من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):
(القطاع التجاري في عهد عبد الملك بن مروان)
الحلقة: 120
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
جمادى الأولى 1442 ه/ يناير 2021
مر تطور التجارة الداخلية في عهد عبد الملك بمرحلة ضعف بسبب عوامل أثرت على حجم التجارة الداخلية، كان من أبرزها ما يلي:
1 ـ كثرة الفتن والقلاقل الداخلية التي عصفت بمعظم أركان الدولة الأموية، ومن المعلوم بداهة أن الاستقرار السياسي والأمن الداخلي هي من أولويات ازدهار التجارة الداخلية ونموها، ومع افتقادهما في الدولة الأموية بشكل كبير تعثرت التجارة الداخلية.
2 ـ نقص السيولة النقدية.
3 ـ صعوبة دفع الأثمان للصفقات التجارية، وعلى جهة الخصوص الكبيرة منها.
4 ـ ارتفاع نسبة الضرائب على التجارة حيث روي: أنها وصلت إلى (33%).
ومع بداية سنة 77 هـ نمت التجارة الداخلية وازدهرت، وكان وراء ذلك العديد من الأسباب، ومن أبرزها:
1 ـ زيادة السيولة النقدية الداخلية، وذلك بإصدار العملة الإسلامية الجديدة الموحدة، والتي تطورت من حيث الدقة والانضباط والعيار، حتى أصبحت محل ثقة المتعاملين في الأسواق، وأصبحت تلقى قبولاً عاماً؛ مما سهَّل عملية المبادلات بشكل كبير وحل عدد النقود محل وزنها، وبذلك كانت عملية الإصدار النقدي نقطة تحول في تطور التجارة الداخلية بشكل خاص، سواءً من حيث الزيادة في حجمها أو الاتساع في أرجائها.
2 ـ حدوث هدوء واستقرار نسبي داخل الدولة الأموية بعد القضاء على الثورات الداخلية.
3 ـ تمت في هذه المرحلة بعض الإصلاحات التي كان من شأنها تيسير الصفقات التجارية، ومن الأمثلة على ذلك ما يلي:
أ ـ توحيد وحدة الكيل والميزان من قبل الحجّاج بإقليم العراق .
ب ـ تنظيم الأسواق مما يسهل ويخدم الحركة التجارية .
ج ـ وجود خدمات لراحة التجار، كالفنادق والحمامات داخل الأسواق .
وأما التجارة الخارجية في عهد عبد الملك، فقد كانت متعلقة بالدولة البيزنطية ودول المشرق الأقصى:
1 ـ العلاقة مع الدولة البيزنطية:
وقد مرّت العلاقة التجارية بمرحلتين:
ـ مرحلة نمو وقوة وازدهار:
وقد نشأ هذا النمو والقوة والازدهار نتيجة عدة عوامل؛ لعل من أهمها:
أ ـ كثرة الاضطرابات والحروب في المنطقة الشرقية من الدولة الأموية، مما خفض من حجم المبادلات التجارية بينها وبين دول المشرق ولو بشكل جزئي، وبالتالي زيادة حجم المبادلات التجارية مع دولة بيزنطة بالغرب.
ب ـ الاستقرار الأمني في المناطق الغربية من الدولة الأموية دفع بكثير من رؤوس الأموال للهجرة من مناطق التوتر في الشرق إلى إقليم الشام، بحثاً عن فرص استثمارية آمنة.
جـ الاعتماد الكلي لكل من الدولتين على الأخرى في مجال هام وحيوي بالنسبة لها، فكما كانت الدولة البيزنطية تعتمد كلياً على الدولة الأموية في أوراق البردي، كانت الدولة الأموية تعتمد كلياً في حجم النقد الذهبي داخلها على ما يردها من الدولة البيزنطية .
ـ مرحلة تدهور المبادلات التجارية بين البلدان:
وقد شهدت هذه المرحلة انخفاضاً كبيراً في المبادلات التجارية بين الدولتين، ويعود ذلك إلى عدة عوامل؛ من أبرزها ما يلي:
أ ـ تدهور العلاقات السياسية بين الدولتين بشكل كبير.
ب ـ حدوث هدوء نسبي في الأقاليم الشرقية ـ بعد القضاء على الثورات الداخلية ـ مما أدى إلى رفع معدلات التبادل التجاري مع دول الشرق الأقصى.
جـ ـ دخول معظم دول المشرق تحت مظلة الدولة الإسلامية، فتهيأ لها نوع من
الاكتفاء الذاتي لتلك الدول، لا سيما بعد دخول بلاد الهند والسند.
د ـ تزايد اعتماد الدولة الأموية في تجارتها مع دول الشرق الأقصى على التجارة البحرية عن طريق الخليج العربي، لا سيما بعد تطور صناعة السفن بها ، بشكل أصبحت معه قادرة على الخوض في المحيطات، مما جعل معظم تجارة الدولة الأموية مع دول الشرق الأقصى تتم بواسطة الطرق البحرية ، فنتيجة لتلك العوامل وغيرها تدهورت
التجارة بين البلدين.
2 ـ العلاقات التجارية مع دول المشرق الأقصى:
كانت تعتمد التجارة بين الدولة الأموية ودول المشرق على نوعين من الخطوط، وهما: خطوط التجارة البرية، وخطوط التجارة البحرية.
أ ـ التجارة عن طريق الخطوط البرية:
دخلت كثير من دول المشرق تحت مظلة الدولة الإسلامية لا سيما بلاد الهند، والسند، والتي كانت تحتل صادراتها نسبة كبيرة من واردات الدولة الأموية، ومعنى ذلك تحول جزء من التجارة الخارجية مع الشرق إلى تجارة داخلية بين أرجاء الدولة الإسلامية .
ب ـ التجارة عن طريق الخطوط البحرية:
اهتمت الدولة بالتجارة البحرية، وأكدت على عنصر الأمن للطرق التجارية، ومن صور ذلك إرسالها جيشاً للقضاء على قراصنة كانوا يقطعون الطريق على تلك الخطوط البحرية فقضى عليهم ، واهتم الحجاج بتحصين المدن التجارية ، كما طور صناعة السفن التجارية، وأصبحت وسائل النقل البحري والرحلات التجارية أكثر أمناً وسرعة، وأعلى كفاء
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
الجزء الثاني:
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: