامية، ثم إن هذا الترشيح لم يصح نهائياً إلا بعد أن تمت له البيعة العامة، أي: موافقة جمهور المسلمين في اليوم التالي بمسجد الرسول (ﷺ)، ومفهوم البيعة: العهد على الطاعة لولي الأمر.

وفي المبحث الثالث: تم الحديث عن نظرية العقد الاجتماعي لجان جاك روسو، وبينت الفروق الأساسية بين العقد الاجتماعي والبيعة في الإسلام، ووضحت طرق اختيار الحاكم بطريقة الانتخاب المباشر وغير المباشر، وشرحت خطاب أبي بكر رضي الله عنه بعد البيعة العامة، وأهم الأسس والمبادئ التي جاء ذكرها في الخطاب:

• كحق الأمة في مراقبة الحاكم ومحاسبته.

• الصدق أساس التعامل بين الحاكم والمحكوم.

• إقرار مبدأ العدل والمساواة بين الناس.

• إعلان مبدأ التمسك بالجهاد وإعداد الأمة لذلك.

• رئيس الدولة وتطبيق الشريعة.

وكان الحديث عن إقرار مشروع توثيق دستور الأمة، وتحديد مدة الرئاسة، وأن التوقيت لا ينافي طبيعة العقد، وكيف تحدد مدة الرئاسة؟ وتكلمت عن مدنية دولة الصديق، وتحديد مسؤولية الحاكم، وعن تولي عمر بن الخطاب للرئاسة، وانعقاد الإجماع على خلافته، وخطبة الفاروق لما تولى الخلافة، وعن تولي عثمان بن عفان الرئاسة.

كما تكلمتُ عن الفقه العمري في الاستخلاف:

▪ كالعدد الذي حدده للشورى وأسمائهم.

▪ طريقة اختيار الخليفة.

▪ مدة الانتخابات أو المشاورة.

▪ عدد الأصوات الكافية لاختيار الخليفة.

▪ الحكم في حال الاختلاف.

▪ جواز تولية المفضول مع وجود الأفضل.

▪ جمع عمر بين التعيين وعدمه.

▪ الشورى ليست بين الستة فقط.

▪ أهل الشورى أعلى هيئة سياسية.

▪ وصية عمر رضي الله عنه للخليفة الذي بعده.

وبينت منهج عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه في إدارة الشورى، وحكمته في تنفيذ خطة الشورى، وانعقاد الإجماع على خلافة عثمان ومنهجه في الحكم، وذكرت الكتب التي كتبها عثمان إلى جميع ولاته وقادة جنده، وعمَّال الخراج، وإلى العامة، وكيف تمت بيعة علي رضي الله عنه، وانعقاد الإجماع على بيعته، وشروطه في بيعته، وخطبته الأولى، وكيف تولى الحسن بن علي بن أبي طالب الرئاسة؟ وبيعته وبطلان قضية النص على خلافة الحسن، وتطور الفكر السياسي الشيعي، وكيف تولى معاوية بن أبي سفيان الحكم، وما هو الصلح الذي تمَّ بينه وبين الحسن بن علي. وكانت الإشارة في هذا الكتاب إلى انتهاء عهد الخلافة الراشدة وبداية الملك العضوض والجبري.

ووضحت فكرة ولاية العهد، وكيف تولى يزيد بن معاوية، وما هي الانتقادات التي وجهت لمعاوية بشأن البيعة ليزيد. وكان الحديث عن خلافة معاوية بن يزيد، ثم بيعة عبد الله بن الزبير، وخروج مروان بن الحكم على ابن الزبير، وانعقاد مؤتمر الجابية بالشام، وزعامة مروان بن الحكم لمعارضي أهل الشام، ومعركة مرج راهط، ونتائجها، وبيعة عبد الملك بن مروان بعد وفاة أبيه، واجتماع الأمة عليه بعد مقتل عبد الله بن الزبير، وهو أول حاكم ينتزع الخلافة بقوة السيف والقتال ؛ مما أثر على الفقه السياسي بعد ذلك أكبر الأثر، وبدأ عصر الخليفة المتغلب، وهو ما لم يكن للأمة به عهد من قبل.

وبدأ هذا الأمر يفرض نفسه، وصار بعض الفقهاء ـ بحكم الضرورة ـ يتأولون النصوص لإضفاء الشرعية على توريثها، وأخذها بالقوة ؛ لتصبح هاتان الصورتان بعد مرور الزمن هما الأصل الذي يمارس على أرض الواقع، وما عداهما نظريات لاحظ لها من الواقع التطبيقي العملي إلا في حالات نادرة، وأصبح الفقه السياسي الهرقلي والقيصري بديلاً عن الفقه الراشدي في تولي رئاسة الدولة.

واليوم تتطلع الشعوب إلى حقها الطبيعي لاختيار حكامها بإرادة حرّة، وعن طريق صندوق الاقتراع، والتداول السلمي، ونجحت شعوب أوربة وأمريكا وغيرها، وأصبحت الشعوب العربية، والإسلامية من مطالبها التي خرجت من أجلها، إلا أن محاولة منع الشعوب من حقها في اختيار حكامها ما زالت مستمرة، وهذا تدافع طبيعي بين الخير والشر، والهدى والضلال، والحق والباطل، وفي النهاية تنتصر إرادة الشعوب على إرادة الطغاة، وهذا من سنن الله: َ ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً *﴾[فاطر: 43] .

هذا، وقد انتهيت من هذا الكتاب يوم الجمعة 28/2/2014م الموافق 28/4/1435هـ، الساعة الواحدة والنصف بعد صلاة الجمعة، والفضل لله من قبل ومن بعد، وأسأله سبحانه وتعالى أن يتقبل هذا العمل قبولاً حسناً، وأن يكرمنا برفقة النبيين والصِّديقين والشهداء والصالحين، قال تعالى: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *﴾[فاطر: 2].

وأختم هذه المقدمة بقول الله تعالى: َ ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ *﴾ [الحشر:10] .

 

تجدون: كتاب التداول على السلطة التنفيذية، متوفر على الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي على الرابط التالي: https://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/34


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022