إضاءة في كتاب
السلطان سيف الدين قطز ومعركة عين جالوت في عهد المماليك
بقلم: د. علي محمد الصَّلاَّبي
هذا الكتاب هو جزء من سلسلة التاريخ الإسلامي، حيث يتناول دولة المماليك وأوصلهم ونشأتهم، والمخاطر التي عاشتها الأمة الإسلامية في تلك المرحلة نتيجة الخطر الصليبي والمغولي. وقد أسميته "السلطان سيف الدين قطز ومعركة عين جالوت في عهد المماليك".
شرحت في الكتاب أنه كان من نتائج سقوط بلاد الشام في أيدي المغول وحلفائهم أن عم الرعب والخوف سائر أرجائها، فهرب الناس، باتجاه الأراضي المصرية، وكانت القيادة الإسلامية بمصر تستقبل جموع المسلمين من العراق والشام، وتجهز نفسها لمعركة فاصلة مع المغول، وكان السلطان سيف الدين قطز على رأس السلطة في مصر، وكان يدرك أن بقاء دولته الفتية يتوقف على اجتيازه ذلك الإمتحان الكبير المتمثل في الغزو المغولي للممالك الإسلامية الذي اِستشرى خطره، وأن يثبت أنه بحق أهل للثقة التي أولاها إياه الأمراء في مصر، ورجل الساعة بالفعل بعد إجماعهم على عزل الملك المنصور علي ابن المعز أيبك، وتنصيبه على دولة المماليك، وأخذ سيف الدين في إعداد الجبهة الداخلية، وحرص على رص الصفوف والتصالح مع المخالفين، وحكّم الشريعة الإسلامية في دولته، واستجاب لتعاليم وترشيد الشيخ عز الدين بن عبد السلام، ورد على رسالة هولاكو بإعلان الحرب على المغول، وشرع في إعداد العدة للمعركة الفاصلة، واستطاع المسلمون بقيادة سيف الدين قطز تحقيق نصراً ساحقاً على المغول وتمّ تطهير بلاد الشام من السيطرة المغولية، ورتّب سيف الدين قطز أمور الولايات الشامية، وبعد ذلك قصد البلاد المصرية، وفي طريق عودته تمّ اغتياله على يد ركن الدين قطز ومجموعة من فرسان المماليك لأسباب تمّ بيانها وتفصيلها في هذا الكتاب، وذكرت أهم العوامل التي ساهمت في تحقيق النصر في معركة عين جالوت، والتي منها:
1ـ القيادة الحكيمة.
4ـ إحياء روح الجهاد.
5ـ الإعداد وسنة الأخذ بالأسباب.
6ـ عبقرية التخطيط.
9ـ سنة التدرج ووراثة المشروع المقاوم.
10ـ الاستعانة بالعلماء واستشارتهم.
11ـ الزهد في الدنيا.
ولخصت أهم النتائج والآثار المترتبة على انتصار المسلمين في عين جالوت، فذكرت منها:
1ـ تحرير بلاد الشام من المغول.
2ـ تحقق الوحدة بين الشام ومصر.
لقد وضحت في هذا الكتاب طبيعة المشروع المغولي، ونقاط ضعفه وقوته، وكيف استباح العالم الإسلامي، وتهاوت مدن المسلمين، كبخارى وسمرقند وكابل وبغداد وغيرها أمام جيوش المغول، فاستباحت الديار وهتكت الأعراض، وصودرت الممتلكات، وغابت أسباب النصر، وتعمقت عوامل الهزيمة في الأمة أمام المشروع الغازي، ومضت السنن والقوانين الإلهية، وعملت عملها، ولم تجامل أحد، وما تغيرت ولا تبدلت والناس في همّ وغمّ وذل وضعف وخور، وصغار، حتى استوعبت القيادة الإسلامية في مصر فقه المقاومة وادارة الصراع وعرفت كيف تدفع أقدار الله بأقداره من خلال سنن النهوض، وأسباب النصر، فكانت النتيجة المذهلة في معركة عين جالوت، حيث تحرك السلطان سيف الدين قطز من خلال مشروع إسلامي ملك مقومات الصمود والتحدي، وحقق الانتصار، فكانت الرؤية واضحة، والهوية صافية، والبُعد العقائدي حاضر، والفقه السياسي ناضج، والقوة العسكرية متفوقة في مجاليها المعنوي والمادي،
وصف عصر المماليك بأوصاف واتهامات جائرة، فوصف بأنه عصر تدهور وتخلف وجمود، إلى غير ذلك من الأحكام التي انطلقت من أفواه المستشرقين خاصة، فعلى الرغم من أن الحقائق تشير إلى أن أضخم إنتاج فكري في العصور الإسلامية قد جاءنا من عصر المماليك إلا أن المستشرق الفرنسي جاستون فييت يعده إنتاجاً من الدرجة الثانية، ويقول عن ذلك: ولكن القاهرة لم تكن في أي وقت مضى مركزاً علمياً في مستوى بغداد وقرطبة، وكانت في القرنين الرابع عشر والخامس الميلاديين ـ الثامن والتاسع الهجريين مركزاً للسياسة والإدارة وبصفة خاصة للتجارة العالمية، ورغم أنها احتفظت بذوقها الفني الرفيع، فإنها في مجال الإنتاج الفكري كانت من الطبقة الثانية، ويصف بروكلمان هذا الإنتاج بأنه، إنتاج يكاد يكون خلواً من الأصالة والإبداع بالكلية، وثم إننا نجد أن عدداً من الباحثين العرب والمسلمين قد انساقوا وراء آراء المستشرقين، فأصيبوا بداء الإعجاب بهم، فانطلقت أكثر أحكامهم من حدود آراء المستشرقين..!
إن الحقائق التاريخية تثبت للباحثين المنصفين، بأن عصر المماليك لم يكن بحال من الأحوال عصر انحطاط، بل هو الذي ظهرت فيه حضارة عظيمة في مختلف نواحي الحياة، وهذا يبدو اليوم بوضوح تام في القاهرة التي سميت بمدينة الألف مئذنة، وأما الذين لم يزوروا القاهرة، فبإمكانهم مشاهدة الآثار المملوكية في الشام مثل المدرسة الظاهرية، والجقمقية التي بجوارها، وبين هذه وتلك يمكنهم مشاهدة نموذج رائع من نماذج العمارة المملوكية وهو المئذنة الغربية من مآذن الجامع الأموي التي أمر ببنائها السلطان قايتباي بعد حريق الجامع الأموي 884هـ وتم ذلك في بضعة شهور.
في ميدان الفكر قد امتاز العصر المملوكي بأنه عصر الموسوعات الكبرى في الآدب والتاريخ والتفسير والفقه والحديث وغيرها، ففي علوم الدين والفقه والحديث نجد الموسوعات الضخمة للإمام النووي وابن تيمية وابن رجب والبدر العيني وابن حجر، وفي التاريخ نجد اليونيني والبرزالي وابن كثير وابن خلدون وابن تغري بردي والنويري وفي الموسوعات العلمية نجد مسالك الأبصار، وصبح الأعشى، وخطط المقريزي وغيرها، وهؤلاء وأمثالهم حفظوا لنا التراث الإسلامي بالدرجة الأولى ثم زادوا عليه حتى أصبحنا اليوم نعرف أدق التفاصيل عن القاهرة في عصر المماليك، وهناك جانب آخر من الحضارة المملوكية لم يلتفت إليه الكثيرون ونعني به الجانب العسكري، ذلك أن الانتصارات المذهلة التي حققها المماليك على المعتدين في الشرق والغرب أي على المغول والصليبيين في غضون أربعة وأربعين عاماً فقط من سنة 658هـ ـ 702هـ.
إن الذين استطاعوا التصدي للمشاريع الغازية، وانتزاع المدن والقلاع والحصون من المغول والصليبيين هم الذين تميزوا بمشروعهم الإسلامي الصحيح، وعرفوا خطر المشاريع الباطنية الدخيلة، فتصدوا لها بكل حزم وعزم، إن أية أمة تريد أن تنهض من كبوتها لا بد أن تحرك ذاكرتها التاريخية لتستخلص منها الدروس والعبر والسنن في حاضرها وتستشرق مستقبلها، ولنا في تجربة المظفر قطز والسلطنة المملوكية خير مثال.
انتهيت من هذا الكتاب "سيف الدين قطز ومعركة عين جالوت"، يوم الخميس من تاريخ 17 صفر 1430هـ/ الموافق 12/2/2009م، والفضل لله من قبل ومن بعد، وأسأله سبحانه وتعالى أن يتقبل هذا العمل ويشرح صدور العباد للإنتفاع به ويبارك فيه بمنه وكرمه وجوده قال تعالى: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [فاطر: 2].
والحمد لله رب العالمين
كتاب السلطان سيف الدين قطز ومعركة عين جالوت في عهد المماليك، متوفر على الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي على الرابط التالي:
http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/45