بسم الله الرحمن الرحيم
تعزية للأمة الإسلامية والشعب السوداني والبوسني بوفاة الطبيب والداعية السوداني الشيخ الفاتح علي حسنين (رحمه الله)
قال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
بكامل الرضا والتسليم بقضاء الله وقدره، بلغنا نبأ وفاة أستاذنا الشيخ السوداني والداعية الدكتور الفاتح علي حسنين (رحمه الله)، وهو من الدعاة العاملين، وأصحاب الهمم العظيمة في مقارعة أعداء الأمة، والدعوة إلى الله.
وربطت بيني وبين الشيخ الفاتح حسنين علاقة شخصية وثيقة؛ ملؤها الاحترام والتقدير، وتعلمت من ثباته وجهاده وصبره وهمته العالية الكثير، وهو الذي كانت تفوض روحه الدعوية والإسلامية على كل من يحتك به، وكان مركز اهتمامه قضية البوسنة (1992 - 1995م)، ويعد من أكبر رجالات الدعوة من العرب المسلمين الذين وقفوا وقفة عظيمة ورأس حربة في مساندة ودعم الشعب البوسني علمياً وإغاثياً، ضد العدوان الصربي. وتميز بعلاقاته المتميزة مع علي عزت بيجوفيتش، ونجم الدين أربكان (رحمهما الله) والرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان.
كما كان يثق به كثيرون من أبناء العالم الإسلامي، وفي مقدمتهم المسلمين العرب، وفي الأوساط التركية، وفي لقاءاتي المفيدة معه تبين لي جهده الكبير في الدعوة إلى الله.
سيرته الذاتية:
الفاتح ﻋﻠﻲ ﺣﺴﻨﻴﻦ، طبيب وداعية سوداني لعب دورا إسلاميا مُهما في شرق أوروبا، حيث عين ﻣﺴﺘﺸﺎﺭا للرئيس ﺍﻟﺒﻮﺳﻨﻲ علي عزت بيغوفيتش، وتولى رئاسة ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻷﻣﻨﺎﺀ في ﺠﻤﻌﻴﺔ ﺍﻟﻤﻐﺎﺭﺑﺔ بالنمسا، وأسس ﺍﻟﻤﺠﻠﺲ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟﺸﺮﻕ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ واﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﺑﺈﻗﻠﻴﻢ ﺑﻴﻬﺎﺝ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻮﺳﻨﺔ، وترأس ﻭﻛﺎﻟﺔ ﺇﻏﺎﺛﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ.
المولد والنشأة
ولد الفاتح ﻋﻠﻲ ﺣﺴﻨﻴﻦ عام 1946 ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻛﺮﻛﻮﺝ ﺑﻮﻻﻳﺔ ﺳﻨﺎﺭ بالجنوب الشرقي السوداني.
الدراسة والتكوين
ﺗﺨﺮﺝ في ﻛﻠﻴﺔ ﺍﻟﻄﺐ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ ﺑﻠﻐﺮﺍﺩ، ﻭﺣﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺩﺑﻠﻮﻡ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ ﺍﻟﺒﺎﻃﻨﻴﺔ ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ فيينا ﺑﺎﻟﻨﻤﺴﺎ، وبعدها أقام حسنين فترة في تركيا، وهناك تعرف على الراحل علي عزت بيغوفيتش الذي تقلد لاحقا منصب رئيس البوسنة والهرسك.
التجربة الدعوية
وتقول المصادر إن وﻛﺎﻟﺔ العالم الثالث التي أسهها الفاتح حسنين في النمسا أسهمت بشكل كبير في ﺇﻧﺸﺎﺀ ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﺒﻮﺳﻨﺔ ﻭﺍﻟﻬﺮﺳﻚ، ﻭﺩﻋﻢ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﺷﺮﻕ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺃﻟﺒﺎﻧﻴﺎ ﻭﻛﻮﺳﻮﻓﻮ.
ومن نشاطه الدعوي طبعه لمعاني ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ باللغات البوسنية والألبانية والبلغارية والتشيكية والرومانية، كما ﻋﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺇﻟﻰ عدد من لغات ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ ﺍﻟﺸﺮﻗﻴﺔ، ﻭﺃﺻﺪﺭ ﻣﺠﻠﺔ "ﺍﻟﺸﺎﻫﺪﺓ" ﺍﻟﺘﻲ ﻋﻨﻴﺖ ﺑﺄﺧﺒﺎﺭ ﺍﻷﻗﻠﻴﺎﺕ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ هناك.
تصف بعض المصادر الدكتور الفاتح علي حسنين بأنه داعية وثائر ومن أهم القادة الذين دافعوا عن وجود المسلمين في شرق أوروبا.
كما نسج الشيخ حسنين علاقات مع قادة العمل الخيري والدعوي في تركيا، وأسس ﻣﺪﺭﺳﺔ ﺍﻟﻐﺎﺯﻱ "ﻋﻠﻲ ﻋﺰﺕ ﺑﻚ" في إسطنبول.
ولاحقا، عمل مستشارا لرئيس البوسنة والهرسك بيغوفيتش وقائما بأعماله مدة أشهر في تسعينيات القرن الماضي.
ويرتبط الفاتح بعلاقات وثيقة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تعود إلى سبعينيات القرن العشرين، ويصف أردوغان الفاتح بأنه شيخه ومعلمه.
ويصف أردوغان الفاتح بأنه شيخه ومعلمه، وقد زاره في منزله بالخرطوم عام 2017 للاطمئنان على صحته وطلب الدعاء منه.
كما أرسل له أردوغان طائرة إسعاف خاصة في يوليو/تموز 2018 وعلى متنها طاقم طبي على أعلى مستوى ونقله للعلاج في تركيا.
وقال نجله محمد الفاتح إن والده أدخل إلى العناية المركزة قبل أكثر من أسبوعين في أحد مستشفيات إسطنبول بعد معاناة من آثار التهاب رئوي حاد، وتوفي اليوم الاثنين بتاريخ 19/ 08/ 2024م، ومضيفاً أن جثمانه سيوارى الثرى غدا الثلاثاء في إحدى مقابر إستانبول.
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
وإنا لله وإنا إليه راجعون
والحمد لله رب العالمين
د. علي محمد محمد الصلّابي
(الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)
23 ذو القعدة 1446ه/ 19 أغسطس 2024م