الأربعاء

1446-06-24

|

2024-12-25

أسرى بدر (3)
الحلقة السابعة والثلاثون من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
ربيع الآخر 1443 هــ / نوفمبر 2021

 في مجلس الشورى: 
ثالثًا: المولى يعاتب نبيه صلى الله عليه وسلم: 
يتساءل البعض ويقولون: لماذا نزل قول الله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ﴾ [الأنفال: 67]. هل يعني هذا أن رأي النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه مرجوح وأن رأي عمر رضي الله عنه كان هو الراجح؟ 
والجواب: أنه لا يظهر هذا، بل نصوص القرآن تدل على أن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم كان صوابًا، ولم يعاتبهم الله تعالى في شأنه قط، وإنما عاتبهم في شأن آخر، فقال لهم: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ﴾ [الأنفال: 67].
فعاتبهم على الأسر، بمعنى أن الله تعالى كأنه يقول للمؤمنين: وقد لقيتم المشركين في ميدان المعركة وشهروا سيوفهم في وجوهكم، فلماذا تأسرونهم؟ لماذا لم تقتلوهم كما يقاتلونكم؟ هذا شيء طبيعي جدًّا: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ﴾ [محمد: 4]. وليس المعنى: لقيتموهم في الشارع أو في السوق أو في بيوتهم.
وإنما لقيتموهم في ميدان المعركة، وهم قد جاءوا واستعدوا وتهيؤوا لقتالكم، فأي قانون في الدنيا أو نظام أو مبدأ أو دولة يمكن أن يقول: إن هؤلاء يواجهون بغير الحرب؟ قوم حاربوكم وقاتلوكم واستعدوا لقتالكم لا بد أن يواجهوا بمثل ذلك.
وَمَا هُوَ إِلا الوَحيُ أَو حَدُّ مُرهَّفٍ * تُميلُ ظُبَاهُ أَخدَعَي كُلِّ مائلِ
فَهَـذا دَواءُ الـدَّاءِ مِن كُـلِّ عاقِـلٍ * وَهَذا دَواءُ الدَّاءِ مِن كُلِّ جاهِلِ
قال: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ﴾ [محمد: 4]. حرب بحرب، وضرب بضرب، وسيف بسيف، ومواجهة متكافئة ﴿حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ﴾. أي: بالغتم في النكاية بهم وقتلهم، فهنا ﴿فَشُدُّوا الْوَثَاقَ﴾. أي: بالأسر، فالآية تدل على أن الأسر لا يكون في بداية الحرب طمعًا في المغنم أو الفدية، وإنما يكون بعد الإثخان فيهم، وهذا ما لم يقع في يوم بدر.
فالله تعالى عاتبهم أنه ما كان لكم أن تأسروهم حتى تثخنوهم، فإذا أثخنتموهم فأسروهم، فإذا أصبحوا أسرى فقد انتقلوا حينئذ من المقاتلين إلى أن يكونوا أسرى حرب، ولهذا قال: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الأنفال: 67]. أي: فإذا أثخن في الأرض كان له أسرى، وهؤلاء الأسرى حكمهم: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ﴾. فإذا أثخن فيهم بالقتل انتقل إلى المرحلة الأخرى وهي: ﴿فَشُدُّوا الْوَثَاقَ﴾. فإذا شددنا الوثاق صار هؤلاء أسرى حرب كما في المصطلحات المعروفة، ثم قال سبحانه: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ [محمد: 4].
ولم يذكر الله سبحانه وتعالى هنا القتل، فذكر المَنّ أو الفداء. 
وهذا الذي عمله النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قد يمن على بعضهم كما مَنَّ على كثيرين، وقصة ثُمامة بن أُثال رضي الله عنه هي مثال لذلك، وذلك دون أن يطلب منه فدية، أو يطلب الفدية، وهذا ما بينه بقوله: ﴿وَإِمَّا فِدَاءً﴾. أي: أن يطلب منهم الفدية ويطلقوا مقابلها، وقد يكون من أئمة الإسلام مَن يرى أن له أن يقتل الأسير لسبب معين، مثل: أبي عزة الجمحي الذي خدع المسلمين مرة بعد أخرى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا واللهِ، لَا تَمْسَحُ عَلَى عَارِضَيْكَ بِمَكَّةَ تَقُولُ: قَدْ خَدَعْتُ مُـحَمَّدًا مَرَّتَيْنِ».

رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم 
http://alsallabi.com/books/view/506

كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي
http://alsallabi.com/books/7


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022