الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

تأملات في الآية الكريمة
﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾:
الحلقة: 52
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي



- ﴿أرسله معنا﴾: في لفظة: ﴿أرسله﴾ دليل على أنّه كان يمسكه ويصحبه دائماً.(1)
- ﴿غداً﴾: يطلق على اليوم الّذي يلي يومك، وعلى الزمن المستقبل من غير تقييد.(2)
- ﴿يرتع﴾: الرتع الأكل والشّرب في الربيع رغداً. والرتع لا يكون إلّا في الخصب. ورتع فلان في المال إذا تقلب فيه أكلا وشرباً.(3) وهذه اللفظة قد احتوت على دلالات دقيقة كشفت لنا أيضاً ما في نفوس الإخوة من مكر وحيلة وتمويه تجاه أخيهم لتحقيق خطتهم الّتي اتفقوا عليها لإلقائه في البئر. وهذه اللفظة الّتي فيها من التقلب في الأكل والشرب والسعة، لتوحي عند سماعها بالاستقرار والراحة والطمأنينة والنعيم والانبساط الّذي سيلحق بأخيهم الصغير، وما ذلك إلّا للتّمويه والتغطية على مجريات الخطّة بطمأنة أبيهم على يوسف حتّى يصلوا إلى مرادهم من الانفراد بيوسف، وإلقائه في البئر وعلّلوا طلبهم والخروج به بما يمكن أن يستهوي يوسف لصباه من الرتوع واللعب والنشاط.(4)
- ﴿ويلعب﴾: والمراد اللعب المباح بقصد الاستجمام ورفع السآمة.(5) وهذا اللعب من شريعة يعقوب عليه السلام وأولاده. قال ابن عاشور: وهو مباح في الشرائع كلّها إذا لم يصر دأباً.(6) وهو يتفق مع فطرة الإنسان وحاجة جسمه إليه، وهو مقرر في جميع الشرائع، ويقتضيه العقل والفطرة، للكبار والصغار خاصة، ولذا قيل: من كان له صبيّ فليتصابَ معه، وليلعب معه، وجاء في الأثر: لاعب ابنك سبعاً، وصاحبه سبعاً.
وجاءت شريعة الإسلام لتقرر اللعب والرياضة المفيدة النافعة للجسم للصغار والكبار، وسيأتي المزيد بإذن الله في السّياق، وبأنَّ الرسول ﷺ سابَق عائشة وقالت: سابقني رسول الله فسبقته.(7) وقالت: "كنت ألعب بالبنات (الألعاب) وأنا عند رسول الله ﷺ فكان يُسرّب إليّ صواحبي يلاعبنني".(8) والأدلّة على ذلك كثيرة.
وهذا ما استمر مع البشريّة، وظهر اللعب في المدارس من الروضة إلى الجامعة، مع فتح النوادي الرياضية، والملاعب، والمسابقات في ذلك، استمراراً لشرعة الله تعالى.(9)
‌ويُفضِّل ‌الشرع ‌أن ‌يكون اللعب في مجال قد يطلبه الجدُّ مستقبلاً؛ كأن يتعلمَ الطفلُ السباحةَ، أو المصارعة، أو إصابة الهدف؛ وهي الرماية وهكذا نفهم معنى اللعب: أنّه شُغل لا يُلهِي عن واجب، أما اللهو فهو شغُلُ يُلهِي عن واجب وهناك بعضٌ من الألعاب يمارسها النّاس؛ ويجلسون معاً؛ ثمّ يُؤذِّن المؤذن؛ ويأخذهم الحديث؛ ولا يلتفون إلى إقامة الصلاة في ميعادها؛ وهكذا يأخذهم اللهو عن الضرورة؛ أما لو التفتوا إلى إقامة الصلاة: لَصَار الأمر مجرد تسلية لا ضرر منها.(10)
- ﴿وإنا له لحافظون﴾: من أن يناله مكروه وأكّدوا مقالتهم بأصناف التأكيد من إيراد الجملة إسمية، وتحليتها بأنّ واللام، وإسناد الحفظ إلى كلهم، وتقديمه له على الخبر احتيالاً في تحصيل مقصدهم.(11)
- ﴿وإنا له لحافظون﴾ أيّ: نسترعيه، ونحفظه من أذىً يريده.(12)
لقد أكدّوا لأبيهم أنّهم سيقومون على حفظه ورعايته، وقابل يعقوب عليه السلام مكر أولاده وكيدهم بصدر سليم ونفس بريئة صافية، فهو نبي كريم، لا يحمل في صدره شيئاً على أحد، فضلاً عن أولاده، وهو أيضاً أب عظيم رحيم ممتلئ القلب بعاطفة الأبوّة الصّادقة، ولهذا صارح أولاده بما يحمله في قلبه من المحبّة الشّديدة لولده يوسف، وما درى أنّه بهذه المصارحة والمكاشفة قد سعّر أحقاد أولاده على أخيهم، وألهب مشاعر الحقد والغضب في نفوسهم، فجعلهم أكثر تصميماً على تنفيذ جريمتهم.(13)


مراجع الحلقة الثانية والخمسون:
1 البحر المحيط، (6/245).
2 إتحاف الإلف بذكر الفوائد الإلف، (1/156).
3 دلالات الألفاظ الّتي انفردت بها سورة يوسف، ص 8.
4 المصدر السابق نفسه، ص 9.
5 تفسير القرطبي، (11/272). التحرير والتنوير، (5/650).
6 التحرير والتنوير، (5/650).
7 سنن ابن ماجه، رقم: 1979.
8 أخرجه البخاري، رقم 5779.
9 شرعة الله للأنبياء، د. محمّد الزحيلي، ص 257.
10 تفسير الشعراوي، (11/5877).
11 تفسير أبي السّعود، (4/257).
12 تفسير السعدي، ص 501.
13 التفسير الموضوعي، (4/141).

 

يمكنكم تحميل كتاب النبي الوزير يوسف الصديق عليه السلام
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي

 http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/668


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022