الأحد

1446-10-29

|

2025-4-27

من كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار (ج2):

النظام القضائي والشرطة في عهد عبد الملك بن مروان

الحلقة: 124

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

جمادى الأولى 1442 ه/ يناير 2021

أولاً: القضاء:

كان القضاء على عهد عبد الملك استمراراً لما كان عليه زمن من سبقه من الخلفاء، فضلاً عن إسهاماته الرائدة بتنظيم جوانب متعددة منه، فهو أول من أفرد للمظالم يوماً، كما أوجب أن تقرأ عهود القضاة، أي: أوامر تعيينهم، في المسجد الجامع أولاً، ثم يتوجَّهون إلى دار الأمير حيث يُتلى أمامه عهد تولية القاض ، وكان الخليفة عبد الملك يختار من القضاة من يتصف بالتقوى والنزاهة؛ فقد ولى على القضاء بلال بن أبي الدرداء .

1 ـ أشهر قضاة عبد الملك:

وكان من أشهر قضاة عبد الملك: أبو إدريس الخولاني، وذلك سنة 74 هـ، وكانت له المظالم أيضاً حتى أعفاه عبد الملك بطلب منه ، ثم ولى عامراً الأشعري ، ثم عبد الله بن عامر اليحصبي ، وعبد الله بن قيس، ثم سليمان المحاربي، ومعظم هؤلاء القضاة من الفقهاء ومن رواة الحديث .
2 ـ رزق القاضي: ولما قدم عبد الملك بن مروان النخيلة سنة 72 هـ قال: ما فعل شريح العراقي؟ قيل: حي، قال: عليَّ به. فجاء فقال: ما منعك من القضاء؟ فقال: ما كنت أقضي بين اثنين في فتنة . قال: وفقك الله عد إلى قضائك، فقد أمرنا لك بعشرة الاف درهم، وثلاثمئة جريب، فأخذها بالفلوجة، وقضى إلى سنة ثمانٍ وسبعين.

3 ـ مراقبة القضاة:

كان عبد الملك يراقب قضاته ويتابع أخبارهم، فقد أخبر أن زوجة قاضيه الحارث الأشعري، كلمت زوجها في رجل يقضي له بقضية، وأن الرجل أهدى إلى زوجة القاضي هدية، فقال عبد الملك:

إذا رشوةٌ من بابِ بيتٍ تَقَحَّمَتْ
سَعَتْ هرباً منه وولَّتْ كأنَّهَا


لتسكنَ فيهِ والأمانةُ فيهِ
حليمٌ تولَّى عن جوارِ سفيهِ

4 ـ عدم التدخل في أحكامهم وأعمالهم:

فقد كان موقف عبد الملك من القضاء والقضاة مبنيّاً على الاحترام وعدم التدخل في عملهم وأحكامهم .

5 ـ احترامه لقضاء عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما:

أرسل أبان بن عثمان عامل عبد الملك على المدينة رسالة يسأله عن موقفه من أقضية وأحكام عبد الله بن الزبير، قائلاً له: إن عبد الله بن الزبير قضى بين الناس بأقضية، فما يرى أمير المؤمنين؛ أمضيها أم أردها؟ فكتب عبد الملك إلى أبان بن عثمان: إنا والله ما عبنا على ابن الزبير أقضيته، ولكن عبنا عليه ما تناول من الأمر، فإذا أتاك كتابي هذا، فأنفذ أقضيته، فإن ترداد الأقضية عندنا يتعسر . وهذه الرسالة تبين لنا جانباً مهماً من سياسة عبد الملك الحازمة، وحكمته في عدم التدخل في المؤسسة القضائية، إذ سد باباً على الحكام والولاة كان فَتْحه يعرض أحكام القضاة إلى النقص المستمر .

6 ـ تحديد مهور النساء:

قام عبد الملك بتحديد المهور وجعلها (400) أربعمئة دينار، حداً أعلى، وهو أول من فعل ذلك اقتداء بما فعله رسول الله ﷺ عندما خطب أم حبيبة بنت أبي سفيان ،
وربما قام عبد الملك بذلك منعاً للمغالات في المهور، وتشجيعاً للزواج والإنجاب .

7 ـ ديوان المظالم:

كان الخليفة عبد الملك أول من أفرد يوماً للنظر في المظالم، حيث جلس في يوم محدد يتصفح فيه قصص المتظلمين من غير مباشرة للنظر فيها، فكان إذا وقف منها على مشكل، أو احتاج فيها إلى حكم منفذ رده إلى قاضيه أبي إدريس الخولاني فنفذ فيه أحكامه، وقد قام للجلوس بنفسه حتى يرتدع الناس، فكان أبو إدريس هو المباشر وعبد الملك الامر ، وكان عبد الملك حين يجلس للمظالم يستعد لها، فكان يلبس جبة ورداء ، كما ويقام على رأسه بالسيوف ، ويأمر شخصاً من هؤلاء القائمين على رأسه لإنشاد شعر لسعيد بن عُريض وهو:

إنَّا إذا مَا دواعي الهَوَى


وأنصتَ السَّامِعُ للقائلِ

واصْطَرَعَ القومُ بألبابِهِمْ


نقضِي بحكمٍ عادلٍ فاصلِ

لا نجعلُ الباطلَ حقّاً ولا


نلفظُ دونَ الحقِّ بالباطلِ

نخافُ أن تسفُهَ أحلامُنا


فنخمل الدَّهر مع الخاملِ

ثم يجتهد عبد الملك في الحق بين الخصمين . وهذا يعني أن جلوس الخليفة عبد الملك للمظالم كان جلوساً منتظماً ومتكاملاً، ولابد أن جلسات الخليفة هذه كان يحضرها كتاب يدونون هذه الجلسات وأحكامها، كما أن تحديد الخليفة عبد الملك يوماً معيناً من كل أسبوع للنظر في المظالم، وتعيين قاضٍ لذلك، وتعيين من يقوم على رأسه بالسيوف وهم من الحماة والأعوان، وارتداء الخليفة ملابس معينة، وانعقاد هذه الجلسات في مكان محدد، كل هذا يعني وجود الأسس لديوان مستقل لكل ذلك، ويمكننا أن نقول بأن الخليفة عبد الملك ربما كان أول من أسس ديوان النظر في المظالم في الدولة .

ثانياً: الشرطـة:

ومن الأجهزة المهمة التي كان لها أثر فاعل في إدارة بلاد الشام: جهاز الشرطة، وعلى رأسه صاحب الشرطة، ولابد أن الخليفة عبد الملك كان لا يختار لهذا المنصب إلا من توفرت فيه شروط صعبة التوفر ، وعين الخليفة عبد الملك بن مروان على شرطته: عبد الله بن هانأى الأزدي ، ثم استبدل به يزيد بن كبشة السكسكي، ثم عزل الكثير من هذا المنصب واخرهم في عهد عبد الملك كعب بن حامد العبسي .
ولم تكن مهمة الشرطة في عهد عبد الملك هي محاسبة الجناة واللصوص فحسب، بل مارست الشرطة عملاً مهماً، ألا وهو عملية تنظيم وضبط نزول جيوش الخلافة ورحيلها أثناء الحملات العسكرية، فقد قلد الخليفة الحجّاج بن يوسف الثقفي هذه المهمة، فنجح فيها في عدة مناسبات، وتمكن من ضبط جيش الخليفة وتأدية مهمته على أحسن وجه، وكانت الشرطة موجودة في كافة أقاليم الدولة وتابعة لولاتها.
واتخذ الخليفة عبد الملك بن مروان حرساً خاصاً به، ويرأس هؤلاء الحرس رئيس، يعين ويعزل من الخليفة، وهو المسؤول عن أفراد حرسه أمام الخليفة، ويبدو أن أعدادهم لم تكن قليلة، وكانت مهمة الحرس الأساسية، هي حماية الخليفة، والمحافظة على سلامته، في حله وترحاله، وتنفيذ أوامره. ومن الجدير بالذكر أن جميع رؤساء حرس عبد الملك كانوا من الموالي وبخاصة من موالي الخليفة نفسه، ويبدو أن ذلك راجع إلى طبيعة أعمال هؤلاء المرتبطة دوماً بالخليفة، والتي تستوجب أن يكونوا موضع ثقة الخليفة للاطمئنان على سلامته، وكان الخليفة ينتقل في مدن بلاد الشام، ونظم إقامته على هذا الأساس، فلم يكن يقيم بدمشق طوال العام، بل كان يشتو بالصَّنبرة من الأردن، وإذا انتهى الشتاء نزل الجابية، وفرّق الأرزاق على أصحابه، فإذا مضت أيام من اذار دخل دمشق، حتى إذا اشتد الحر أتى بعلبك فقام بها حتى تهيج رياح الشتاء فيرجع إلى دمشق، فإذا اشتد البرد خرج إلى الصنبرة ، وهذه التنقلات كانت تخضع لنظام حراسة مشدد، ومن أراد التفصيل فليراجع كتاب (الشرطة في العصر الأموي)، للدكتور أرسن موسى رشيد.

يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com 

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022