أهم مبادئ المشروع العباسي والشرائح المستهدفة بالدعوة
من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):
الحلقة: 253
بقلم: د. علي محمد الصلابي
ذو القعدة 1442 ه/ يوليو 2021
لكل دعوة أو مذهب منظومة فكرية وشعارات خاصة تنادي بها وتجعلها رمزاً يؤمن بضرورة تحقيقه ، ومن أهم مبادأى وشعارات الدعوة العباسية التي رفعتها ونادت بها:
أ ـ الدعوة إلى الإصلاح:
ومن شعارات الدعوة العباسية: الإصلاح ، أو الدعوة إلى الكتاب والسنة ، وهو شعار عام وهو أشمل شعارات الدعوة العباسية ، والواقع أن أحداثاً كثيرة تركت في النفوس اثاراً مريرة ، مثل: حصار الكعبة وانتهاك حرمة المدينة المنورة يوم الحرة ، وسفك دماء أهل البيت ، وسياسة القهر والجبر واضطهاد المعارضة ، والابتعاد عن سيرة السلف الصالح ، وحب الترف واللهو ، وكثرة مظاهره ، وكثرة المذاهب وتصارعها ، وظهور أقوال كثيرة
غير مألوفة من قبل ، والاعتماد على العصبية في الحكم.
ويبدو أن جهود هؤلاء الدعاة والأئمة تضافرت لنشر هذه الدعوة ، ومصداق ذلك دراسة ما رواه صاحب الأخبار الطوال عن الذين انضووا تحت لواء أبي مسلم وبايعوه ، فقد جاءت الوفود من مدن خراسان كلها ، ومن القرى الصغرى ، ومن أهل الثغور من كرمان وكابل وخوارزم وجرجان والديلم وأهل ما وراء النهر وأهل طخارستان ، بل امن العرب بهذه الدعوة ، ودخلت فيها قبائل عربية مثل: خزاعة وطيأى وبكر وتغلب وتميم ، وبالطبع انتشرت الدعوة في العالم الإسلامي كله ، ولكنها تركزت في إيران بعامة وفي خراسان بخاصة.
ب ـ المساواة:
وتعني المساواة بين الشعوب ، وهو شعار ساهم في إنجاح الثورة العباسية ، وأنصف الشعوب التي أسلمت واندمجت في الحضارة الإسلامية وصارت تتطلع إلى المساواة ، وهذا الشعار في ذاته مبدأ إنساني جليل لا تزال الأجيال تتعلق به منذ القدم وتتخذه مثلاً أعلى ، وهو شعار له معنى خاص في ديننا ، وهو عدم التفرقة بين الناس بحسب ألوانهم أو دمائهم أو تاريخهم ، وبيان أن أكرم الناس عند الله أتقاهم ، وقد تستر خلف هذا المبدأ دعاة العباسيين وشنعوا به على بني أمية ، وزعموا أنهم انحرفوا عن هذا المبدأ الإسلامي الأصيل.
جـ الإمامة للرضا من ال محمد:
وهذا الشعار رضي عنه مجموعة كبيرة من الناس؛ سواء من الشيعة أو السنة ، وهو أن المبايعة للرضا من ال محمد صلى الله عليه وسلم بدون تعيين اسم ولا تعيين هل هو من البيت العباسي أم من الطالبيين ، وانتبه الشيعة متأخرين إلى أن العباسيين كانوا يخططون لأنفسهم ، ولكن بعد فوات الأوان. فهذه هي أهم المبادأى ، بالإضافة إلى العدل ، ومحاربة الظلم ، والانتصار لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واعتمد محمد بن علي أسلوباً جديداً في بث الدعوة ، فأوصى أتباعه بكتمان أمرهم ، وعدم كشف حقيقته لأحد إلا بعد أن يأخذوا عليه العهود والمواثيق المؤكدة، وحتى لا تثير تحركاتهم شكوك السلطة الأموية أوصى أتباعه أن يجوبوا المدن ، ويعملوا لدعوته بحجة التجارة ، وأن يستروا اسمه عن الجميع ، فلم يكن محمد بن علي طيلة المدة التي تولى بها رئاسة الدعوة يعرفه أحد بنسبه واسمه إلا الدعاة، وحتى هؤلاء فإن لقاءه بهم كان قليلاً ، وإذا ما استوجب الأمر أن يلتقي بأحدهم فإن ذلك يتم تحت إجراءات أمنية مشددة ، وغالباً ما يكون في وقت متأخر من الليل بعد أن يكون الجميع قد دخلوا منازلهم. وقد بالغ محمد بن علي في كتمان أمر الدعوة ، فأوصى أتباعه أن تكون البيعة لشخص مجهول ، وهي للرضا من ال محمد.
ويبدو أن هذا الغموض في المبادأى خدم السياسة العباسية في مدة الدعوة السرية ، وكان له أثر بالغ في نجاحها ، فشعار الرضا من ال محمد يضيق دائرة الخلاف فيحصرها في أهل البيت من قريش ، ويخرج الأمويين منها ويبطل حقهم فيها ، وفي الوقت نفسه يجعل للعباسيين نصيباً منها على أساس أنهم أحد فرعي أهل البيت ، ويتيح لهم كسب أعداد كبيرة من أنصار أهل البيت ومؤيديهم ، وهو من الناحية الأخرى يوقف النزاع بينهم وبين العلويين ولو مؤقتاً ويجمعهم تحت راية واحدة ، لذلك فقد تجنب العباسيون في هذه المدة كل ما يبين أنهم قاموا لأخذ محل العلويين ، فأظهروا أن غايتهم قلب الدولة الأموية ، وأخفوا سعيهم لأخذ الخلافة ، وحاولوا أن يبينوا للناس أن قضيتهم هي قضية جهاد الحق ضد الباطل.
إن الثورة العباسية شأنها شأن الثورات الكبرى في التاريخ ، تظهر بأشكال متعددة ، وتندفع في مجراها قوى متنوعة على الصعد الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، ولا شك أن الموالي كان لهم حضورهم ، إلا أنهم كانوا في صفوف الجنود والأتباع ، ولم يكونوا قادة إلا في استثناءات ، كانت الثورة العباسية هي ثورة اليمانية الكبرى ، كما كانت ثورة الشيعة العباسية والمرجئة والقدرية والخوارج ، وكان لكل من هذه القوى نصيب فيها ، وإن كانت العديد من هذه القوى قد تعرضت للتصفية على يد أبي مسلم نفسه فيما بعد ، ويقول أبو جعفر المنصور موجهاً كلامه لليمانية معترفاً لهم بدورهم المتميز في نجاح الثورة: فيحق لنا أن نعرف لهم حق نصرهم لنا ، وقيامهم بدعوتنا ، ونهوضهم بدولتنا... وقد تكون هذه الصورة التي تجعل من الثورة العباسية ثورة يمانية مبالغاً بها ، إذ إن القيسيين والمتذمرين من سياسة نصر بن سيار ومروان بن محمد انضموا كذلك إلى صفوف الثوار العباسيين ، وعملوا بدورهم على إسقاط الدولة الأموية.
باختصار كانت الثورة العباسية هي ثمرة حسن استغلال تراكم معارضات عدة بدأت مُنذ لحظة بدء هذه الثورة بواجهات متعددة ، ورفعت شعارات مختلفة ، حاولت فيها كسب كل المتذمرين ضد الحكم الأموي ، فانضم إليها الغلاة والمعتدلون ، المسلمون وغير المسلمين ، العرب وغير العرب. إن هذا التعقيد في الثورة العباسية هو سر نجاحها ، فالشعارات التي رفعتها كانت عامة غامضة ، لا تختلف ربما عن سواها ، إلا أن هذه المرة اكتسبت مضموناً مختلفاً عندما تبنتها قوى متعددة ، ورأت فيها مشروعها للخلاص ، وإنما على قاعدة تلك البنية التنظيمية التي صنعها أناس أكفاء استطاعوا الصمود رغم ما أحاط بهم من منوعات القمع ، حتى تحقق الانتصار الكبير.
وقد استهدفت الدعوة العباسية في رحلتها السرية أعداء الدولة الأموية ، والذين من أهمهم:
أ ـ المهالبة: الذين حاربتهم الدولة الأموية وتتبعتهم بعد مقتل يزيد بن المهلب ، والمهالبة يمنيون.
ب ـ الموالي: فقد كان هؤلاء يدفعون من الضرائب مقداراً كبيراً ، ولا يعاملون بالتساوي مع العرب ، وكان عليهم ضغط من كل جهة ، فكانوا أعداء الدولة بطبيعة الأمر.
جـ وكان بجانب هؤلاء عدو قوي للأمويين وهم الشيعة: فالشيعة العلوية كانت لا تزال تقوم بين حين واخر بثورات ، وكانت ثوراتها تخمد في كل مرة ، فتزداد الكراهية وتشتد العداوة.
فهذه من أهم الفئات التي استهدفتها الدعوة العباسية ، فقد كانت تشكل تربة خصبة لحشد الأتباع والمناوئين للدولة الأموية، فأي حركة منظمة تريد أن تسقط نظاماً ما لابد لها من معرفة أعداء ذلك النظام ، والعمل على حشد القوى ضده ، مع ضرورة إمساكها بخيوط الثورة بيدها ، فهذه بديهة من بديهات العمل السياسي المنظم.
كان على رأس الدعوة العباسية رجال من بني العباس ، (دهاة أقوياء) منظمون ، عارفون بمـا يقومون بـه: أولهم محمد بن علي وأقرباؤه وابنـه إبراهيم ، ثم تبعهم عـدد من إخوة إبراهيم ومن أعمامه وأقاربه ، وقد اشتركوا جميعاً في تنظيم الثورة ، ووضعوا خططها وأشرفوا عليها ، ووجَّهوها كما يجب أن توجه. نعم إنهم تحالفوا مع أعداء بني أمية جميعاً ، واستفادوا منهم كل الاستفادة ، لكنهم هم الموجهون وهم أصحاب الأمر ، أما الدعاة والقواد فإنهم يتلقون أوامرهم منهم فيتبعونهـا بحذافيرها ، نعم إنهم استفادوا من العناصر المعادية لبني أمية ، وكانت تلك العناصر يجمعها هدف واحد هو إزالة بني أمية ، و تجمعها فكرة واحدة ، وهي أن بني أمية أعداء الدين ، لذا وجب القضاء عليهم.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com