الثلاثاء

1446-06-23

|

2024-12-24

خطيب العالم (3)

الحلقة الخامسة والسبعون من كتاب

مع المصطفى صلى الله عليه وسلم

بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)

جُمَادَى الآخِرَة 1443 هــ / يناير 2022

- حديث بفهم الناس:

إن على من يريد توجيه الناس وإصلاحهم وبث الوعي الإيجابي فيهم، ودعوتهم للإسلام أن يطالب نفسه باستخدام لهجة يفهمها الناس ويعرفونها، واستعمال أسلوب يتعاطى مع حسهم قبل أن يصف الناس بقلة الفهم وانحطاط الوعي والإدراك، وقبل أن يصفهم بالبعد عن الدين والعلم.

إن اللغة السهلة القريبة الرقيقة هي جسر التواصل بين الخطباء والناس؛ فتأهيل الخطيب بفقه عام لأحوال الناس ولغتهم بُنيةٌ أساسية لتحقيق فهم الناس للخطبة أولًا، وتفاعلهم واستجابتهم لها ثانيًا.

وهذا التأهيل أو قريب منه هو الذي اعترف به قوم صالح لنبيهم صالح عليه السلام، حين قالوا عنه: ﴿قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا﴾ [هود: 62]، لقد كان (مَرْجُوًّا) لأنهم يعرفونه، وعاش معهم لحظات الوجود أولًا بأول، فكان خطابه محرجًا للجميع؛ لأنه جاء بالحق والدين والإيمان في واقع يعرفه جيدًا، ولأناس هم قومه الذين عرفهم وعرفوه فكان (مَرْجُوًّا) فيهم.

ورسولنا صلى الله عليه وسلم خير من أثبت في خطبته معنى الاهتمام بمخاطبة الناس، وإدراك الفروق بين فئات المجتمع، وفي الصحيحين قصةُ خُطبتهِ للنساء، ووعظه لهن، وتفاعل النساء معه، وأسئلتهن له صلى الله عليه وسلم؛ فالمرأة تقوم، فتسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتستفسر وتستوضح في جو من التفاهم بديع.

وحتى منبره صلى الله عليه وسلم كان أرفع من الناس قليلا ً، ليكون أقرب لشدّ انتباه الناس، واسترعاء اهتمامهم.

وكذا صوته صلى الله عليه وسلم فلم يكن على وتيرة واحدة، فالطريقة الواحدة تبعث الإنسانَ على الملل، فكان يرفع صوته ويخفضه، ولذا كانت خطبة الجمعة خطبتين، بينهما جلسة قصيرة؛ لتيسير فهم الخطبة، والاستجابة لها.

يقول جابر رضي الله عنه: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرَّت عيناه، وعلا صوتُه، واشتد غضبُه، حتى كأنه منذرُ جيشٍ يقول: «صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ».

وهذه ليست كل أحواله في خطبه، فهي تختلف في احتياجها لمثل هذا الشعور؛ فالموضوع والحدث يفرض أحيانًا نوعًا من الاهتمام يختلف عن موضوع وحدث آخر، لكن: بهذه الأوصاف جميعًا تدرك دقة المتابعة، ورقي الإحساس النبوي في الخطبة.

وترى في الوقت ذاته غفلة بعض الخطباء عن هذه المعاني والأوصاف، وترى بُعدهم عن الهدي النبويّ، فتشاهد إما طولا ً مفرطًا، أو لغة رديئة، أو بعدًا عن هموم الناس ومشاعرهم، أو انفعالًا يبتعد عن سبيل الاعتدال الذي هو سمة هذه الأمة حين تخاطب الناس، لتكون شهيدة عليهم، ومُبلِّغةً لرسالة الدين والحق، على خُطا نبيها محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: 143].

رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم

http://alsallabi.com/books/view/506

كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي

http://alsallabi.com/books/7


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022