الجمعة

1446-06-26

|

2024-12-27

(جسد...)

اقتباسات من كتاب "علمني أبي..مع آدم من الطين إلى الطين" لمؤلفه الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)

الحلقة: الرابعة

صفر 1444ه/ سبتمبر 2022م

كان آدم جسدًا ملقى على الأرض تمر به الملائكة والشياطين وتحاول استكشافه..

تحوَّل التمثال الطيني بنفخ الروح فيه إلى عظم ولحم وأَوْرِدَة وخلايا.

ثم تحوَّل بعد ذلك إلى إنسان حيٍّ: ﴿وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا﴾.

حين تُنزع الأرواح تبقى الأجساد كما كانت، ولكن من دون حياة.. ما الذي فَقَدْتَ إذًا؟ فَقَدْتَ روح الحياة، وهي الطاقة الخفية التي بها قوام الجسد، وكأن الجسد بيت والروح تيار كهربائي يضيء جوانبه!

الجسد هو الجانب المادي في الإنسان، وهو توأم الروح وحاملها، والاهتمام بالجسد نظافة وجمالًا وصحةً من الفطرة.

* كان الإنسان الأول كبيرًا طويلًا جميلًا قويًّا متناسقًا، طويل الشعر.

عن أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه مرفوعًا: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ آدَمَ رَجُلًا طُوَالًا كَثِيرَ شَعْرِ الرَّأْسِ، كَأَنَّهُ نَخْلَةٌ سَحُوقٌ، فَلَمَّـا ذَاقَ الشَّجَرَةَ سَقَطَ عَنْهُ لِبَاسُهُ، فَأَوَّلُ مَا بَدَا مِنْهُ عَوْرَتُهُ، فَلَمَّــا نَظَرَ إِلَى عَوْرَتِهِ جَعَلَ يَشْتَدُّ فِي الْجـَنَّةِ، فَأَخَذَتْ شَعْرَهُ شَجَرَةٌ فَنَازَعَهَا، فَنَادَاهُ الرَّحْمَنُ: يَا آدَمُ مِنِّي تَفِرُّ؟ فَلَمَّــا سَمِعَ كَلَامَ الرَّحْمَنِ، قَالَ: يَا رَبِّ لَا، وَلَكِنِ اسْتِحْيَاءً».

كان منتصب القامة، وليس ذلك لشيء من الحيوانات.

الانتصاب يعني الشموخ والشَّمَم، ولذا شبَّهه بالنخلة، والنخلة هي الشجرة الطيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، يواجه الريح بصدره، ويحمل الأعباء على كتفيه، ولا يحني رأسه لغير خالقه، وبهذا فسَّر ابن عباس رضي الله عنهما معنى الكبد: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾

مُنْتَصِبَ الْقَامَةِ أَمْشِي..

مَرْفُوعَ الهَامَةِ أَمْشِي..

فِي كَفِّي قَصْفَةُ زَيْتُونٍ..

وَعَلَى كَتِفِي نَعْشِي..

وَأَنَا أَمْشِي وَأَنَا أَمْشِي..

قَلْبِي قَمَرٌ أَحْمَرُ..

قَلْبِي بُسْتَانْ..

فِيهِ العَوْسَجُ..

فِيهِ الرَّيْحَانْ..

شَفَتَاي سَمَاءٌ تُمْطِرُ نَارًا حِينًا.. حُبًّا أَحْيَان..

فِي كَفِّي قَصْفَة زَيْتونٍ

وَعَلى كتِفِي نَعْشِي..

وَأَنَا أَمْشِي وَأَنَا أَمَشْي

وجهه كان مركز الحياة والجمال، فيه العينان والفم والأنف والأذن، وهو مجمع الحواس؛ ولذا جاء في الحديث: «إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ؛ فَإِنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ».

جمال يوسف الصِّدِّيق الذي أُعطي شطر الحسن، كان حسنه نصف حسن آدم حسب قول مفسرين.

* في الحديث: «عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْـمَاءِ، وَقَصُّ الأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْـمَاءِ». قال أحد الرواة: ونسيتُ العاشرةَ، إِلَّا أن تكونَ المضمضةَ. وانتقاصُ الماء يعني: الاستنجاء.

وهي تعود إلى فطرة آدم، والعناية بها من كمال الإنسانية، وما يحدث من تَعَمُّد إطالة الأظافر والشعر الداخلي ومخالفة سنن الفطرة هو من نقص الاتباع وطروء الضعف.

ويدخل في الفطرة: التطيُّب والتطهر؛ الذي يزيل درن الجسد ويحسن مزاجه.

الإسلام دين الفطرة، ومقاصده ملائمة للعناصر الأساسية المكوِّنة للإنسان.

* مادة خلق الجسد التراب والماء وهما طاهران، وتظل صلة الإنسان بهما قائمة باعتبارها ضرورة حياتية وشرعية، فالمؤمن لا ينجس، ونجاسة المشرك معنوية وليست حسية؛ ولذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يخالط المشركين ويتعامل معهم، وأباح الشرع نكاح الكتابيات.

الخروج عن حالة الطهارة لا يعني النجاسة، بل هي حالة معنوية طارئة لأسباب يذكرها الفقهاء.

والوضوء والاغتسال طهارة من الحدث، وتكريم للجسد، وإنعاش للروح.

والأصل في المخلوقات كلها الطهارة، والأعيان النجسة محدودة ومنصوص عليها.

التراب يقوم مقام الماء عند الحاجة كما في حالة (التيمم).

* متاحف أوروبا تصوِّر آدم كإيطالي وسيم، ودراسات كثيرة تشير إلى أنه أقرب إلى سمرة الرجل الإفريقي، وأشبه بأديم الأرض، وهذا أقرب، على أن الانتساب لآدم المخلوق من جملة طين الأرض مدعاة للإيمان بالمساواة ورفض العنصرية ضد لون أو جنس.

* المبالغة في التجمل والإغراء والتعرِّي لدى الأنثى، أو استعراض العضلات والقوة لدى الذكر، هو من الجَوْر على الجسد والروح معًا، وأسوأ ما يكون حين يتحول الإنسان الكريم إلى أداة لتسويق السلع والتربُّح.

* الشعور بالقبح مرض نفسي يحمل على المبالغة في التجمل المتكلَّف، وطول النظر إلى الذات، الوحي ينص على جمال الخِلْقة وحسنها: ﴿فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾، ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾.

استضافت مذيعة مشهورة مجموعة على قدر من الوسامة والجمال كانوا يعانون من كراهية أنفسهم واستبشاعها بصورة مرضية، وبعضهم يتحاشى الاحتكاك بالناس!

الجمال والقبح إذًا إحساس نفسي قبل أن يكون ملامح أو جسدًا، وربما كلمة تحطيم أو تقبيح مبكرة كانت السبب؛ ولذا قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حقوق الزوجة: «تُطْعِمُهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ».

هذه الحلقة مقتبسة من كتاب علمني أبي للشيخ سلمان العودة، صص 25-33

يمكنكم تحميل كتاب مع الأئمة من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي عبر الرابط التالي:

https://alsallabi.com/books/view/777


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022