الثلاثاء

1446-11-01

|

2025-4-29

من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2)

(مصـادر دخـل الدولـة في عهد الملك بن مروان)

الحلقة: ١١٨

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

جمادى الأولى 1442 ه/ يناير 2021

كان من أهم مصادر دخل الدولة: الزكاة، والخراج، والجزية، وخمس الغنائم والعشور والصوائف، وقد تعرضت بعض هذه المصادر للانحراف عن الشريعة من قبل القائمين عليها، وعلى سبيل المثال:
1 ـ الجـزيـة:
صالح رسول الله ﷺ أهل نجران على ما يعادل 80000 درهم سنوياً، ولما تولى عثمان بن عفان شكوا إليه قلة عددهم وتفرقهم في البلاد فخفضها عنهم إلى 72000 درهم، فلما تولى معاوية بن أبي سفيان، شكوا إليه نفس الشكوى فخفضها عنهم إلى 64000 درهم، فلما تولى الحجّاج بن يوسف على العراق اتهمهم بمعاونة خصوم الدولة السياسيين فرفعها إلى 72000 درهم .
ويمكن القول بأن رفع نظام الجزية في العصر الأموي شهد بصفة عامة انحرافات في طريقة الجباية، والتي منها ما قيل: إن المهلب بن أبي صفرة، حينما صالح أهل خوارزم على ما يزيد على عشرين مليون درهم، كان يأخذ بدل النقد سلعاً عينية لعدم توفر السيولة النقدية لدى أهلها، لكنه أجحف في ذلك حيث كان يأخذ الشيء بنصف قيمته، فبلغ ما أخذه منهم خمسين مليون درهم .
كما شهد انحرافات أخرى متمثلة في استمرار فرض الجزية على من أسلم، وقد برز هذا الأمر بصفة خاصة في ولاية الحجّاج، ومع ذلك يمكن القول بأن التأثير الاقتصادي لهذا الانحراف كان محدوداً، وذلك لأن قرار الحجّاج في العراق قوبل بثورة أوقفت تطبيقه، وأيضاً كان الانحراف الذي وقع في خراسان محدوداً، وعولج سريعاً بمجيء عمر بن عبد العزيز، ولكن للأسف لم يكتب لهذا الإصلاح الاستمرار حيث انتهى مفعوله بانتهاء عهد عمر بن عبد العزيز.
2 ـ الخراج:
تدنى الخراج كثيراً في عهد الحجّاج، حتى وصل طبقاً لبعض الروايات إلى 18 مليون درهم، وقيل: إنه وصل إلى 25 مليون عند موت الحجّاج، بعد ما كان في عهد معاوية قد بلغ 135 مليون درهم.
وقام عبد الملك بمسح أرض الشام والجزيرة، ويبدو أنه استقل ما كان يُجبى من خراجهما، وكان معياره في التقدير هو مدى القرب والبعد من الأسواق، وكانت مسيرة اليوم واليومين فأكثر هي غاية البعد عنها، وما نقص عن اليوم فهو من القرب، وبناء على ذلك كان الخراج المفروض على الأرض القريبة يزيد عن المفروض على الأرض البعيدة ، وقد أحدث هذا المسح زيادة في حصيلة الخراج ، ويبدو أن عبد الملك أراد أن يعوِّض ما حدث من نقص في خراج العراق بسبب الثورات.
3 ـ الصوافي:
وبمجيء عبد الملك أقطع جميع الصوافي للأشراف حتى لم يبقَ منها شيئءٌ، إلا أن هؤلاء الملاكين الكبار لم يتوقفوا عن المطالبة بمزيد من القطائع، وأمام إلحاحهم المستمر قام الخليفة بالتصرف ببعض الأراضي الخراجية التي توفي أصحابها ولم يكن لهم ورثة، فأقطعهم جميع هذه الأراضي، وجعل لأصحابها حق ملكيتها التامة، بما في ذلك توريثها
على أن يدفعوا عن هذه الأراضي ضريبة العشر، ورفع ضريبة الخراج عن هذه الأراضي. وقد اعتبر الخليفة أن تصرفه هذا عملاً مشروعاً شبيهاً بإخراجه من بيت المال الجوائز الخاصة .أي أن الخليفة قد برّر موقفه معتبراً أن ما قام به وكأنه نوع من المكافأة التي يحق للخليفة أن يأمر بها، بحيث إن ذلك يقع ضمن صلاحياته التي تتيح له أن يقدم المساعدات والمكافآت التي يراها مناسبة من بيت المال. ولكن هذا الموقف، الذي لم تكن تدعمه أية سوابق إسلامية في العهد الراشدي فقط، بل هو يخالف صراحة ما قرّره المسلمون بشأن أراضي الصوافي والأراضي الخراجية؛ حيث اعتبر فيئاً للمسلمين ووقفاً لهم؛ فلا يحق لأحد التصرف فيها بأي شكل من الأشكال، إن كان بالبيع أو بالشراء أو بمنحها قطائع، حتى وإن كان أصحابها أي العاملين على هذه الأرض قد توفوا وليس لهم وارث، ولهذا فلا يصحّ ولا يجوز أن تعتبر هذه الأراضي متساوية مع الجوائز الخاصة . هذه بعض الانحرافات التي حدثت في مصادر الدولة، وكان لها الأثر البالغ على النظام المالي.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022