بين السنة والسيرة (2)
الحلقة 135 من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
تاريخ النشر: شعبان 1443 هــ / مارس 2022
- السيرة وعناية العلماء:
وهذه المرويات عُني العلماء بجمعها، ومن أكثر من رأيت عناية بها الإمام الحافظ ابن كثير في جزء السيرة النبوية من «البداية والنهاية» والذي طُبع مفردًا في كتاب مستقل، والإمام ابن القيم في كتابه الفذ «زاد المعاد في هدي خير العباد»، فضلًا عن مصنفات مسندة تعنى بجانب معين من السيرة، مثل «دلائل النبوة» لأبي نعيم، والبيهقي، وغيرهما.
وقد حاول عدد من الباحثين المعاصرين تناول بعض أحداث السيرة على ضوء روايات كتب السنة الموثوقة المعتمدة وهو منهجٌ حميدٌ يحسُن أن تقوم الأقسام العلمية في الجامعات بتوسيع دائرة البحث فيه.
وبين يديّ عدد من الكتب والرسائل الجامعية، منها: رسالة «الهجرة» للدكتور سليمان بن علي السعود، ورسالة «السيرة النبوية من الصحيحين مقارنة بسيرة ابن إسحاق» للدكتور سليمان العودة، ومجموعة كبيرة من الرسائل في الجامعة الإسلامية تتناول المغازي بصفة خاصة، مثل «مرويات غزوة بدر» للعلمي، و«مرويات غزوة الحديبية» للشيخ الحكمي، وغيرها كثير، وقد حاولت تطبيق هذا المنهج في كتابي «الغرباء» عن السيرة في بدايتها الأولى.
وليس مرادي هنا سرد البحوث العلمية، فهذا له ميدانه الخاص، ولكن أريد أن أؤكد على أن الباحث قد يجهد في كتب السيرة؛ ليوثق حادثة ما فلا يستطيع، لكنه يملك ذلك من خلال الرجوع إلى كتب السنة بكل يسر.
ففي حادثة حصار الشِّعْب وصحيفة قريش الظالمة الآثمة المعلقة في جوف الكعبة، تجد الإشارة الواضحة إليها في عدد من أحاديث «الصحيحين»، أذكر منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد قدوم مكة: «مَنْزِلُنَا غَدًا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الكُفْرِ». يعني بذلك المحصَّب، وذلك أن قريشًا وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم.
وقريب منه رواية أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله، أين تنزل غدًا- في حجته- ؟ قال: «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلًا؟». ثم قال: «نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ المُحَصَّبِ، حَيْثُ قَاسَمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الكُفْر»، وهذه الحادثة قد لا تجدها في كتب السيرة مروية بإسناد كإسناد البخاري ومسلم.
فأمثال هذه تجعل الباحث في أي شأن من شؤون الحياة يستبطن صورة ذلك «المجتمع» بكاملها، إذًا السيرة ليست سجلًا لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم الخاصة، بل هي تدوين أمين لحياة المجتمع المسلم بأكمله، ورصد لتحركاته الاجتماعية والسياسية وغيرها.
- السيرة تعين على فهم التشريع:
وهذا الإدراك القوي لمجريات الأحداث في المجتمع الأول يمدّ الفقيه والدارس بوسائل جديدة للترجيح، خاصة حين يقف أمام إشكالية تتمثل في تعارض نصين خاصين ظاهرًا وبالذات في القضايا العامة التي تقع على مرأى ومسمع من الناس، أو تكون حاجات ضرورية تهم الجميع.
رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
http://alsallabi.com/books/view/506
كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي