الإثنين

1447-06-10

|

2025-12-1

من أسباب هلاكِ فرعونَ وقومِه ..الاستكبار وإنكار الحق

بقلم: د. علي محمد الصلابي

إن سنن الله في الأمم بابٌ عظيمٌ للعظة والاعتبار، إذ يكشف لنا القرآن كيف قادت صفاتٌ مذمومة كالكبر ودفع الحق إلى سقوط حضارات كانت في أعين أهلها في منتهى القوة والرفعة. ومن أبرز تلك النماذج قصة فرعون وقومه، الذين مثّلوا صورةً صارخةً للاستكبار عن الإيمان بالله وآياته، حتى جرّهم تعاليهم إلى إنكار الحق الواضح ومقاومة دعوة موسى عليه السلام بكل صور الجحود والعناد. وفي تتبّع مواقفهم تتجلّى أسباب الهلاك التي تتكرر في الأمم، ليكون ذلك درساً متجدداً يحذّر من مغبة التكبر ورفض الهداية مهما بلغت شواهد الحق ووضوحها.

فهذه الخصلة من أخطر آثار الكبر، وهي كذلك أيضاً من أبرز مظاهرها، فالمستكبر يُبتلى دوماً بدفع الحق، والترفع عن الانقياد، وقد يكون ذلك المدفوع توحيد الله سبحانه وتعالى، أو الإيمان برسله، أو آياته، أو غير ذلك، فمن الترفع عن توحيد الله سبحانه وتعالى ما ورد في آيات كثير عن عامة الأمم السالفة من إنكار انفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة؛ تكبراً واستنكافاً أن يتركوا ما درجوا عليه من عبادة الأصنام كقوم نوح وغيرهم.

أما فرعون وقومه فما ورد في حقهم أشدّ وأشنع، فهم استنكفوا عن الإقرار بوجود الله من الأساس، وأشركوا فرعون مع الله في مقام الربوبية والألوهية، وذلك لفرط استكبارهم وعلوّهم، فكان جرمهم أشنع. (أسباب هلاك الأمم السالفة، سعيد سيلا، ص١٧٣)

وقوم فرعون أيضاً قالوا كأسلافهم من الأمم: ﴿أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ﴾ ]يونس:٧٨[. (أسباب هلاك الأمم السالفة، سعيد سيلا، ص١٧٣)

وقد أفصحوا عن سبب تمسكهم بما كان عليه آباؤهم من الشرك، وعدم إيمانهم بموسى وهارون، وهذا هو الكبر، والخوف على فوات الملك، فهم يخافون أن تكون العظمة والسلطان والملك لموسى وقومه إذا هم آمنوا به فآثروا ما هم فيه من الكبرياء على اتِّباع الحق بالإيمان بالله سبحانه وتعالى وتوحيده.

ومن صور دفع الحق التكذيب بالآيات وجحودها ترفعاّ وتكبراً؛ فالمستكبر لا تنفعه الآيات؛ لأنه لا يؤمن بها مهما كانت بينة واضحة، فالكبر يمنعه من التَّبَصُّرِ فيها والاستنارة بها، فيحرم الهداية، ويدفع الحقَّ، ويتبع الباطل، قال تعالى: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ ]الأعراف:١٤٦[.

وهكذا نرى جحود الآيات يذكر كثيراً مع الاستكبار كما ورد هذا عن فرعون وقومه، جحدوا بآيات ربهم بسبب ظلمهم وعلوهم مع تيقُّنهم من صدقها، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ ]النمل:١٣-١٤[. (موسى كليم الله، د. علي الصلابي، ص1154).

المراجع:

• موسى كليم الله، د. علي محمد محمد الصلابي، دار الأصالة – إسطنبول، ط1، 1444هـ - 2022م.

• أسباب هلاك الأمم السالفة كما وردت في القرآن الكريم، سعيد محمد بابا سيلا، دار ابن الجوزي، 2000م.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022