الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

من كتاب السِّيرة النَّبويّة للدكتور علي محمّد محمّد الصّلابيّ

الحلقة العشرون:معرفة الصَّحابة لحقيقة الإنسان ومفهوم القضاء والقدر وأثره في تربيتهم

إنَّ القرآن الكريم عرَّف الإنسان بنفسه بعد أن عرَّفه بربِّه، وباليوم الآخر، وأجاب على تساؤلات الفطرة: من أين؟ وإلى أين؟ وهي تساؤلات تفرض نفسها على كلِّ إنسان سَوِيٍّ، وتلحُّ في طلب الجواب، وبيَّن القرآن الكريم للصَّحابة الكرام حقيقة نشأة الإنسانيَّة، وأصولهم الَّتي يرجعون إليها، وما هو المطلوب منهم في هذه الحياة؟ وما هو مصيرهم بعد الموت؟

لقد تعرَّف الصَّحابة بواسطة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، ومنهجه القرآني على الأصل الإنسانيِّ الَّذي هو الماء والتُّراب - أي: الطِّين - وبسلالته الَّتي هي الماء المهين، أو النطفة، كما عرَّفه بمكانته، وكرامته عند ربِّه؛ حيث أسجد له الملائكة، وأعلى كرامتَه، وتفضيلَه على كثيرٍ من الخلق؛ ليقف الإنسان وسطاً بين هذين الحدَّين: الأدنى، والأعلى، فبمكانته وكرامته يرى نفسه عزيزاً، وبأصله وسلالته يتواضع مُعَظِّمَاً شأنَ من أنشأه من ذلك الأصل، وأوصله إلى تلك المكانة العالية، فينجو بذلك من العُجْبِ والكبر، والغرور، كما يمنعه عزُّه وكرامته من التذلُّل لغير الله تعالى، والإنسان لو تركه الإله دون هدىً؛ لعانى الكثير من سوء الفهم للنَّفس، بل إنَّ عدداً من النَّاس قد يعانون ذلك لسببٍ ما؛ كالإفراط في الثِّقة بنظرتهم الخاصَّة إلى أنفسهم؛ الَّتي قد تؤدِّي إلى الغرور، والتَّعالي، وإمَّا إلى الهوان والتَّدنِّي .

إنَّ نظرة الإنسان إلى نفسه من أقوى المؤثِّرات في تربيته، وما زال الإنسان منذ أن وجد على وجه الأرض مأخوذاً بسوء الفهم لنفسه، يميل إلى جانب الإفراط حيناً؛ فيرى أنَّه أكبر، وأعظم كائنٍ في العالم، فينادي بذلك وقد امتلأ أنانيةً، وغطرسةً، وكبرياء كما نادى قوم عاد: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتنَا يَجْحَدُونَ ﴾ [فصلت: 15] وكما نادى فرعون: ﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ﴾ [النازعات: 24]، ويربأ بنفسه - أي: الإنسان - أن يعتقد أنَّه مسؤولٌ أمام أحدٍ، ويتحوَّل إلى متألِّهٍ، ويميل حيناً آخر إلى جانبٍ معاكسٍ هو التَّفريط؛ فيظن أنَّه أدنى، أو أرذل كائنٍ في العالم، فَيُطَأْطِىء رأسه أمام شجرٍ، أو حجرٍ، أو نهرٍ، أو جبلٍ، أو أمام حيوان؛ بحيث لا يرى السَّلامة إلا أن يسجد للشَّمس أو للقمر .

وأظهر القرآن الكريم بوضوحٍ: أنَّ حقيقة الإنسان ترجع إلى أصلين: الأصل البعيد، وهو الخلقة الأولى من طينٍ، حين سوَّاه، ونفخ فيه الرُّوح، والأصل القريب المستمرُّ، وهو خلقه من نطفةٍ، وقال الله تعالى في ذلك عن نفسه: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ *ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ *ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ﴾ [السجدة: 7 - 9]، والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ.

وتحدَّث القرآن الكريم عن تكريم الله تعالى للإنسان، وكان لذلك الحديث أثره في نفوس، وعقول، وقلوب الرَّعيل الأوَّل؛ فقد بَـيَّن لهم القرآن الكريم صوراً عديدةً لتكريم الإنسان؛ منها:

1 - اختصَّ الله الإنسان بأن خلقه بيديه:

﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ  فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ *إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ *قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ ﴾ [ص: 71 - 75] فبيَّن لهم علوَّ مكانة الرُّوح الَّتي حلَّت في الإنسان، وأنَّ لها منزلةً ساميةً، وكرَّمه بذلك الاستقبال الفخم الذي استقبله به الوجود، وبذلك الموكب الَّذي تسجد فيه الملائكة، ويعلن فيه الخالق - جلَّ شأنه - تكريم هذا الإنسان بقوله عزَّ مِنْ قائلٍ: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدم فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ﴾ [الأعراف: 11].

2 - الصُّورة الحسنة، والقامة المعتدلة:

قال الله تعالى: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [التغابن: 3]. وقال: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4]، وقال - عزَّ وجل -: ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴾ [الإنفطار: 7] .

3 - ومنحه العقل، والنطق، والتمييز:

قال الله تعالى: ﴿الرَّحْمَانُ *عَلَّمَ الْقرآن *خَلَقَ الإِنْسَانَ *عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرحمن: 1 - 4].

4 - وسخَّر الله تعالى للإنسان مافي السَّماء والأرض:

بعد أن خلق الله تعالى الإنسان، أكرمه بالنِّعم العظيمة التي لا تعدُّ ولا تحصى؛ لقوله تعالى: ﴿وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34].

لقد سخَّر الله - عزَّ وجل - للإنسان - تكريماً له - ملكوتَ السَّموات؛ بما تشتمل عليه من نجومٍ، وشموسٍ، وأقمار، وجعل في نظامها البديع ما ينفع الإنسان؛ من تعاقب اللَّيل والنَّهار، واختلافٍ في الفصول ودرجات الحرارة ونحو ذلك.

قال الله تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيات لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [النحل: 12] وقال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 13] .

5 - وكرَّم الله تعالى الإنسان بتفضيله على كثيرٍ من خلقه:

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدم وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ [الإسراء: 70].

6 - وكرَّم الله تعالى الإنسان بإرسال الرُّسل إليه:

ومن أجلِّ مظاهر التكريم من المولى سبحانه للإنسان أن أرسل الرُّسل لهداية الخلق،ودعاهم لما يحييهم، وضمن لهم الفوز في الدُّنيا والآخرة، فكان من أعظم النِّعم الَّتي أنعم الله بها على الإنسان تكريماً له نعمةُ الإسلامِ، ونعمةُ الإيمان، ونعمةُ الإحسان، وأنْ هدانا الله إليها، فقال عزَّ مِنْ قائل: ﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى ﴾ [طه: 123]، وقال: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [الأعراف: 158].

ومن مظاهر هذا التَّكريم الَّذي شعر به الصَّحابة رضي الله عنهم، حصرُ مظاهر شرف الإنسان في العبوديَّةِ لله وحده، وتحريره من عبادة الأصنام، والأوثان، والبشر: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلاَلَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [النحل: 36].

7 - حبُّ الله للإنسان، وذكره في الملأ الأعلى:

من أروع مظاهر تكريم المولى سبحانه للإنسان أنْ جعله أهلاً لحبِّه ورضاه، وأرشده في القرآن الكريم إلى ما يجعله خليقاً بهذا الحبِّ، وأوَّل ذلك اتِّباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما دعا النَّاس إليه؛ كي يحيوا حياةً طيِّبةً في الدُّنيا، ويظفروا بالنَّعيم المقيم في الآخرة، وقد أشار المولى - عزَّ وجلَّ - إلى ثمرة هذا الاتِّباع، وما أحلاها من ثمرة! ألا وهي التَّمتُّع بخيري الدُّنيا والآخرة! قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97] .

8 - حفظ الإنسان ورعايته:

ومن مظاهر تكريم الإنسان أن يحظى برعاية الله - عزَّ وجلَّ - وحفظه من السُّوء.

قال تعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ﴾ [الإنفطار: 10]، وسخَّر له الملائكة لحفظه: ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لـمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ﴾ [الطارق: 4]، وصورُ التَّكريم للإنسان كثيرةٌ في القرآن الكريم .

 

  • مفهوم القضاء والقدر وأثره في تربية الصَّحابة رضي الله عنهم:

اهتمَّ القرآن الكريم في الفترة المكِّيَّة بقضية القضاء والقدر، قال الله تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: 49] ، وقال تعالى: ﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان: 2]، وكان صلى الله عليه وسلم  يغرس في نفوس الصَّحابة مفهوم القضاء والقدر، ويُـبَيِّن لهم مراتبه من خلال القرآن الكريم، وهي:

المرتبة الأولى: علم الله المحيط بكلِّ شيءٍ: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قرآن وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [يونس: 61] .

المرتبة الثَّانية: كتابة كلِّ شيءٍ كائن: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثارهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾[يس: 12] .

المرتبة الثالثة: مشيئة الله النَّافـذة، وقدرتـه التَّامَّة: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ﴾ [فاطر: 44] .

المرتبة الرابعة: خَلْقُ الله لكلِّ شيءٍ: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [الأنعام: 102] .

كان للفهم الصَّحيح والاعتقاد الرَّاسخ في قلوب الصَّحابة لحقيقة القضاء والقدر ثمارٌ نافعةٌ ومفيدةٌ، عادت عليهم بخيرات الدُّنيا والآخرة؛ فمن تلك الثمرات:

1 - أداء عبـادة الله عزَّ وجلَّ؛ فالقدر ممَّا تَعَبَّـدَ الله - سبحانـه وتعالى - الأمَّة بالإيمان به.

2ـ الإيمان بالقدر طريق الخلاص من الشِّرْك؛ لأنَّ المؤمن يعتقد: أنَّ النَّافع والضَّار، والمعزَّ، والمذلَّ، والرافع، والخافض، هو الله وحده سبحانه وتعالى.

3 - الشَّجاعة والإقدام: فإيمانهم بالقضاء والقدر جعلهم يوقنون: أنَّ الاجال بيد الله تعالى، وأنَّ لكل نفسٍ كتاباً.

4 - الصَّبر والاحتساب، ومواجهة الصِّعاب.

5 - سكون القلب، وطُمَأْنِينَـةُ النَّفس، وراحة البال: فهذه الأمور من ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر، وهي هدفٌ منشودٌ، فكلُّ مَنْ على وجه البسيطة يبتغيها، ويبحث عنها، فقد كان عن الصَّحابة من سكون القلب، وطُمأْنِينَة النَّفس ما لا يخطر على بالٍ، ولا يدور حول ما يشبهه خيالٌ، فلهم في ذلك الشَّأن القِدْحُ المُعَلَّى (النَّصيب الوافر) والنَّصيب الأوفى.

6 - عزَّة النَّفس والقناعة والتَّحرُّر من رِقِّ المخلوقين: فالمؤمن بالقدر يعلم: أنَّ رزقه بيد الله، ويدرك أنَّ الله كافيه وحسبه ورازقه، وأنَّه لن يموت حتَّى يستوفي رزقه، وأنَّ العباد مهما حاولوا إيصال الرِّزق له، أو منعه عنه؛ فلن يستطيعوا إلا بشيءٍ قد كتبه الله، فينبعث بذلك إلى القناعة، وعزَّة النَّفس، والإجمال في الطَّلب، وترك التكالب على الدُّنيا، والتَّحرُّر من رِقِّ المخلوقين، وقطع الطَّمع ممَّا في أيديهم، والتوجُّه بالقلب إلى ربِّ العالمين.

إنَّ ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر كثيرةٌ، وهذه من باب الإشارة.

ولم تقتصر تربية الرَّسول صلى الله عليه وسلم  لأصحابه على تعليمهم أركان الإيمان السِّتَّة المتقدِّمة؛ بل صحَّح عندهم كثيراً من المفاهيم والتَّصوُّرات، والاعتقادات عن الإنسان، والحياة، والكون، والعلاقة بينهما؛ ليسير المسلم على نورٍ من الله، ويدرك هدف وجوده في الحياة، ويحقِّق ما أراد الله منه غاية التَّحقيق، ويتحرَّر من الوهم والخرافات .


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022