سلامة الوليد من الزندقة والكفر
من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):
الحلقة: 237
بقلم: د. علي محمد الصلابي
ذو القعدة 1442 ه/ يونيو 2021
كان العباسيون في أول عهدهم يهاجمون الأمويين ويتهمونهم بالضلال والإلحاد والانسلاخ من الدين اتهاماً قوياً ، يظهر في خطب أبي العباس وأبي جعفر المنصور وداود بن علي وسليمان بن علي ، وعيسى بن علي ، ويظهر في خطب دعاة العباسيين وقادتهم كأبي مسلم الخراساني.
وكان بعض الرواة يتزلفون إلى الأخبار التي تقدح في دينه ، وقد زيف بعض الرواة حديثاً رموا فيه الوليد بالتجبر والكفر ، وجعلوا توليه الخلافة نذيراً بانهيار الدولة الأموية ، وبشيراً بقرب قيام الدولة العباسية ، وهو حديث رواه أحمد بن حنبل فقال: حدثنا ابن عباس ، قال: حدثني الأوزاعي وغيره عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال: ولد لأخي أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم غلام ، فسمّوه الوليد ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سمّيتموه بأسماء فراعنتكم ليكوننَّ في هذه الأمة رجل يقال له: الوليد ، لهو شر على هذه الأمة من فرعون لقومه.
وإسناد الحديث ضعيف لانقطاعه ، فسعيد بن المسَيب لم يدرك عمر بن الخطاب إلا صغيراً ولم يَروِ عنه ، وإنما روى عن غيره من الصحابة الذين ذكرهم ابن سعد. والراجح أن الحديث موضوع. ونقل علماء اليمنية كالأزدي ، وعلماء الشيعة كالشريف المرتضى، أن الأوزاعي سأل الزهري: أيُّ الوليدين هو؟ فقال: إن استخلف الوليد بن يزيد فهو هو ، وإلاَّ فهو الوليد بن عبد الملك.
فلما استتبَّ الأمر للعباسيين وثبت سلطانهم ، عزف خلفاؤهم وأمراؤهم وولاتهم عن قذف الأمويين بالخروج على الإسلام ، فخلت خطبهم من تكفير الأمويين ، وصَدَّ المهدي والرشيد الرواة الذين كانوا يُداهنونهما عن التعريض بالأمويين وتجريحهم ، بل إنهما انتصرا للوليد ، ونفيا عنه تهمة الزندقة ونزّهاه عنها ، إذ إن المهدي كان إذ ذُكر الوليد في مجلسه يقول: رحمه الله ، ولا رحم قاتله ، فإنه كان خليفة مجمعاً عليه. وقيل له: إن الوليد كان زنديقاً ، فقال: إن خلافة الله أعز وأجلُّ من أن يوليها من لا يؤمن.
ويروى أن ابناً للغَمِر بن يزيد بن عبد الملك دخل على الرشيد فقال: ممَّن أنت؟ قال: من قريش. قال: من أيِّها؟ فأمسك. قال: قل وأنت امن ، ولو أنك مروانيٌّ. قال: أنا ابن الغَمْر بن يزيد. قال: رحم الله عمّك ، ولعن يزيد النّاقص وقتلة عمِّك جميعاً ، فإنهم قتلوا خليفة مجمعاً عليه ، ارفع حوائجك ، فرفعها فقضاها.
وقد تَنبَّه كثير من المؤرخين إلى أن الأخبار التي تقدح في دين الوليد وتتهمه بالزندقة مصنوعة ، فتوقف فريق منهم عندها ، وتحرَّجوا من روايتها ، ولم يستطيعوا القطع برأي فيها ، منهم: ابن شاكر فإنه يقول: اتَّهمه بعضهم بالزندقة والانحلال ، والله أعلم.
واليافعي يقول: ذكروا عنه أشياء قبيحة في الدين والعرض أكره ذِكرها ، والله أعلم بذلك. ولكن فريقاً من المؤرخين رفضوها ، وجزموا بوضعها ، وأشار بعضهم إلى أنها أثر من اثار السياسة ، منهم ابن الأثير فإنه يقول: وقد نزه قوم الوليد بن يزيد مما قيل فيه ، وأنكروه ونفوه عنه ، وقالوا: إنه قيل عنه ، وأُلصِقَ به ، وليس بصحيح، والذهبي يقول: لم يصح عن الوليد كفر ولا زندقة ، وابن خلدون فإنه يقول: لقد سارت القالة فيه كثيراً ، وكثير من الناس نفوا ذلك عنه ، وقالوا: إنها من شناعات الأعداء ، ألصقوها به ، وابن تغري بردي؛ فإنه يقول: ذكر عنه بعض أهل التاريخ أُموراً أستبعد وُقُوعها ، وكرر السيوطي رأي الذهبي واقتصر عليه. وهذا هو الصحيح والله أعلم.
إن مقتل الوليد بن يزيد وقتال الأمويين بعضهم لبعض حطمت قواهم وعجلت بزوالهم.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com