الروم أكثر الناس (2)
الحلقة الحادية والسبعون من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
جُمَادَى الآخِرَة 1443 هــ / يناير 2022
- البقاء مرهون بحفظ الحقوق:
إن عمرو بن العاص رضي الله عنه في إضاءته الدقيقة ربط ظاهرة بقاء الروم وأنهم سيكونون أكثر الناس إلى قيام الساعة- بأسباب، وهذا يدل على أن هذه الأمور القدرية التي تقع اليوم ليست أمورًا اعتباطية، بل إن القضاء والقدر يمضي وفق نواميس وسنن ركبها الله سبحانه وتعالى في الكون، فالعدل، والإنصاف، والصدق، والعلم... هذه أمور عظيمة مطلوبة، من تحلى بها ظفر، ومن تخلى عنها خسر، وقد يتحلى بها المسلم فيكون له حظ وتوفيق، وقد يبتعد عنها فيحرم من خير كثير، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه «قاعدة في الحسبة»: «فإن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة وعاقبة العدل كريمة ولهذا يُروى: الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة»، ولهذا فإن المسلمين تحق عليهم السنة كما تحق على الأمم الأخرى.
ويمكن أن نستشف ترغيب الشارع في الأخذ بهذه السنن من قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى في الحديث القدسي: «إن اللهَ عز وجل يَقُولُ: مَنْ تَقَرَّبَ إِلَـيَّ شِبْـرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا»، فإن هذا الحديث يشمل التقرب إلى الله تعالى بالطاعات والتوبة من الذنوب، فكل مَن تاب وأناب، فإن الله تعالى يكون إليه أسرع بقبول التوبة، وبإعانته على طريقه الجديد، وأنه سبحانه وتعالى يبدل سيئاته حسنات، ويوفقه بمن يساعده على هذا الطريق من أهل أو زوج أو صديق أو ما أشبه ذلك.
- التقرب بالمعرفة والقوة:
كما يشمل هذا الحديث التقرب إلى الله تعالى بمحاولة اكتساب عوامل القوة التي يفتقر إليها المسلمون، مثل: تحصيل التقنية والصناعة والعلم والوحدة، إلى غير ذلك من المقاصد والمصالح، فإن الله تعالى أسرع بالإعانة على تحصيل ذلك، ويوفق بمن يساعد ويساند، وهذا كله من عون الله تعالى للعبد.
فالمسلم الصادق إذا اجتهد في هذه السنن فإنه قد يجتمع له فيها في يوم ما لا يجتمع لغيره في شهر، بشرط وجود العزيمة والصدق، وأن يسلك الطريق الصحيح المؤدي إلى تحصيل هذه الأشياء، ولا يكتفي بمجرد التمنيات والأحلام والظنون، أو ينتظر إلى أن تأتيه هذه على طبق من ذهب دون جهد أو عمل.
فنحن نلاحظ عمرو بن العاص رضي الله عنه وكيف يفسر كلام النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الخصال الأربع وخامستها الحسنة الجميلة التي بها أصبحوا أكثر الناس، وبها استحقوا هذا التمكين الذي كان لهم، ونطق به النبي صلى الله عليه وسلم، ونطقت به دلائل الواقع اليوم:﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: 46].
رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
http://alsallabi.com/books/view/506
كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي