﴿يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾
تأملات في الآية الكريمة من سورة يوسف
الحلقة: 50
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
أيّ: يلتقطه بعض المسافرين السائرين على الطريق.
- والالتقاط: تناول شيء من الأرض أو الطريق. واستعير لأخذ شيء مضاع.(1) ومنه اللقيط، وهو: الولد الصغير الّذي يوجد ملقي على الأرض ولا يعرف أبواه.(2)
- والسيارة: الجماعة الموصوفة بحال السير وكثرته. والتعريف به تعريف العهد الذهني لأنهم علموا أن الطريق لا تخلو من قوافل بين الشام ومصر.(3) وبهذا أصبح الكريم ابن الكريم يوسف عليه السلام لقيطاً في أيدي الغرباء.(4)
﴿يلتقطه بعض السيارة﴾: قال: يلتقطه بعض السيارة، فالتقطه بعض السيارة بالفعل. هناك نوع من المقادير مرتبط بكلمة تخرج من فم متفائل أو مؤوّل، أو ظن بالله ظن الخير، فلتكن ألفاظك دائماً تحمل توقعات الخير لعلّ قدراً ما، يوافق ذلك.(5)
﴿إن كنتم فاعلين﴾: أي: كنتم فاعلين بمشورتي. ويدّل قوله هذا على أنّه كان مرتاباً من قبولهم لرأيه، بسبب ما يرى من شدّة حقدهم وضغينتهم على يوسف عليه السلام، ولكنّ الله غالب على أمره، قدّر ليوسف ألّا يموت حتّى يبتلي بما ابتلي به، ثمّ يمكنه الله تبارك وتعالى في الأرض، فانصرفوا عن قتله، وإلقائه في الأرض، إلى إلقائه في الجبّ الواقعة على طريق القوافل، واتّفقوا على هذا الرأي.(6)
- إنّ هذه الآية الكريمة تدلّ على وجوب درء المفاسد بقدر الإمكان، وأنّ من كان قادراً على درء أي مقدار من المفاسد فعليه أن يفعله، حيث إنّ هذا القائل لم يكن مرتاحاً للإجراءات السّابقة حتّى في هذا الإجراء فقال: ﴿إن كنتم فاعلين﴾، فاستعمل لفظ: (إن) الدال على التشكيك والتثبيط، وفي هذا توجيه إليهم بعدم الفعل، ولكنهم كانوا مصرين على ذلك.(7)
ولقد أشارت الآية الكريمة إلى سنّة من سنن الله تعالى وهي سنة التّدافع، وهو الصّراع بين الخير والشر، وبين الحقّ والباطل، فهؤلاء إخوة يوسف عملوا على قتله ظلماً وجوراً وفساداً في الأرض فهيّأ الله تعالى واحداً منهم صرفهم عن قتله إلى تركه يقع في يد السيارة ونجح في ذلك.
قال أبو بكر الجزائري - رحمه الله -: في الآية دليل على مشروعية التقاط اللُقطة وقد أذن فيها رسول الله ﷺ ولم يأذن في ضالة الإبل إذ قال في اللقطة: "اعرف عقاصها (وعاءها) ووكاءها ثمّ عرَفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها. وقال في ضالة الغنم هي لك أو لأخيك أو للذئب".(8)
وقال السعدي - رحمه الله-: وهذا القائل أحسنهم رأيا في يوسف وأبرهم وأتقاهم في هذه القضية فإن بعض الشر أهون من بعض والضرر الخفيف يدفع به الضرر الثقيل.(9)
وقال القرطبي - رحمه الله -: لفظ اللقيط في الشرع لا يطلق إلّا على الطفل الصغير لا على الكبير.(10)
مراجع الحلقة الخمسون:
1 سورة يوسف، أحمد نوفل، ص 305.
2 التفسير الموضوعي، (4/139).
3 سورة يوسف، د. أحمد نوفل، ص 305.
4 التفسير الموضوعي، (4/139).
5 يوسفيات، علي جابر الفيفي، ص 38.
6 التفسير الموضوعي، (4/140).
7 يوسف عليه السلام، د. علي القره داغي، ص 54.
8 رواه البخاري، رقم: 2972. أيسر التفاسير، (2/596).
9 تفسير السعدي، ص 501.
10 الجامع لأحكام القرآن، (9/134).
يمكنكم تحميل كتاب النبي الوزير يوسف الصديق عليه السلام
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي