السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ورد في أحاديث كثيرة في أشراط الساعة: (ويبقى شرار الخلق)... هل المقصود غالبية الشر وعمومه، أو استحكامه فلا يوجد غيره؟ فإن كان الأول فهل نفهم أن هناك مؤمنين عصاة لكنهم قلة، والغالبية العظمى للكفار؟ وقد ثبت أنه لن تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله، وأنه يرفع القرآن كله من المصاحف والصدور وتهدم الكعبة.. و معناه ألا خير في الناس وقتئذٍ.. فمن هم الأشرار: هل هم الكفار أو معهم عصاة مؤمنون؟ وفي حديث النار التي تحشر الناس، منهم فريق راغبون راكبون، فهل هذا لاغتنائهم وجِدَتِهم، أو لكرامتهم عند الله بطاعته؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
قول السائل: (هل المقصود غالبية الشر وعمومه، أو استحكامه فلا يوجد غيره؟).
يقال: الحديث رواه مسلم عن عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا كَرِيحِ الْمِسْكِ مَسُّهَا مَسُّ الْحَرِيرِ فَلاَ تَتْرُكُ نَفْسًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنَ الإِيمَانِ إِلاَّ قَبَضَتْهُ ثُمَّ يَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ عَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ.
وفي رواية (فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع).
قال النووي في شرح مسلم: " قال العلماء معناه يكونون في سرعتهم إلى الشرور وقضاء الشهوات والفساد كطيران الطير، وفي العدوان وظلم بعضهم بعضا في أخلاق السباع العادية" اهـ
فهؤلاء الذين تقوم عليهم الساعة ليس في قلوبهم مثقال حبة من إيمان، والمقصود من الحديث أن الساعة لا تقوم إلا على الكفار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لاَ يُقَالَ فِي الأَرْضِ اللَّهُ اللَّهُ".. [ أخرجه مسلم]
وقول السائل: (في حديث النار التي تحشر الناس....).
يقال أما عن خروج النار فقد قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ نَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ) أخرجه البخاري.
ولم يذكر في هذا الحديث أن منهم راغبون راكبون.
لكن أخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم – قال "يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلاَثِ طَرَائِقَ، رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ، وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَثَلاَثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ وَيَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ، تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا، وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَتُمْسِى مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا" [أخرجه البخاري].
قال ابن حجر في (الفتح): قَالَ الْخَطَّابِيُّ: "هَذَا الْحَشْر يَكُون قَبْل قِيَام السَّاعَة تُحْشَر النَّاسَ أَحْيَاءً إِلَى الشَّام. وَأَمَّا الْحَشْر مِنْ الْقُبُور إِلَى الْمَوْقِف فَهُوَ عَلَى خِلَاف هَذِهِ الصُّورَة مِنْ الرُّكُوب عَلَى الإِبِل وَالتَّعَاقُبِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَا وَرَدَ فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس فِي الْبَاب " حُفَاةً عُرَاةً مُشَاةً " قَالَ: وَقَوْله " وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَثَلاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ إِلَخْ " يُرِيدُ أَنَّهُمْ يَعْتَقِبُونَ الْبَعِيرَ الْوَاحِدَ يَرْكَبُ بَعْضٌ وَيَمْشِي بَعْضٌ.
وَمَالَ الْحَلِيمِيّ إِلَى أَنَّ هَذَا الْحَشْرَ يَكُونُ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْقُبُورِ وَجَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: ظَاهِر حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة يُخَالِف حَدِيث اِبْن عَبَّاس الْمَذْكُور بَعْد أَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ حُفَاة عُرَاة مُشَاة قَالَ: وَيُجْمَع بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحَشْر يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ النَّشْرِ لاتِّصَالِهِ بِهِ وَهُوَ إِخْرَاجُ الْخَلْقِ مِنْ الْقُبُورِ حُفَاةً عُرَاةً، فَيُسَاقُونَ وَيُجْمَعُونَ إِلَى الْمَوْقِف لِلْحِسَابِ فَحِينَئِذٍ يُحْشَر الْمُتَّقُونَ رُكْبَانًا عَلَى الإِبِل، وَجَمَعَ غَيْره بِأَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ الْقُبُورِ بِالْوَصْفِ الَّذِي فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس، ثُمَّ يَفْتَرِقُ حَالُهُمْ مِنْ ثَمَّ إِلَى الْمَوْقِف عَلَى مَا فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة، وَيُؤَيِّدهُ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيث أَبِي ذَرٍّ " حَدَّثَنِي الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ أَنَّ النَّاس يُحْشَرُونَ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى ثَلَاثَة أَفْوَاجٍ: فَوْج طَاعِمِينِ كَاسِينَ رَاكِبِينَ. وَفَوْج يَمْشُونَ، وَفَوْج تَسْحَبُهُمْ الْمَلائِكَةُ عَلَى وُجُوهِهِمْ " الْحَدِيثَ. [انظر "فتح الباري" لابن حجر].
وما ذكره ابن حجر من الجمع بين الحديثين جمع حسن.. والله الموفق.
المجيب
د. بندر بن نافع العبدلي
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم