الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

منزلة العلماء ومكانتهم ..

مختارات من كتاب (فقه النصر والتمكين)

الحلقة: السابعة والأربعون.

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

 

جاءت الأحاديث النبوية في إرشاد الأمة إلى منزلة العلماء:

الدليل الأول: أن العلماء ورثة الأنبياء، وهم المفضلون بعد الأنبياء على سائر البشر:

عن أبي الدرداء (1) t قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، ولكنهم ورثوا العلم, فمن أخذه أخذ بحظ وافر» (2).

قال الإمام ابن رجب (3) - رحمه الله -: «يعني أنهم ورثوا ما جاء به الأنبياء من العلم، فهم خلفوا الأنبياء في أممهم بالدعوة إلى الله وإلى طاعته، والنهي عن معاصي الله والذود عن دين الله» (4).

الدليل الثاني: إن العلماء هم المبلغون عن الأنبياء:

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «تسمعون ويسمع منكم، ويسمع ممن يسمع منكم» (5).

فبين صلى الله عليه وسلم أن هذا العلم يؤخذ بالتلقي وكل جيل من أهل العلم يبلغه لمن بعدهم.

وهؤلاء المبلغون هم المستحقون لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم: «نضر الله عبدا سمع مقالتي، فحفظها ووعاها، وأداها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه».

ولقد جمع العلماء بين نقل أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى من بعدهم، وفقه تلك الأقوال وفهمها، فالعالم حامل فقه وفقيه.

الدليل الثالث: أن الله أراد بهم الخير:

عن ابن عباس ومعاوية رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» (6).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: (وكل أمة - قبل مبعث نبينا

محمد صلى الله عليه وسلم - فعلماؤها شرارها إلا المسلمين فإن علماءهم خيارهم) (7).

إن الأحاديث في مكانة العلماء كثيرة ونكتفي بهذا القدر، إن الذين يقودون الأمة بغير علم يفسدون أكثر مما يصلحون، وإن العلماء مثل الماء النافع حيثما سقطوا نفعوا، وليس للناس عوض ألبتة عن العلماء إلا أن يكون لهم عوض عن الشمس والعافية، ولا أقصد من كلامي هذا وإطنابي في مكانة العلماء ومنزلتهم في الشريعة أن نقدس ذواتهم وأشخاصهم، فنصبح كبني إسرائيل: " اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ" [التوبة: 31].

إن الطاعة عندنا، واعتبار العلماء في شرعنا ليس مقصودا لذاته، بل لما قام فيهم من العلم بالله والعلم عن الله عز وجل, وليس سؤال العامي إياهم سؤالا عن رأيهم الشخصي، ولا عن حكمهم الذاتي، بل سؤال عما يفهمون عن الله - عز وجل - عن رسوله صلى الله عليه وسلم.

ولابد أن ننبه إلى أمر عظيم ألا وهو أن بعض المنسوبين إلى الخير والصلاح اليوم يعتبرون للعلماء منزلة وطاعة في بعض جوانب الحياة، ويرون أن هناك جوانب أخرى ليس للعلماء فيها اعتبار، وإنما الاعتبار لغيرهم من المفكرين أو الساسة أو الدعاة أو قادة الجماعات أو غيرهم, وهذا أمر لا شك أنه غير صحيح، لأن العلماء يفهمون السياسة الشرعية، وأمور الجهاد، والهدنة والمصالح والمفاسد وغير ذلك من الأحكام التي تتناول مظاهر الحياة جميعا.

وعلى المختصين في جوانب الحياة من الكوادر الاقتصادية، والسياسية، والطبية، والعسكرية أن يبينوا واقع تخصصاتهم إلى العلماء الربانيين حتى يطبق العلماء الحكم الشرعي على الوقائع المتجددة.

وهناك ملاحظة مهمة، ألا وهي أن العلماء جاء اعتبارهم عن طريق الشرع فإنه لا يرفع هذا الاعتبار إلا الشرع, فإذا قارف العالم عملا أو قال قولا يخرم دينه، ويجعله غير أهل لإمامة الأمة، ولا يستحق أن يكون على رأس قيادتها فإنه يزال عنه اعتبار طاعته وأخذ قوله، وأما إذا كان رفع اعتبار هذا العالم جاء من جهة عدم رضا الناس برأيه أو عزله، أو حسد قرنائه له، فإن ذلك ليس هادما لاعتباره، وإلا لهدمنا اعتبار أئمة الهدى

- من أمثال: أحمد بن حنبل، وابن تيمية، وغيرهما رحمهم الله - الذين مروا بأحوال وأزمان لم يعتبر الناس لهم فيها رأيا حتى أيدهم الله بتأييده (8).

---------------------------------------

مراجع الحلقة السابعة والأربعون:

(1) هو الصحابي الجليل عويمر بن عامر الخزرجي الأنصاري، توفي عام 133هـ، الإصابة (3/46).

(2) رواه أبو داود، كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم (317/3) رقم 3641.

(3) هو عبد الرحمن بن أحمد بن رجب البغدادي ثم الدمشقي، توفي 795هـ، شذرات الذهب (6/339).

(4) شرح حديث: أبي الدرداء في طلب العلم، ص46.

(5) أبو داود، كتاب العلم، باب: فضل نشر العلم (3/322) رقم 3660.

(6) البخاري، كتاب فرض الخمس، باب: قول الله +فلله خمسه" (4/60) رقم 3116.

(7) رفع الملام عن الأئمة الأعلام (ص11).

(8) انظر: قواعد في التعامل مع العلماء، ص69.

 

يمكنكم تحميل فقه النصر والتمكين

من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي

http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/655


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022