السبت

1446-10-28

|

2025-4-26

من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج1)
(الحجّاج بن يوسف الثقفي من أهم ولاة عبد الملك)
الحلقة: 117
بقلم: د. علي محمد الصلابي
جمادى الأولى 1442 ه/ يناير 2021
هو الحجّاج بن يوسف بن الحكم الثقفي، أبو محمد، سمع ابن عباس، وروى عن أنس، وسمُرة بن جندب، وعبد الملك بن مروان، وأبي بردة بن أبي موسى، وروى عنه أنس بن مالك، وثابت البناني، وحميد الطويل، ومالك بن دينار، وقتيبة بن مسلم .
1 ـ بداية ظهوره:
كان الحجّاج وأبوه يعلمان الغلمان بالطائف، ثم قدم دمشق، فكان عند روح بن زنباع وزير عبد الملك، فشكا عبد الملك إلى روح أنَّ الجيش لا ينزلون لنزله، ولا يرحلون لرحيله، فقال روح: عندي رجلٌ تولِّيه ذلك، فولى عبد الملك الحجّاج أمر الجيش، فكان لا يتأخر أحد في النزول والرحيل، حتى اجتاز إلى فسطاط روح بن زنباع وهم يأكلون، فضربهم وطوّف بهم، وأحرق الفسطاط، فشكا روح ذلك إلى عبد الملك، فقال للحجّاج: لم صنعت هذا ؟ فقال: لم أفعله؛ إنما فعلته أنت، فإنَّ يدي يدُك وسوطي سوطك، وما ضرّك إذا أعطيت روحاً فسطاطين بدل فسطاطه وبدل الغلام غلامين، ولا تكسرني في الذي ولّيتني؟ ففعل ذلك، وتقدم الحجّاج عنده .
2 ـ رأي الذهبي فيه:
قال: كان ظلوماً، جباراً خبيثاً، سفّاكاً للدماء، وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء، وفصاحة وبلاغة، وتعظيم للقران ... إلى أن قال: فنسبه ولا نحبه، بل نبغضه في الله، فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان، وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه، وأمره إلى الله، وله توحيد في الجُملة، ونظراء من ظلمة الجبابرة والأمراء .
3 ـ رأي ابن كثير فيه:
قال: وكانت فيه شهامة عظيمة وفي سيفه رهق ، وكان يغضب غضب الملوك، وكان ـ فيما يزعم ـ يتشبه بزياد بن أبيه، وكان زياد يتشبّه بعمر بن الخطاب فيما يزعم أيضاً، ولا سواء ولا قريب ، وقال: وبالجملة فقد كان الحجّاج نقمة على أهل العراق بما سلف من الذنوب والخروج على الأئمة وخذلانهم لهم وعصيانهم ومخالفتهم، والافتيات عليهم ، وقال: .. وكان جباراً عنيداً، مقداماً على سفك الدماء بأدنى شبهة.
وقد رُوِي عنه ألفاظ بشعة شنيعة ظاهرها الكفر، فإن كان قد تاب منها وأقلع عنها، وإلا فهو باقٍ في عهدتها، ولكن يخشى أنَّها رويت عنه بنوع من زيادة عليه، فإن الشيعة كان يبغضونه جداً لوجوه، وربَّما حرّفوا عليه بعض الكلم، وزادوا فيما يحكونه عنه بشاعات وشناعات، وقد روينا عنه: أنه كان يتديَّن بترك المسكر، وكان يكثر تلاوة القران ويتجنب المحارم، ولم يُشتهر عنه شيء من التلطخ بالفروج، وإن كان متسرعاً في سفك الدماء؛ فالله تعالى أعلم بالصواب وحقائق الأمور وسرائرها وخفيَّات الصدور وضمائرها .
فلا نكفر الحجّاج، ولا نمدحه، ولا نسبه، ونبغضه في الله بسبب تعديه على بعض حدود الله وأحكامه، وأمره إلى الله.
4 ـ من خطب ومواعظ الحجّاج:
قال الشعبي: سمعت الحجّاج تكلم بكلام ما سبقه إليه أحد، يقول: أما بعد، فإن الله تعالى كتب على الدنيا الفناء وعلى الاخرة البقاء، فلا فناء لما كتب عليه البقاء، ولا بقاء لما كتب عليه الفناء. فلا يَغُرنكم شاهد الدنيا عن غائب الاخرة، واقهروا طول الأمل بقصر الأجل . وعن أبي عبد الله الثقفي، عن عمّه، قال: سمعت الحسن البصريَّ يقول: وقذتني كلمة سمعتها من الحجّاج، سمعته يقول على هذه الأعواد: إن امرأ ذهب ساعة من عمره في غير ما خلق له لحريٌّ أن تطول عليها حسرته يوم القيامة .
5 ـ صدق الله وكذب الشاعر:
جاء رجل إلى الحجّاج فقال: إن أخي خرج مع ابن الأشعث، فضُرب على اسمي في الديوان، ومُنعتُ العطاء، وقد هُدِمت داري.
فقال الحجّاج: أما سمعت قول الشاعر:
جانِيكَ من يَجْني عليكَ وقَد
تُعدي الصِّحاحَ مَبارِكُ الجُرْبِ
ولربَّ مأخوذٍ بذنبِ قَريبِهِ
ونجا المقارفُ صاحبُ الذَّنْبِ
فقال الرجل: أيها الأمير، إني سمعت الله يقول غير هذا، وقول الله أصدق من هذا. قال: وما قال؟ قال: قال: {قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ *قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ *} [يوسف:ـ 79]. قال: يا غلام أَعِد اسمه في الديوان، وابْن داره، وأعطه عطاءه، ومُرْ منادياً ينادي: صدق الله وكذب الشاعر .
فهذه القصة تدل بوضوح على أن للشريعة الإسلامية سلطانها وهيبتها، حتى على طغاة الحكام، وهذه خصيصة فريدة تتميز بها الشريعة الربانية عن الأنظمة والقوانين الوضعية، كما تدلنا على أن أطغى الطغاة في العصور الأولى لم يكن ليجرؤ على رفض شريعة الله أو تحدي نصوصها، ولو كان هو الحجّاج بن يوسف، المشهور بالقسوة والجبروت .
6 ـ الحجّاج مع أعرابي:
حجّ الحجّاج مرّة، فمر يبن مكة والمدينة، فأُتى بغذائه، فقال لحاجبه: انظر من يأكل معي، فذهب، فإذا أعرابي نائم، فضربه برجله وقال: أجب الأمير. فقام، فلمّا دخل الحجّاج قال له: اغسل يديك ثم تغدَّ معي. فقال: إنَّه دعاني من هو خير منك، فأجبته. قال: ومن هو؟ قال: الله دعاني إلى الصوم، فأجبته. قال: في هذا الحرِّ الشديد؟ قال: نعم، صمت ليوم هو أشدُّ حرَّاً منه، قال: فأفطر وصُم ليوم غد، قال: إن ضمنت لي البقاء إلى غد. قال: ليس ذلك إليَّ. قال: فكيف تسألني عاجلاً باجل لا تقدر عليه؟! قال: إن طعامنا طعام طيِّب.. قال: لم تُطَيِّبْه أنت ولا الطباخ، إنّما طيَّبته العافية .
7 ـ زواج الحجّاج من بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب:
قال الشافعي: لمّا تزوج الحجّاج بنت عبد الله بن جعفر قال خالد بن يزيد بن معاوية لعبد الملك بن مروان: أتُمكنه من ذلك؟ فقال: وما بأس بذلك؟ قال: أشدُّ البأس والله !. قال: وكيف؟ قال: والله يا أمير المؤمنين لقد ذهب ما في صدري على ال الزبير منذ تزوجت رملة بنت الزبير. قال: فكأنه كان نائماً فأيقظه، فكتب إلى الحجّاج يعزم عليه في طلاقها فطلَّقها . وجاء في رواية: يا أمير المؤمنين إنما خفت أن يميل الحجّاج إليهم فيسعى لمحل سلطانه؛ فإنه لم يكن بين أهل بيتين من شحناء ما كان بيننا وبين ال الزبير، فلما تزوجت برملة بنت الزبير انقلب ذلك البغض محبة؛ حتى إني ما أحب أكثر منهم حتى قلت:
تجولُ خلاخيلُ النساءِ ولا أرى
خلخالاً يجولُ ولا قُلْبا
فلا تكثروا فيها الملامَ فإنَّنِي
تخيَّرْتُها منهم زبيريَّةً قلبا
أُحِبُّ بني العوَّام من أجلِ حُبِّها
ومن أجلِها أحببتُ أخوالَهَا كَلْبا
وكان الحجّاج يحترم أهل البيت ويكرمهم، وما زواجه ببنت عبد الله بن جعفر إلا مظهر من ذلك ليتقرب منهم ويصلهم، وعلى الرغم من أنه طلقها فما زال واصلاً لعبد الله حتى مات، فكان يرسل له في كل شهر عيراً تحمل كسوة وتحفاً وميرة وكل ما يحتاج إليه ، وقد تجلَّى ذلك في أنه قال مرة: ليقم كل رجل منكم يذكر بلاءه لنعطيه، فقام رجل فقال: أنا قاتل الحسين. فقال: كيف قتلته؟ قال: دسرته بالرمح دسراً، وهبرته بالسيف هبراً. فقال: أما والله لا يجتمع الحسين وقاتله في الجنة، وحرمه من العطاء .
وما يذكر في كتب التاريخ من كون الحجّاج نصب العداء لأهل البيت غير صحيح، وخصوصاً إذا عرفنا معاملة عبد الملك لأهل البيت وحرصه على عدم مساسهم من قريب أو بعيد ما لم يتقربوا من كرسي الخلافة ويعملوا على الوصول إليه.
8 ـ الحجّاج والشعراء:
وكان الحجّاج يقرب الشعراء ويستمع لشعرهم، وكثيراً ما كان ينقد الشعر بملكة الأديب، كما يحفظ الكثير من جيد الشعر ويقتبس منه في خطبه بما يناسب المقام، ومن الشعراء الذين أحسن لهم الحجّاج جرير بن عطية، فقد أطنب في مدح الحجّاج وأنشده قصيدة من عيون الشعر؛ منها:
منْ سَدَّ مُطَّلَعَ النفاقِ عليهمُ
أَمْ من يصولُ كصولةِ الحجّاجِ؟
أم منْ يغارُ على النِّساءِ حفيظة
إذ لا يَثِقْنَ بغيرةِ الأزواجِ
إنَّ ابنَ يوسفَ فاعلموا وتيقَّنُوا
ماضي البصيرةِ واضحُ المنهاجِ
ومدحه بقصيدة أخرى من غرر الشعر، جاء فيها:
ترى نصرَ الإمامِ عليك حقّاً
إذا لبسُوا بدينهمُ ارتيابا
عفاريتُ العراق شُفيتَ منهم
فأمسَوا خاضعين لكَ الرِّقابا
وقالوا: لنْ يجامعَنا أميرٌ
أقامَ الحدَّ واتَّبَعَ الكتابا
وصار جرير يقول في الحجّاج قصائد من عيون الشعر، وطال بقاؤه في بلاطه فخشي الحجّاج أن يكون في ذلك سبيل لدسيسة يتقرب بها بعض الناس لأمير المؤمنين، فرأى أن يرسله لدمشق ليمدح عبد الملك، وأجزل له العطاء .
ومن الشعراء الذين مدحوا الحجّاج ليلى الأخيلية، والفرزدق، والأخطل ... وغيرهم.
9 ـ رؤية راها الحجّاج:
رأى أن عينيه قُلعتا: وكان تحته هند بنت المُهلَّب، وهند بنت أسماء بن خارجة فطلَّقهما ليتأوَّل رؤياه بهما، فمات ابنه محمد، وجاءه نعيُ أخيه محمد من اليمن، فقال: هذا والله تأويل رؤياي محمد ومحمد في يوم واحد، إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم قال: من يقول شعراً فيُسلني به، فقال الفرزدق:
إن الرَّزيَّةَ لارزيَّةَ بعْدهَا
فقدانُ مثلِ محمدٍ ومحمدِ
مَلِكانِ قدْ خلتِ المنابرُ منهما
أخذَ الحمامُ عليهما بالمرصدِ
10 ـ مقتل سعيد بن جبير:
في عام 95 هـ قتل الحجّاج سعيد بن جبير المقرأى المفسِّر المحدث الفقيه، أحد الأعلام، وله نحو من خمسين سنة، أكثر روايته عن ابن عبّاس، وحدّث في حياته بإذنه، وكان لا يكتب الفتاوى مع ابن عبَّاس، فلمّا عَمِيَ ابن عباس كتب، وروي أنه قرأ القران في ركعة في البيت الحرام، وكان يؤمّ الناس في شهر رمضان، فيقرأ ليلة بقراءة ابن مسعود، وليلة بقراءة زيد بن ثابت، وأخرى بقراءة غيرهما وهكذا أبداً، وقيل: كان أعلم التابعين بالطَّلاق سعيد بن جبير، وبالحج عطاء، وبالحلال والحرام طاوس، وبالتفسير مجاهد، وأجمعهم لذلك سعيد بن جبير، وقتله الحجّاج وما على وجه الأرض أحد إلاَّ وهو مفتقر إلى علمه ، وقال الحسن يوم قتله: اللهمّ أَعِنْ على فاسق ثقيف، والله لو أنّ أهل الأرض اشتركوا في قتله لأكبهم الله في النار ، وعندما أمر الحجّاج بقتل سعيد قال سعيد: اللهم لا تحل له دمي ولا تُمهله من بعدي ، وأصيب الحجاج بفزع عظيم وجعل يقول: ما لي ولك يا سعيد بن جبير ؟! وكان في جملة مرضه كلما نام راه اخذاً بمجامع ثوبه يقول: يا عدو الله فيم قتلتني، فيستيقظ مذعوراً ويقول: ما لي ولابن جبير .
11 ـ مرض الحجاج وموته:
أ ـ خطبته قبل موته:
لما مرض الحجّاج أرجف الناس بموته، فقال في خطبته: إنَّ طائفة من أهل الشقاق والنفاق نزغ الشيطان بينهم، فقالوا: مات الحجّاج، ومات الحجّاج، فمه، وهل يرجو الحجّاج الخير إلا بعد الموت؟ والله ما يسرُّني أن لا أموت وأنَّ لي الدنيا وما فيها، وما رأيت الله رضي التخليد إلا لأهون خلقه عليه إبليس، قال الله له: {إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ*} [الأعراف: 15]. فأنظره إلى يوم يبعثون ، ولقد دعا الله العبد الصالح، فقال: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي} [ص: 35]. فأعطاه الله ذلك إلا {لأَِحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾، فما عسى أن يكون أيُّها الرجل، وكلُّكم ذلك الرجل، كأنِّي والله بكل حيٍّ منكم ميتاً، وبكل رطبٍ يابساً، ثم نُقِلَ في ثياب أكفانه إلى ثلاثة أذرع طولاً في ذراع عرضاً، فأكلت الأرض لحمه، ومصَّت صديده، وانصرف الحبيب من ولده يقسِمُ الحبيب من ماله، إن الذين يعقلون؛ يعقلون ما أقول .
ب ـ الالام الشديدة التي تعرض لها الحجّاج في مرضه:
كان موت الحجّاج بالأكلة ، في بطنه، سوَّغه الطبيب لحماً في خيط فخرج مملوءاً دوداً، وسُلط عليه أيضاً البرد، فكان يوقد النَّار تحته وتأجَّجُ حتى تحرق ثيابه وهو لا يُحِسَّ بها، فشكا ما يجده إلى الحسن البصري ـ كما جاء في بعض الروايات ـ فقال له: ألم أكن نهيْتُك أن تتعرّض للصالحين، فلججت، فقال له: يا حسن، لا أسألك أن تسأل الله أن يفرج عني، ولكني أسألك أن تسأله أن يعجل قبض روحي ولا يطيل عذابي، فبكى الحسن بكاءً شديداً، وأقام الحجّاج على هذه العلة خمسة عشر يوماً، فلما أُخبر الحَسَنُ بموته سجد شكراً، وقال: اللهمَّ كما أمته أمت سنته .
وعن الأصمعي، قال: لما حضرت الحجّاج الوفاة أنشأ يقول:
يا ربِّ قد حَلَفَ الأعداءُ واجتهدوا
بأنني رجلٌ من ساكني النَّار
أيحلفونَ على عمياءَ ويحَهُمُ
ما علمُهمْ بعظيمِ العفوِ غفَّارِ
وقال عند موته: اللهم اغفر لي، فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل ، وعن عمر بن عبد العزيز أنَّه قال: ما حسدتُ الحجّاج عدو الله على شيء حسدي إياه على حبِّه للقران وإعطائه أهله، وقوله له حين حضرته الوفاة: اللهم اغفر لي، فإنَّ الناس يزعمون أنك لا تفعل ، ولما قيل للحسن البصري: إن الحجّاج قال عند الموت كذا وكذا. قال: أقالها؟ قالوا: نعم. قال: عسى .
وقد فرح أهل العراق بموت الحجّاج، وسمي يوم موته عرس العراق .
جـ عمره لما مات وما تركه من مال:
قال العماد في سنة 95 هـ: فيها أراح الله العباد والبلاد بموت الحجاج بن يوسف الثقفي في ليلة مباركة على الأمة، ليلة سبع وعشرين من رمضان، وله ثلاث، وقيل: أربع أو خمس وخمسون سنة أو دونها .
وزعموا أنَّ الحجّاج مات ولم يترك إلا ثلاثمئة درهم ومصحفاً وسيفاً وسرْجاً ورحلاً ومئة درع موقوفة .
د ـ ما رؤي له بعد موته:
وقال الأصمعي عن أبيه، قال: رأيت الحجّاج في المنام، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: قتلني بكل قتلة قتلت بها إنساناً.
وكان الحسن لا يجلس مجلساً إلا ذكر فيه الحجّاج فدعا عليه، قال: فراه في منامه فقال له: أنت الحجّاج؟ قال: نعم، قال: ما فعل الله بك؟ قال: قتلت بكل قتيل قتلته، ثم عُزلت مع الموحِّدين. قال: فأمسك الحسن بعد ذلك عن شتمه .
هـ حزن الوليد بن عبد الملك عليه:
لما مات الحجّاج تفجع عليه الوليد وجلس للعزاء فيه محزوناً عليه، وما زال مهموماً حتى دخل عليه الفرزدق ـ الشاعر ـ فرثى الحجّاج رثاءً أرضى الوليد وأقر عينه، فقد قال:
لبيكَ على الإسلامِ من كانَ باكياً
على الدِّينِ من مستوحشِ الليلِ خائفِ
وأرملةٌ لمَّا أتاها نعيُه
فجادتْ له بالواكفاتِ الزوارفِ
إلى أن قال:
فما ذرفتْ عيناي بعدَ محمَّدٍ
على مثلِهِ إلا نفوس الخلايفِ
وتتابع الناس في دخولهم على الوليد يعزونه في الحجّاج ويثنون عليه خيراً، وقد وجد الوليد على عمر بن عبد العزيز لأنه لم يقل في الحجّاج شيئاً، وألجأه إلى الكلام فقال: وهل كان الحجّاج إلا رجلاً من أهل البيت ؟! فنحن نُعزى فيه ولا نُعَزِّي ، وقال الوليد: لأشفعن في الحجّاج عند الله، ووفاء لذكرى الحجّاج أقرّ الوليد العمال الذين استخلفهم .
و ـ أقوال العلماء في موت الحجّاج:
عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه أنه أخبر بموت الحجّاج مراراً، فلما تحقَّق وفاته قال: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾.
ولما أخبر إبراهيم النخعي بموت الحجّاج بكى من الفرح، ولما بشر الحسن بموت الحجّاج سجد شكراً لله، وقال: اللهم أَمَتَّه، فأذهب عنا سنته ، وخرّ عمر بن عبد العزيز ساجداً حينما بلغه النبأ .
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
الجزء الثاني:


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022