من كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار (ج1)
خروج الحسين رضي الله عنه في الميزان الشرعي
الحلقة: السابعة والثمانون
بقلم الدكتور: علي محمد الصلابي
ربيع الآخر 1442 ه/ ديسمبر 2020
إن عدم التمعُّن في معارضة الحسين ليزيد، والتأمل في دراسة الروايات التاريخية الخاصة بهذه الحادثة، قد جعلت البعض يجنح إلى اعتبار الحسين خارجاً على الإمام، وأن ما أصابه كان جزاءً عادلاً، وذلك وفق ما ثبت من نصوص نبوية تدين الخروج على الولاة، فقد روي عنه ﷺ: «من أراد أن يفرق بين المسلمين وهم جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان» . قال السيوطي: أي فاضربوه شريفاً أو وضيعاً على إفادة معنى العموم .
وقال النووي معلقاً على هذا الحديث: الأمر بقتال من خرج على الإمام أو أراد تفريق كلمة المسلمين ونحو ذلك، ويُنهى عن ذلك، فإن لم ينته قوتل، وإن لم يندفع شره إلا بالقتل قتل وكان دمه هدراً ، وفي الحديث وغيره من الأحاديث المشابهة له جاء تأكيد النبي ﷺ على أن الخارج على سلطان المسلمين يكون جزاؤه القتل، وذلك لأنه جاء ليفرق كلمة المسلمين، والتعلق المبدئي بهذه النصوص جعلت الكثير يظنون أنا أبا بكر بن العربي يقول: إن الحسين قتل بسيف جده ﷺ .
وإن الجمود على هذه الأحاديث جعلت الكرامية مثلاً يقولون: إن الحسين رضي الله عنه باغٍ على يزيد، فيصدق بحقه من جزاء وقتل .
وأما البعض فقد ذهبوا إلى تجويز خروج الحسين رضي الله عنه واعتبروا عمله هذا مشروعاً، وجعلوا المستند في ذلك إلى أفضلية الحسين وإلى عدم التكافؤ مع يزيد ، وأما البعض فقد جعل خروج الحسين خروجاً شرعياً بسبب ظهور المنكرات من يزيد .
ولكن إذا أتينا لتحليل مخرج الحسين رضي الله عنه ومقتله، نجد أن الأمر ليس كما ذهب إليه هؤلاء ولا هؤلاء، فالحسين لم يبايع يزيد أصلاً، واعترض على فكرة التوريث دفاعاً عن الشورى ومبادأى الإسلام الداعمة لحق الأمة في اختيار من تريد، وخرج معه إلى مكة عبد الله بن الزبير وذهبا لأجل جمع الأتباع وحث المسلمين على الوقوف في وجه الانحراف الذي أحدث في نظام الحكم وقلبه من الشورى إلى الوراثة، واستنهض الهمم لتصحيح هذا الخلل الذي استجدَّ في عالم الإسلام، وبدأت رحلة الحسين لجمع الأتباع والأنصار نحو التصحيح وإعادة نظام الشورى ومنهاج الخلافة الراشدة والمبادأى الكريمة، لا كما يزعم البعض من كونه خرج طمعاً في الحكم والسلطة؛ لأنه ينبغي أن تكون فيه وفي ذريته، فبتلك النظرة فيها بخس للحسين ومنهجه ولأهل البيت ومنهج القران وهدي جده عليه الصلاة والسلام .
إن القول بنظرية النص في علي وذريته قول باطل ولا توجد أية اثار ـ صحيحة ـ لنظرية النص في قصة كربلاء ـ ولا في غيرها ـ، وقد تحدث عن ذلك الأستاذ أحمد الكاتب في كتابه (تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه) ، وقد ناقشت نظرية النص على ولاية علي وذريته وأدلة الشيعة في ذلك في كتابي عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه.
إن الحسين رضي الله عنه لم يبايع يزيد بن معاوية وشرع في إعداد العدة ولم يخرج عن تعاليم الإسلام التي تشترط الإعداد الجيد لإزاحة الحاكم الجائر حتى يغلب الظن على القدرة على ذلك، فهو قد أعد القوة كما تصوَّرها حتى ظنها كافية لتحقيق غرضه، ولكن حساباته ـ بلا شك ـ كانت خاطئة؛ فالحسين لم يقُمْ بخطأ شرعي مخالف للنصوص، وخاصة إذا عرفنا أن جزءاً من الأحاديث جاءت مبينة لنوع الخروج، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «الصلاة المكتوبة إلى الصلاة التي بعدها كفارة لما بينهما، والجمعة إلى الجمعة، والشهر إلى الشهر ـ يعني رمضان ـ كفارة لما بينهما» قال: ثم قال بعد ذلك: «إلا من ثلاث» قال: فعرفت أن ذلك الأمر حدث ـ «إلا من الإشراك بالله، ونكث الصفقة، وترك السنة». قال: «أما نكث الصفقة: أن تبايع رجلاً ثم تخالف إليه تقاتله بسيفك، وأما ترك السنة: فالخروج من الجماعة»
والحسين رضي الله عنه ما خرج يريد القتال، ولكن ظن أن الناس يطيعونه، فلما رأى انصرافهم عنه، طلب الرجوع إلى وطنه أو الذهاب إلى الثغر، أو إتيان يزيد ، ولقد تعنّت ابن زياد أمام مرونة الحسين وسهولته، وكان من الواجب عليه أن يجيبه لأحد مطالبه، ولكن ابن زياد طلب أمراً عظيماً من الحسين، وهو أن ينزل على حكمه، وكان من الطبيعي أن يرفض الحسين هذا الطلب، وحُقّ للحسين أن يرفض ذلك، ذلك لأن النزول على حكم ابن زياد لا يعلم نهايته إلا الله، ولربما كان حكمه فيه القتل.
ثم إن هذا العرض إنما كان يعرضه رسول الله ﷺ على الكفار المحاربين أعداء الإسلام، والحسين رضي الله عنه ليس من هذا الصنف، بل هو من أفاضل المسلمين وسيدهم ، ولهذا قال ابن تيمية: وطلبه أن يستأسر لهم، وهذا لم يكن واجباً عليه .
والحقيقة أن ابن زياد خالف الوجهة الشرعية والسياسية حين أقدم على قتل الحسين رضي الله عنه ؛ فالظالم هو ابن زياد وجيشه الذين قدموا على قتل الحسين رضي الله عنه بعد أن رفضوا ما عرض الحسين من الصلح. ثم إن نصح الصحابة للحسين يجب أن لا يفهم على أنهم يرونه خارجاً على الإمام كما ذهب لذلك يوسف العش .
بل إن الصحابة رضوان الله عليهم أدركوا خطورة أهل الكوفة على الحسين، وعرفوا أن أهل الكوفة كذبة، وقد حملت تعابير نصائحهم هذه المفاهيم . يقول ابن خلدون: فتبين بذلك غلط الحسين، إلا أنه في أمر دنيوي لا يضره الغلط فيه، وأما الحكم الشرعي فلم يغلط فيه، لأنه منوط بظنه، وكان ظنه القدرة على ذلك .
وأما الصحابة رضوان الله عليهم الذين كانوا بالحجاز ومصر والعراق والشام والذين لم يتابعوا الحسين رضوان الله عليه، فلم ينكروا عليه، ولا أثّموه، لأنه مجتهد، وهو أسوة للمجتهدين به . قال ابن تيمية: وأحاديث النبي ﷺ التي يأمر فيها بقتل المفارق للجماعة لم تتناوله، فإنه رضي الله عنه لم يفارق الجماعة، ولم يقتل إلا وهو طالب للرجوع إلى بلده، أو إلى الثغر، أو إلى يزيد، داخلاً في الجماعة، معرضاً عن تفريق الأمة، ولو كان طالباً ذلك أقل الناس لوجب إجابته إلى ذلك، فكيف لا تجب إجابة الحسين ، ولم يقاتل وهو طالب الولاية، بل قتل بعد أن عرض الانصراف بإحدى ثلاث... بل قتل وهو يدفع الأسر عن نفسه، فقتل مظلوماً .
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com