النبي الداعية صلى الله عليه وسلم (2)
الحلقة السابعة والسبعون من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
جُمَادَى الآخِرَة 1443 هــ / يناير 2022
- خطاب غائب:
فالخطاب هنا خطاب لغائب؛ فهو لم يقل له: عبست وتوليت. وإنما قال:﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾. وهذا الخطاب فيه نوع إعراض يتناسب مع إعراض النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن أم مكتوم؛ حيث كان مشغولًا بالدعوة، ثم علل ربنا سبحانه:﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾ بقوله: ﴿أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى﴾ [عبس: 2]، وفي هذه الكلمة: ﴿الْأَعْمَى﴾ إشارة إلى عذر الرجل، فالرجل كان معذورًا؛ لأنه لم يكن يرى بعينيه ما النبي صلى الله عليه وسلم منهمك فيه من الدعوة والانشغال بما هو أهم، فكان عذره واضحًا، وفي ذلك إشارة قوية وصريحة إلى أن هذا الدين لا يفرق بين الناس بمقتضى إمكانياتهم المادية أو قدراتهم، أو مصالحهم أو مكانتهم، أو شرفهم أو شهرتهم، وإنما الميزان في هذا الدين هو التقوى والتزكية، ولهذا قال عز وجل: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى﴾. أي: هذا الرجل الذي أعرضت عنه لعله يزكى: ﴿أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى﴾، فهو بين أمرين: إما أن يتزكى، يعني: يستمع منك إلى ما يرشده من خير وهدى وإيمان وعبادة وطاعة، فيعمل بها، فتزكو نفسه، أو يذكر فيخشى ويرتدع، ويترك معصيةً أو ذنبًا دعته إليه نفسه، فهو بين خيرين يأخذهما منك.
لقد عتب اللهُ على رسوله صلى الله عليه وسلم أن عبس في وجه ابن أم مكتوم رضي الله عنه، مع أنه أعمى لم يكن يرى تقاسيم وجهه صلى الله عليه وسلم وما رأى هذا العبوس، ومع ذلك جاءت المعاتبة للنبي صلى الله عليه وسلم على أمرٍ لم يشعر به المعاتَب من أجله، وهو ابن أم مكتوم الأعمى.
هذا ما يتعلق بشأن عبد الله بن أم مكتوم، أما ما يتعلق بالملإ الذين كان مشغولًا بهم فقد حكاه الله بقوله: ﴿أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى﴾ [عبس: 5-7]. فهذا الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على دعوته كان يشعر بالغنى وعدم الاحتياج للدعوة.
إذًا: ما الذي يدعوك إلى أن تبذل معه أكثر مما هو واجب ومطلوب، بل تنشغل به عن الشخص الذي أقبل عليك وأرادك، وجاء يسألك الهداية والتوجيه والإرشاد؟!
- انحياز للفقراء والضعفاء:
في هذا عتاب مباشر يؤكد انحياز الإسلام إلى صف الضعفاء والمساكين والفقراء، وبيان أن الميزان والمعيار ليس في الماديات وإنما كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13].
ليست العبرة بالنسب ولا بالحسب، ولا حتى بقرب الإنسان من النبي نفسه صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ آلَ أَبِي- يعني فلانًا- لَيْسُوا بِأَوْلِيَائِي، إِنَّـمَا وَلِيِّيَ اللهَ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ».
رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
http://alsallabi.com/books/view/506
كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي