الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

هل عين عثمان رضي الله عنه أحداً من أقربائه على حساب المسلمين؟

الحلقة: العاشرة

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

محرم 1442 ه/ سبتمبر 2020


لم يكن عثمان رضي الله عنه عين أحداً من أقاربه على حساب المسلمين، ولو أراد أن يجامل أحداً من أقاربه على حساب المسلمين لكان ربيبه محمد بن أبي حذيفة أولى النَّاس بهذه المجاملة، ولكنَّ الخليفة أبى أن يوليه شيئاً ليس كفؤاً له بقوله: يا بنيَّ لو كنت رضاً ثمّ سألتني العمل، لاستعملتك، ولكن لست هناك. ولم يكن ذلك كراهية له، ولا نفوراً منه، وإلا لما جهَّزه من عنده، وحمله، وأعطاه حين استأذن في الخروج إلى مصر.
وأمّا استعمال الأحداث فكان لعثمان رضي الله عنه في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة؛ فقد جهَّز جيشاً لغزو الرُّوم في آخر حياته، واستعمل عليه أسامة بن زيد، رضي الله عنهما، وعندما توفِّي الرَّسول صلى الله عليه وسلم تمسَّك الصديق رضي الله عنه بإنفاذ هذا الجيش، لكنَّ بعض الصحابة رغبوا في تغيير أسامة بقائد أحسن منه، فكلَّموا عمر في ذلك ليكلِّم أبا بكر، فغضب أبو بكر لمَّا سمع هذه المقالة، وقال لعمر: يا عمر استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأمرني أن أعزله؟!. ويجيب عثمان بنفسه على هذه المآخذ أمام الملأ من الصحابة بقوله: ولم أستعمل إلا مجتمعاً، محتلماً، مرضياً، وهؤلاء أهل عملهم، فسلوهم عنهم، وهؤلاء أهل بلدهم وقد ولَّى من قبلي أحدث منهم، وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ممَّا قيل لي في استعماله لأسامة، أكذلك؟ قالوا: نعم، يعيبون للنَّاس ما لا يفسرون.
ويقول عليّ رضي الله عنه: ولا يولِّي ـ أي: عثمان ـ إلا رجلاً سوياً، عدلاً، وقد ولَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم عتّاب بن أسيد على مكّة وهو ابن عشرين سنة.
ولم يكن ولاة الأمصار في عهد عثمان رضي الله عنه جاهلين بأمور الشَّرع، ولم يكونوا من المفرِّطين في الدِّين، وإذا كانت لهم ذنوب، فلهم حسنات كثيرة، ومع ذلك فإن سيئات وذنوب هؤلاء تعود عليهم ولم يكن لها تأثير في المجتمع المسلم، وقد تتبعنا اثار هؤلاء الولاة أيَّام ولايتهم، ووجدناها عظيمة الفائدة للإسلام والمسلمين، وقد اهتدى على يدي ولاة عثمان مئات الألوف إلى الإسلام، وبسبب فتوحاتهم انضمّ إلى ديار الإسلام أقاليم واسعة، ولو لم يكن عند هؤلاء من الشجاعة، والدّين ما يحثهم على الجهاد، ما قادوا الجيوش إلى الجهاد، وفيه مظنة الهلاك، وفيه ترك الراحة ومتاع الدنيا، وقد تتبعت سيرة هؤلاء الولاة، فوجدت لكل واحد منهم فتحاً، أو فتوحاً في الجهات التي تجاور ولايته، مع مناقب وصفات حسنة تؤهله للقيادة، وقد فصلت في كتابي عن عثمان رضي الله عنه في مبحث مستقل حقيقة ولاة عثمان رضي الله عنه.
إن الذي يرجع إلى الصحيح الممحّص من وقائع التاريخ، ويتتبع سيرة الرجال الذين استعان بهم أمير المؤمنين ذو النورين ـ رضي الله عنهم ـ وما كان لجهادهم من جميل الأثر في تاريخ الدعوة الإسلامية، بل ما كان لحسن إدارتهم من عظيم النتائج في هناء الأمّة، وسعادتها، فإنه لا يستطيع أن يمنع نفسه عن الجهر بالإعجاب، والفخر كلّما أمعن في دراسة ذلك من أدوار التاريخ الإسلامي.
إن عثمان رضي الله عنه وولاته انشغلوا بمدافعة الأعداء، وجهادهم، وردّهم، ولم يمنعهم ذلك من توسيع رقعة الدولة الإسلامية، ومدّ نفوذها في مناطق جديدة، وقد كان للولاة تأثير مباشر في أحداث الفتنة؛ حيث كانت التهمة موجهة إليهم، وأنّهم اعتدوا على الناس، ولكنّنا لم نلمس حوادث معينة يتّضح فيها هذا الاعتداء المزعوم، والمشاع، كما اتُّهم عثمان بتولية أقاربه، وقد دحضنا تلك الفرية، وهكذا نرى: أنّ عثمان لم يألُ جهداً في نصح الأمة، وفي تولية من يراه أهلاً للولاية، ومع هذا لم يسلم عثمان، وولاته من اتهامات وجهت إليهم من قبل أصحاب الفتنة في حينها.
كما أن عثمان رضي الله عنه لم يسلم من كثير من الباحثين في كتاباتهم غير المحقّقة عن عهد عثمان، وخصوصاً الباحثين المحدثين الذين يطلقون أحكاماً لا تعتمد على التحقيق، أو على وقائع محددة، يعتمدون فيها على مصادر موثوقة، فقد تورّط الكثير منهم في الرّوايات الضّعيفة، والرافضيّة، وبنوا أحكاماً باطلة وجائرة في حق الخليفة الرّاشد عثمان بن عفان، مثل: طه حسين في كتابه: الفتنة الكبرى، وراضي عبد الرحيم في كتابه: النظام الإداري والحربي، وصبحي الصالح في كتابه: النُّظم الإسلامية، ومولوي حسين في كتابه: الإدارة العربية، وصبحي محمصاني في كتابه: تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء، وتوفيق اليوزبكي في كتابه: دراسات في النظم العربية والإسلامية، ومحمد الملحم في كتابه: تاريخ البحرين في القرن الأول الهجري، وبدوي عبد اللطيف في كتابه: الأحزاب السياسية في فجر الإسلام، وأنور الرِّفاعي في كتابه: النظم الإسلامية، ومحمد الرّيِّس في كتابه: النظريات السياسية، وعلي حسني الخربوطلي في كتابه: الإسلام والخلافة، وأبي الأعلى المودودي في كتابه: الملك والخلافة، وسيد قطب في كتابه: العدالة الاجتماعية، وغيرهم.
ولقد أكثر المؤرخون من الحديث عن محاباة عثمان أقاربه، وسيطرتهم على أزمة الحكم في عهده، حتّى أثاروا عليه نقمة كثير من الناس، فثاروا ناقمين عليه إطلاقه يد ذوي قرباه في شؤون الدولة، وأقارب عثمان الذين ولاهم رضي الله عنه أولهم معاوية بن أبي سفيان، والثاني عبد الله بن سعد بن أبي السرح، والثالث الوليد بن عقبة، والرّابع سعيد بن العاص، والخامس عبد الله بن عامر، هؤلاء خمسة ولاهم عثمان، وهم من أقاربه، وهذا في زعمهم مطعن عليه، فلو أخذنا إحصائية لوجدنا: أن عدد الولاة في عهد عثمان ستة وعشرون والياً، ألا يصح أن يكون خمسة من بني أمية يستحقون الولاية وبخاصة إذا علمنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يولّي بني أمية أكثر من غيرهم ؟! علماً بأن هؤلاء الولاة لم يكونوا كلّهم في وقت واحد، بل كان عثمان رضي الله عنه ولّى الوليد بن عقبة، ثمّ عزله، فولى مكانه سعيد بن العاص، فلم يكونوا خمسة في وقت واحد، ولم يتوفّ عثمان إلا وقد عزل أيضاً سعيد بن العاص، فعندما توفي عثمان لم يكن من بني أمية من الولاة إلا ثلاثة وهم: معاوية، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح، وعبد الله بن عامر بن كريز فقط، عزل عثمان الوليد بن عقبة، وسعيد بن العاص، ولكنّه عزلهما من أين؟ من الكوفة التي عزل منها عمر سعد بن أبي وقاص، الكوفة التي لم ترضَ بوالٍ أبداً؛ إذ عزلُ عثمان رضي الله عنه لأولئك الولاة لا يعتبر مطعناً فيهم، بل هو مطعن في أهل الشغب في المدينة التي وُلُّوا عليها.
إن بني أمية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعملهم في حياته، واستعملهم بعده من لا يُتهم بقرابة فيهم أبو بكر، وعمر، رضي الله عنهما، ولا نعرف قبيلة من قبائل قريش فيها عمّال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من بني عبد شمس! لأنهم كانوا كثيرين وكان فيهم شرف وسؤدد، فاستعمل النبي صلى الله عليه وسلم عتّاب بن أسيد بن أبي العاص على مكة، وأبا سفيان بن حرب على نجران، وخالد بن سعيد على صدقات بني مذحج، وأبان بن سعيد على بعض السّرايا ثمّ على البحرين، فعثمان رضي الله عنه لم يستعمل إلا من استعمله النبي صلى الله عليه وسلم، ومن جنسهم، وقبيلتهم، وكذلك أبو بكر وعمر بعده؛ فقد ولى أبو بكر يزيد بن أبي سفيان في فتوح الشام، وأقرّه عمر، ثمّ ولّى عمر بعده أخاه معاوية.
والسؤال الذي يطرح نفسه: أأثبت هؤلاء كفاءتهم أم لا؟ والحقيقة العلمية التي أثبتها في كتابي عن عثمان رضي الله عنه بأن ولاة عثمان أثبتوا كفاءتهم، فالولاة الذين ولاهم عثمان رضي الله عنه من أقاربه قد أثبتوا الكفاءة والمقدرة في إدارة شؤون ولاياتهم، وفتح الله على أيديهم الكثير من البلدان، وساروا في الرعية سيرة العدل والإحسان.
فمثلاً معاوية رضي الله عنه كانت سيرته مع الرعية في ولايته من خير سير الولاة، ممّا جعل النّاس يحبونه، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خيار أئمتكم ـ حكامكم ـ الذين تحبونهم، ويحبونكم، وتصلُّون عليهم ـ تدعون لهم ـ ويصلُّون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم، ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم».
وقد بين القاضي ابن العربي وأثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استكتبه، وأن سند ولايته الأعمال في الدولة الإسلامية لم يكن لأحد قبله، ولم يكن لأحد بعده، حيث اجتمع على توليته: رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بعده خلفاؤه الثلاثة، ثم صالحه وأقرّ له بالخلافة الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.

يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022