(فقه التعامل مع النفس)
اقتباسات من كتاب
"فقه الحياة"
لمؤلفه الدكتور سلمان العودة (فرج الله عنه)
الحلقة: ٤٨
الإنسان يبدأ مِن ذاته، ويحاول أن يكتشف العوالم، ويقرأ الآخرين، ويُعلِّق على الناس، وربما يلاحظ عليهم في تصرُّفاتهم ونفسيَّاتهم وأخلاقهم تمايزًا، فهذا قوي، وهذا ضعيف، وهذا قَلِق، وهذا متوتِّر؛ لكن آخر ما يخطر في باله النفس، مع أنَّ اكتشاف نفسه هو الأصل والأساس..
وليس اكتشاف النفس فقط، وإنما التصالح معها، فإنَّ كثيرًا مِن الذين عندهم مشكلات مع الآخرين عندهم مشكلات مع أنفسهم قبل ذلك، فمشكلته الأساسيَّة مع نفسه، وليست مع الناس، وإذا استطاع الإنسان أنْ يتصالح مع النفس، استطاع أنْ يتصالح مع الآخرين..
والحياة ليست قتالًا، بل فرص الحياة كثيرة، ومجالاتها واسعة، والأصل في الحياة أن تكونَ مبنيَّة على السلام، وربُّنا سبحانه وتعالى ذكر السلام كأساس في العلاقة، فهو أساس في العلاقة مع النفس ومع الغير، يقول ربُّنا سبحانه: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِن عِنْدِ اللَّـهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾، فإذا دخل بيته بدأ بالسلام، فالسلام مطلوب مع الأسرة، وعلى القريب، والبعيد، والجار، بل حتى الميت تسلم عليه، فيسلم من أذاك بذكره بسوء.
والسلام مع الخطأ بإزالته، وإذا لم يَزُلْ فبمحاولةِ إزالةِ آثارِه على النفس، يقول النبيِّ ﷺ: «اتَّقِ اللَّـهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ».
فجعل تقوى الله سبحانه وتعالى هي الأساسُ، ثم أعقَبَ بقوله: «وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا»، وفي هذا إشارة إلى التصالح مع النفس والتعامل مع أخطائها، بأنْ يُتبع السيئةَ الحسنةَ فتُمْحَى، ولا يُصبِح الإنسانُ أسيرَ الخطايا وتأنيب الضمير.
ثم قال ﷺ: «وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ»، وفي هذا إشارة إلى العلاقة الطيِّبَة بين الناس.
إنَّك قد تجد إنساناً لديه ملفَّات كاملة عن أصدقائه، وزملائه في العمل؛ لكن لو سُئِل عن نفسه ربما يخفق في أكثر الأسئلة، ولن يستطيع أن يُجيب؛ لأن هذه الأنوار الموجودة عنده مُسَلَّطة على الآخرين، فهي تقرأ وجوهَهم ونفوسَهم ودواخِلَهم ودوافِعَهم ومقاصِدَهم في العمل وتصرُّفاتهم، وتحتفظ بكلِّ شيء عنهم، وأما ما يتعلَّق بنفسه فلا يستطيع أن يكتشفَ عيوبَها وأخطاءها أو يواجهها..
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب"فقه الحياة" للشيخ سلمان العودة، صص 175-176