أسرى بدر (2)
الحلقة السادسة والثلاثون من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
ربيع الآخر 1443 هــ / نوفمبر 2021
في مجلس الشورى:
ثانيًا: غير ذات الشوكة:
نحن ندرك أن معركة بدر هي يوم الفرقان- كما سماه ربنا- وهو أول يوم أعز الله فيه الإسلام، وكانت معركة فاصلة كما يسميها جميع المؤرخين وكتَّاب السير؛ لأنها المعركة الأولى بين المسلمين والمشركين، وكان انتصار الإسلام فيها مؤذنًا بأنه سيمتد إلى الجزيرة العربية كلها، بل إلى ما وراءها، ومع ذلك فقد سجَّل الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم أن الصحابة لم يكونوا راغبين في المصادمة مع هؤلاء القوم في البداية، كما قال الله عز وجل: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ [الأنفال: 7].
فقد كانوا يتمنون أن يحصلوا على عير أبي سفيان التي خرجوا لها ويستردوا أموالهم التي أخذت بغير حق، وألا يكون هناك مجال للمواجهة والقتال، وهذا ينسجم تمامًا مع ما رواه الشيخان وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «أَيُّهَا النَّاسُ، لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْـجَنَّةَ تَـحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ».
إن الإسلام ليس دينًا يتعطش للدماء والحروب، بل هو دين هداية، دين إنساني عالمي، لكن إذا وُقِفَ في وجه دعوته وحورب وعودي فهو دين له مخالب وأنياب، فلا يواجه القنابل والسيوف والحروب بالورود والزهور والرياحين! كلا، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو نبي الرحمة ونبي الملحمة، وهذه لها موقفها وتلك لها موقفها، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في معركة بدر يتمنون أن غير ذات الشوكة- أي غير الحرب- تكون لهم، والله تعالى علم ما هو الخير فأراده وأجرى القدر فيه، فالتقى المسلمون مع أعدائهم، والتقى الجمعان:
هناكَ الْتَقَى الْـجَمْعانِ جَمْعٌ يَـقُـودُهُ *** غُـــرورُ أَبِي جَهْــلٍ كَـــهِــرٍّ تَأَسَّـدَا
وَجَمْــعٌ عَلَـيْـه مِــنْ هُــداهُ مَهَابَـةٌ *** وَحَـادِيَــه بِالآياتِ فِي الصَّبْرِ قَدْ حَدَا
وشَمَّرَ خَيـْرُ الْـخَلْقِ عَنْ ساعدِ الْفِدَا *** وَهَــزَّ عَلَى رَأسِ الطُّغَــــاةِ الْـمُهَنَّدَا
وَجِبْرِيلُ فِي الأُفْــقِ الْـقَرِيــبِ مُكَبِّر *** لِيُلْقِي الْوَنَا والرُّعْبَ فِي أنْفُسِ العِدَى
وكتب الله تعالى النصر للمؤمنين، وجعل الدائرة على أعدائهم، وهذا كله رغم الفترة الطويلة جدًّا من الصعوبات التي واجهها المسلمون في مكة ثم في المدينة، ومع ذلك يخوضون المعركة الأولى على غير رغبة منهم ولا اختيار، ولكنه قدر الله تعالى الذي ساقهم إلى ذلك.
وبعد انتهاء المعركة كان في يد المسلمين هؤلاء الأسارى من صناديد قريش قد ظفروا بهم، والسؤال هو: هل أعمل المسلمون عوامل الانتقام والثأر والانتصار، أم كانت روح الإيمان والإنذار والرغبة في الهداية والرحمة والشفقة على الناس أوسع عندهم من ذلك كله؟
هذا هو ما نجده في الحوار الذي دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المسلمين، ثم انتهى بأن يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأي أبي بكر.
إذًا: هو رأي الرسول صلى الله عليه وسلم شخصيًّا، وهو رأي أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه، ولذلك أخذ النبي صلى الله عليه وسلم به وطبقه، وجعله نظامًا جرى به على هؤلاء الناس.
رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
http://alsallabi.com/books/view/506
كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي
http://alsallabi.com/books/7