السبت

1446-10-28

|

2025-4-26

في سيرة صلاح الدين الأيوبي:

من العوامل التي ساعدت الأيوبيين على حركة الإحياء السُّنِّي

الحلقة: التاسعة والثلاثون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ذو القعدة 1441 ه/ يونيو 2020

 

العوامل التي ساعدت على نجاح الأيوبيين في حركة الإحياء السني عوامل متعددةٌ ، منها: لم يكن المذهب الشيعي الإسماعيلي راسخ القدم ، وكان للمصريِّين تجاهه موقفان ، الأول: موقف الإعجاب بأصحاب هذا المذهب نتيجة ما بذلوه من جهود في الدَّعوة إلى مذهبهم ، كان من بينها: الإكثار في الاحتفالات ، والدَّعوات ، والولائم ، والسَّخاء في منح الهدايا ، والأعطيات ، ومظاهر الترف ، والبذخ؛ التي كانت تحيط بهم في شتَّى مناشط الحياة ، ومظاهر الأبهة ، والعظمة؛ التي كانوا يحرصون دائماً على الظهور بها. والموقف الثاني: موقف مَنْ قبل دعوتهم ، وانخراط في سلكها. ومعظم هؤلاء دخلوا في الدَّعوة إما طمعاً في المال ، أو الجاه والمنصب ، وإما خوفاً من التنكيل، والعقاب ، وكلا الفريقين لم يعتنق المذهب عن عقيدةٍ ، وإيمان.

وقد سلك الفاطميون طريق الترغيب ، والترهيب في الدَّعوة إلى مذهبهم ضمن ما سلكوا من الأساليب ، والوسائل: فيعقوب بن كلس لمَّا تولى الوزارة للعزيز رتَّب في داره العلماء ، وأجرى لجميعهم الأرزاق وألزم الفاطميون جميع الموظفين ـ بعد فترةٍ من استقرارهم في مصر ـ بأن يعتنقوا مذهب الدَّولة ، فأصبح الحفاظ على المنصب ، أو الترقِّي في سلكه يتطلَّب التظاهر باعتناق عقيدتهم ، ويلوح لنا: أنَّ الرغبة في الحصول على مناصب الدولة هي التي دفعت بفريق من السنيين إلى التحوُّل إلى المذهب الشيعي، أما مواقف الإرهاب التي اتبعها الفاطميون لفرض المذهب على الناس؛ فكثيرةٌ ، ففي عام 381هـ/991هـ ضُرِب رجل بمصر ، وطيف به في المدينة ، لأنَّه وجد عنده موطأ مالك ، واضطُهِد السنة في عهد الحاكم بأمر الله سنة 395هـ/1004م وألزموا بكتابة سبِّ الصحابة على دورهم ، فانصاعوا للأمر مكرهين ، وترتب على هذه الموجة من الاضطهاد في عهد الحاكم: أن الناس سارعوا إلى الدُّخول في الدعوة خوفاً ، فجلس لهم قاضي القضاة... فقدموا من سائر النواحي ، والضياع ، وازدحم الناس... فمات عدَّةٌ من الرجال والنساء. وفي عهد الظاهر كان نفوذ المالكية ما يزال قوياً ، فاضطر الخليفة إلى إخراج فقهائهم من مصر في عام 416هـ/1025م وأمر الدُّعاة أن يُحَفِّظوا الناس كتاب دعائم الإسلام في أصول العقيدة الإسماعيلية ، وغيره من كتبهم ، وجعل لمن يحفظ ذلك مالاً.

ومن هذا ، يتَّضح لنا: أنَّ هذا المذهب لم يقم على دعائم راسخةٍ في مصر ، ولذلك عندما جاء صلاح الدين ، وأنشأ المدارس السنية ، وفوض القضاء للشافعية ، ثم أتبع ذلك بإسقاط الخلافة الفاطمية؛ استعاد الشافعية ، والمالكية نفوذهم في مصر ، واختفى مذهب الشيعة الإسماعيلية ، والإمامية حتى فُقِد من أرض مصر كلِّها ، ولله الحمد والمنَّة! ولا يزال الشيعة الروافض يسعون لإيجاد موطىء قدم في مصر الحبيبة العزيزة إلا أنَّ حب المصريين الأبطال لدينهم العزيز ، وثباتهم المستميت على مرِّ العصور على ثوابته عن عقيدة سنيةٍ صحيحةٍ ، وفهمٍ سليم لكتاب الله ، ومحبَّةٍ صادقة لسنة رسول الله ، واقتداءٍ رشيدٍ بهدي الخلافة الراشدة جعلت محاولات الشيعة تضيع في مهبِّ الرياح. ولقد كانت المدارس السنية تعين الأمة على التمسُّك بالكتاب والسنة ، وتحذرها من البدع ، والابتداع ، وتذكِّرها بما ثبت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في النهي عن البدع ، والتحذير منها ، كتلك الايات المصرحة بإطاعة الله ورسوله قال تعالى: {قُلۡ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيۡكُم مَّا حُمِّلۡتُمۡۖ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهۡتَدُواْۚ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ ٥٤} [سورة النور: 54] ، وقوله تعالى: {فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٦٣} [النور: 63] .

ومما ساعد الأيوبيين على تحقيق أهدافهم:

ـ أيضاً ـ في مصر: أنها أصبحت في عهدهم منطقة جذب ، ونشاط لعلماء السنة على اختلاف مذاهبهم ، فأسهموا إسهاماً رائعاً في العودة بمصر إلى رحاب السنة ، وذلك عن طريق التدريس في المدارس التي أنشئت ، أو عن طريق الوعظ ، أو تأليف الكتب التي تنتصر للسنة ، وظلت هذه الجهود مستمرةً ، تلاحق الجيوب المتبقية للشيعة الإسماعيلية في مصر ، وكان معظم العلماء الذين شاركوا الأيوبيين في جهودهم على مستوى المسؤولية؛ التي أُلقيت على عاتقهم: علماً ، وخلقاً ، وديانة. كما كان للكثير منهم مشاركةٌ في الحياة السياسية الاجتماعية ، كالقاضي الفاضل ، والعماد الأصفهاني ، وبهاء الدين بن شدَّاد ، وشرف الدين بن أبي عصرون ، والعز بن عبد السلام ، بل كان لبعضهم مشاركةٌ فعالة في ميادين الحرب ، والجهاد ، كالفقيه: عيسى الهكاري. وكان كثير منهم على قدر كبير من الشجاعة في مواجهة الحكَّام ، والنصح لهم ، فكانوا نماذج رائعةً لعامة الناس ، ومن ثمَّ فإن تأثيرهم فيهم كان قوياً مؤثراً، كما أنَّ كثيراً من الأيوبيين كانوا علماء ، وأسهموا في التمكين للمذهب السني ـ وسيأتي بيان ذلك بالتفصيل بإذن الله تعالى.

 

يمكنكم تحميل كتاب صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس

من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022