كيف يُعرف العلماء؟
من كتاب (فقه النصر والتمكين)
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
الحلقة: السادسة والأربعون
إن العلماء يعرفون بعلمهم، فالعلم هو الميزة التي تميزهم عن غيرهم، فهم إن جهل الناس نطقوا بالعلم الموروث عن إمام المرسلين صلى الله عليه وسلم (ويعرفون برسوخ أقدامهم في مواطن الشبهة، حيث تزيغ الأفهام فلا يسلم إلا من آتاه الله العلم، أو من اتبع أهل العلم).
فالعلماء أطواد ثابتة، لأنهم أهل اليقين الراسخ الذي اكتسبوه بالعلم، يقول الإمام ابن قيم الجوزية - رحمه الله -: (إن الراسخ في العلم لو وردت عليه من الشبهة بعدد أمواج البحر ما أزالت يقينه، ولا قدحت فيه شكا، لأنه قد رسخ في العلم فلا تستفزه الشبهات، بل إذا وردت عليه ردها حرسُ العلم وجيشه مغلولة مغلوبة) (1).
إن العلماء يعرفون -أيضاً- بجهادهم، ودعوتهم إلى الله عز وجل, وبذلهم الأوقات، والجهود في سبيل الله.
ويعرفون بنسكهم وخشيتهم لله، لأنهم أعرف الناس بالله, يقول الله عز وجل: " إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ" [فاطر: 28].
وقال الإمام ابن تيمية رحمه الله: «ومن له في الأمة لسان صدق عام بحيث يثني عليه ويحمد في جماهير أجناس الأمة، فهؤلاء أئمة الهدى ومصابيح الدجى» (2).
وهذا حق، فالمسلمون شهداء الله في أرضه (3).
وعن أنس بن مالك t قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وجبت». ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا، فقال: «وجبت». فقال عمر بن الخطاب t: ما وجبت؟
قال: «هذا أثنيتم عليه خيرا، فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا، فوجبت له النار, أنتم شهداء الله في الأرض» (4).
ومما يعرف به العالم شهادة مشايخه له بالعلم، فقد دأب علماء المسلمين من سلف هذه الأمة ومن تبعهم بإحسان على توريث علومهم، الذين يتبوؤون من بعدهم منازلهم وتصبح لهم الريادة، والإمامة في الأمة، ولا يتصدر هؤلاء التلاميذ حتى يروا إقرار مشايخهم لهم بالعلم، وإذنهم لهم بالتصدر، والإفتاء والتدريس.
قال الإمام مالك - رحمه الله -: (لا ينبغي لرجل يرى نفسه أهلا لشيء حتى
يسأل من كان أعلم منه، وما أفتيت حتى سألت ربيعة (5) ويحيى بن سعيد (6)
فأمراني بذلك، ولو نهياني لانتهيت) (7).
وقال: (... ليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للتحديث والفتيا جلس، حتى يشاور فيه أهل الصلاح والفضل، وأهل الجهة من المسجد، فإن رأوه أهلا لذلك جلس, وما جلست حتى شهد لي سبعون شيخاً من أهل العلم أني موضع ذلك) (8).
هذه بعض الدلائل الدالة على علم العالم، أما المناصب ونحوها ليست الدليل على العلم.
---------------------------------------
مراجع الحلقة السادسة والأربعون:
() مفتاح دار السعادة (1/140).
(2) الفتاوى (11/43).
(3) انظر: قواعد في التعامل مع العلماء، د. اللويحق، ص26.
(4) البخاري، كتاب الجنائز، باب: ثناء الناس على الميت (2/132) رقم 1367.
(5) هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ الإمام المفتي، عالم الوقت مفتي المدينة المشهور بربيعة الرأي، كان من أهل الاجتهاد (ت 136هـ), سير أعلام النبلاء (6/89).
(6) هو الإمام يحيى بن سعيد أبو سعيد القطان توفي (198هـ), تهذيب التهذيب 11/16.
(7) صفة الفتوى والمستفتي لابن حمدان (7).
(8) ابن فرحون الديباج ص (21).
يمكنكم تحميل فقه النصر والتمكين
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي