خطيب العالم (1)
الحلقة الثالثة والسبعون من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
جُمَادَى الآخِرَة 1443 هــ / يناير 2022
في «الصحيح» عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: 214] ، صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الصَّفَا؛ فَجَعَلَ يُنَادِي: يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ، لِبُطُونِ قُرَيْشٍ حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ، لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟». قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا. قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ!». فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}.
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة أيضًا: «يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي مُرَّةَ بنِ كَعْبٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي هَاشِمٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ، يَا فَاطِمَةُ، أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنْ النَّارِ؛ فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنْ اللهِ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا».
بلاغة التبليغ:
هكذا كانت أشهر خطب النبي صلى الله عليه وسلم، وبها انتقلت الدعوة من السر إلى العلن، كانت تبليغًا وإنذارًا وتبشيرًا، بكلمات قلائل، ووقت يسير، ولم تأخذ هذه الخطبة وقتًا طويلًا ولا شرحًا مملًا، ولا سجعًا متكلَّفًا مما تنوء به بعض الخطب.
بهذه الخطبة أوجز النبي صلى الله عليه وسلم كلامه، وأُوتي في كل حديثه جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصارًا، ومع أهمية هذه الخطبة وتاريخيَّتها ودورها في فجر هذا الدين الإسلامي؛ فإنها لم تتشعب في التفاصيل، ولم تسهب في الشرح؛ فهي خطبة عظيمة لعظم المعنى الذي تحمله والألفاظِ التي عبرت عن هذا المعنى، وجزالة العبارة، وصدق اللهجة، وشرف الموقف، ومثل ذلك كانت خطبه صلى الله عليه وسلم.
رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
http://alsallabi.com/books/view/506
كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي