الخميس

1446-06-25

|

2024-12-26

إضاءة في كتاب سيرة الزعيم محمد المهدي السنوسي (توسع الحركة السنسية)

بقلم: د. علي محمد الصَّلاَّبي

 

هذا الكتاب يتحدث عن الامم محمد المهدي السنوسي ان غربلة التاريخ، وحفظه من التزوير، وشف الأكاذيب التي دسَّها أصحاب الأعراض الخبيثة الذين عملوا على تشويهه، وتزويره، وتشكيك الأجيال في سير أبطالهم، وقدوتهم، لعبادة عظيمة يحبها المولى عز وجل؛ الذي من أسمائه الحسنى العدل، والحق أن الأبناء يحفظون لزعماء بلادهم، وصانعي تاريخها، أعمالهم العظيمة، وجهادهم الشاق، ودعوتهم المخلصة مع الدعاء لهم بالمغفرة والرحمة، قال تعالى: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحَشر: 10]

لقد اطَّلع مجموعة من المفكرين، والمختصين بشؤون الدعوة، والمهتمين بأمر التاريخ على سيرة الإمام محمد بن علي السنوسي، فنالت إعجابهم، وأشادوا بالأسس التي قامت عليها الحركة السنوسية من إيمان عميق، وإخلاص لله، وعلم غزير، وجهاد متواصل، وأشاروا إلى أهمية نشر مثل هذه المعلومات؛ لأنها تساهم في توعية الأجيال بحقائق مهمة في مجال الدعوة إلى الله تعالى.

وفي هذا الجزء من هذه الدراسة نحاول أن نتعرف على سيرة محمد المهدي السنوسي.

فالإمام محمد المهدي يعتبر الزعيم الثاني للحركة السنوسية، وكانت سيرته مليئة بالدروس والعبر والعظات، وتوسَّعت الحركة في زمنه أكثر من أربعة أضعاف ما كانت عليه، وحققت انتصارات عظيمة للإسلام في إفريقية، بسبب إخلاصه لله، وصدقه في الدعوة، وتفانيه في العمل، وشجاعته النادرة، ورجولته الصادقة، وسيره الرشيد المستمد من كتاب الله وسنة رسوله (ﷺ). لقد نمت الحركة السنوسية في عهد المهدي حتى بلغت ذورة نموها وانتشارها، وكانت فترة قيادته أكثر من أربعين عاماً، فكانت هذه المدة الطويلة فترة استقرار وانتشار للدعوة، ويمكن تسميتها بالعصر الذهبي للدعوة السنوسية.

وكان المهدي بعيد النظر، سديد الرأي، شديد العزم على إتمام البناء الذي شيده والده ابن السنوسي، فواصل مسيرة والده في إنشاء الزوايا، وإرسال الدعاة والعلماء إلى قبائل إفريقية، فدخلوا النيجر والكنغو والكامرون وجهات بحيرة تشاد، وعمل على ذيوع الدعوة عن طريق واداي، وبرنوا، وكاتم، والداهومي وغيرها.

لقد تغلغلت الحركة السنوسية بقيادة المهدي السنوسي في قلب إفريقية من البحر

المتوسط شمالاً، إلى قلب السودان الغربي جنوباً، حيث كانت تنتشر الوثنية، وبتوفيق الله تعالى، ثم هذه الجهود العظيمة؛ دخل عدد كبير من الزنوج في الدين الإسلامي، وخرجت عدة قبائل وثنية من مهاوي الكفر بدرجة لا يتصورها العقل، وفي هذا يقول الشاعر:

كانت طريقته القيام بسنة   نبوية لألاءة الأوضاح
فله من الخدمات للإسلام ما   يعلو على متناول الشُّرَّاح
يكفيه نشر الدين في الالاف من أقصى حدود «تشاد» حتى «الواح»
نَصْر لدين الله بين مَجَاهِل   صَعُبَتْ على الرواد والسياح
فازوا من الفتح المبين بعزة   الإسلامِ بعد عبادة الأشباح

– لقد بسطت الحركة السنوسية في زمن المهدي سلطانها الروحي على أقاليم كثيرة في إفريقية، وحققت نجاحات كبيرة في أوساطها، وفي قلب الصحراء الكبرى، وكانت عقبة كأداء في طريق الرسالات المسيحية التنصيرية، التي وجدت في أتباع السنوسية خصوماً عنيدين، عطلوا عليها أعمالها لدرجة بعيدة.

لقد كانت سيرة محمد المهدي السنوسي، روحها إيمان عميق بالله، وحب شديد لدعوته الخالدة، ورغبة أكيدة في الشهادة في سبيله، وجهاد مرير لأعداء الإسلام، وصبر لا ينفد في مجال الدعوة، ومجالدة دول الاستعمار بالبناء المتين، والتربية الشاملة، والإعداد المتوازن في كافة المجالات.

لقد اتصف محمد المهدي بصفات القادة الربانيين، من سلامة المعتقد، والعلم الشرعي، والثقة بالله، والقدوة الحسنة، والصدق، والشجاعة، والمروءة، والزهد، وحب التضحية، وحسن اختياره لمعاونيه، والتواضع، وقبول النصح، والحلم، والصبر، وعلو الهمة، والحزم، والإرادة القوية، والعدل، والقدرة على حل المشكلات، والقدرة على التعليم، وإعداد القادة، وإيمان بالله عظيم.

لقد انعكست ثمار الإيمان بالله على جوارحه، وتفجرت صفات التقوى في أعماله، وسكناته وأحواله، واستطاع بتوفيق الله تعالى الانتقال بالحركة نحو أهدافها المرسومة بخطوات ثابتة، ورؤية واضحة، ومعرفة حقيقية للظروف المحلية والإقليمية والدولية التي تحيط به.

لقد كانت معالم سيرته، كما قال الشاعر:

كانت معالمها كسيرة جده  إحياء دين وانتشار صلاح
أعمال مجتهد بخالص نية    للخير منتصر بغير سلاح
لو كان عن شيء لغير الله في    أعماله ما كُلِّلَتْ بنجاح
إذ لا يدوم سوى الذي هو نافع للناس مرتفع عن الأرباح
ومن الكرامة للولي نجاحه    في النصح بالإقناع والإفصاح
والمرء لا يعجبك منه ما سعى   بل ما نوى في السعي من إصلاح
فإذا استوى علم وحسن عقيدة  كان النجاح حليف كل طماح
إن العقيدة لا يصح يقينها  إلا بفعلٍ ظاهرٍ وصراح
فإذا أحب اللهُ باطنَ عبده   ظهرت عليه مواهبُ الفتاح
وإذا صفت لله نية مصلحٍ   مالَ العباد إليه بالأرواح هذي صفات السيد «المهديِّ» لا     والله ما بالغت في الإيضاح

إن هذا الجهد المتواضع يحاول أن يجيب القارئ الكريم عن كثير من الأسئلة التي تتعلق بسيرة محمد المهدي السنوسي: كيف طلب العلم؟ وكيف تولى زعامة الحركة؟ وهل كان له مجلس شورى؟ وهل تطورت مؤسسات الحركة السنوسية في عهده؟ وما أسباب نمو الحركة؟ وهل كان هناك اهتمام خاص في زمنه بالمنهج التربوي الجهادي؟ ولماذا هذا الاهتمام؟ وما موقف الدول الأوروبية من الحركة السنوسية؟ وما موقف محمد المهدي السنوسي من الثورة العربية في مصر، وثورة محمد أحمد في السودان؟ وما موقفه من الدولة العثمانية وفكرة الجامعة الإسلامية؟ وما الأهداف من رحلاته وانتقالاته إلى الكفرة ثم قرو؟ وما حقيقة الصراع بين فرنسة والحركة السنوسية؟

هذه الأسئلة وغيرها يحاول الكتاب أن يجد لها إجابات مقنعة من خلال البحث التاريخي.

علي محمد محمد الصلابي

 

كتاب سيرة الزعيم محمد المهدي السنوسي، متوفر على الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي على الرابط التالي:

http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/68

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022