الخميس

1446-11-03

|

2025-5-1

في سيرة صلاح الدين الأيوبي:
 البحرية الأيوبية:
الحلقة: الرابعة و الستون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ذو الحجة 1441 ه/ يوليو 2020


تغيَّرت استراتيجية صلاح الدين بعد انتقاله من الشَّام إلى مصر حين وجد في الأخيرة نقاط ضعف ، فشرع في تحصين مدنها ، وقلاعها ، وتنظيم الجيش لصدِّ احتمال هجمات عليها ، وركَّز صلاح الدين على بناء قواتٍ بحرية؛ لأنه أدرك: أنَّ قوة الفرنج في البحر ، وضعفهم في البر، وأنَّه لابد من بناء أسطولٍ حربيٍّ لمنع القوافل الفرنجية البحرية التي كانت تعزِّز الممالك الصليبية في ساحل الشام بالمؤن ، والسلاح ، والرِّجال ، كلَّما اشتد عليها الضغط البري. ومن أجل ذلك اكتشف صلاح الدين أنَّ بنية الدولة في مصر ضعيفةٌ ومخلَّعةٌ ، وكان لابدَّ له من إعادة تنظيم أمورها الإدارية ، والشرعية قبل المباشرة في مواجهة الفرنج. وهنا لابدَّ من الانتباه إلى مسألتين أقدم عليهما صلاح الدين إضافة إلى بناء أسطولٍ حربيٍّ ، وتحصين الأسوار ، والقلاع، وهما: خطورة اتصال خطوط التجارة ، والمواصلات بين البحرين المتوسط ، والأحمر ، واختلاف مصالح تجار مدن أوروبا المتوسطية عن طموحات أمراء الممالك اللاَّتينية في وسط أوروبا ، وغربها ، وشمالها ، فأقدم على توقيع اتفاقاتٍ تجارية معهم مقابل فك ارتباطهم مع ساحل الشام ، وفلسطين إلى البحر الأحمر ، واحتمال تهديد قوافل التجارة من الخلف إلى تعريض قوافل الحجَّاج المسلمين إلى الحجاز، فأمر بإرسال جيشه إلى اليمن لتأمين خطوط التِّجارة البحرية وقطع الطريق على أعمال القرصنة ، والاعتداءات ضدَّ قوافل الحجَّاج.
بوسع الباحث أن يلاحظ ثلاث مراحل مرَّت بها البحرية الأيوبية:
أ ـ مرحلة التمهيد: في هذه المرحلة ـ التي يمكن أن نطلق علهيا مرحلة الإعداد ، ووضع الأساس لقيام أسطول أيوبي في مصر ـ قام صلاح الدين بجملة إصلاحات ، فأعاد تنظيم الأسطول جاعلاً إياه ديواناً مستقلاً تحت إمرة أخيه، ومنحه السُّلطة لأخذ ما يحتاج إليه من المواد، وتجنيد كل الرِّجال الذين يحتاجهم، فصار للدولة الفتية أسطول استطاع الدِّفاع ـ بدعم من قوَّاته البرية ـ عن ثغور مصر اعتباراً من سنة 565هـ/1168 ـ 1169م واستمرَّ الأسطول ينمو نمواً مطرداً، فما إن حلَّ عام 575هـ/1179م إلا وتضاعفت عدَّته حتى: بلغت ستين شينياً، وعشرين طريدة، فسارت الشواني خاصَّةً، فدخلت البلاد الرومية، ودوخت السَّواحل الفرنجية، وأسرت ألف عِلْجٍ أحضرتهم أسرى في قيد الأسار، وقتلت الرفاق الكبار.
ب ـ مرحلة قوَّة الأسطول الأيوبي في مصر: تمتدُّ هذه المرحلة من سنة 575هـ/1180م وتنتهي مع بداية سنة 579هـ/1183م أي: دامت حوالي أربع سنوات ، استطاع الأسطول الأيوبي خلالها أن يقوم بجملة أعمال حربية هجومية ضدَّ الأسطول البحري الصليبي ، والردَّ على الأعمال العدواينة التي قام بها العدو بعد أن تضاعفت عدَّة الأسطول ، وقويت ، واستفرغت فيها عزائم الجهاد. وأول فعالية حربية قام بها الأسطول الأيوبي هي صدامه مع العدو في معركة بحرية في سنة 575هـ/1180م وأحراز النَّصر عليه ، واستطاع أن يظفر ببطسةٍ صليبية «مستصحباً فيها ألف رأس من السبي» ورافق هذا الانتصار البحري إحراز الجيش الأيوبي النصر في موقعه «بيت الأحزان» فعمَّ النصر ، وتساوى فيها البر، والبحر ولم يكن من قبيل الصُّدفة أن يحرز الجيش الأيوبي هذين الانتصارين في وقتٍ واحد؛ إذ أخذ صلاح الدين يتابع انتصاراته في سرعةٍ بحيث لم يستطع الصليبيون معها ملاحقته ، حتى إنَّه لم يكتف بالانتصار على العدوِّ ، وتدمير بيت الأحزان ، والإغارة على صور ، وصيدا ، وبيروت ، بل إنَّه أمر الأسطول بالخروج ثانيةً من ثغور مصر للهجوم على عكَّا «قسطنطينية الشام» حسب تعبير القاضي الفاضل ، واستطاع أسر مراكب صليبية عديدة ، فنزل عليها «تحطيماً ، وتكسيراً ، ونطاحاً» وهذا ممَّا لم يعهد من الأسطول الإسلامي مثله في سالف الدَّهر ، لا في حالة قوَّة إسلام ، ولا ضعف كفر.
ولعل الانتصار الأكبر ، والأكثر صدىً هو الذي أحرزه أسطول صلاح الدِّين في البحر الأحمر (بحرالقلزم) ففي شعبان 578هـ/خريف 1182م استغلَّ الأمير الصَّليبي المعروف «أرناط رينودي شاتيون» انشغال صلاح الدين بحصار الموصل ، فأعدَّ مشروعاً ضخماً ، وخطيراً ، قصد منه الوصول إلى أهدافٍ عديدةٍ ، منها:
ج ـ السيطرة على البحر الأحمر: باحتلاله أيلة على خليج العقبة ، وعيذاب على الساحل المصري الجنوبي الذي يشرف على هذا البحر ، وكذلك احتلال جدَّة ، ورابغ على ساحل الجزيرة العربية ، ثم احتلال عدن ، وبذلك تكونمياه هذا البحر تحت رحمة الصليبيين ، ويسيطرون عن طريقها على منافذ التجارة ، ثم يصلون إلى مياه المحيط الهندي.
د ـ محاولة قطع الصِّلة بين الحرمين: قلبي العالم الإسلامي ، وبين بقية أجزاء هذا العالم ، سواء في الاتصال البري ، أو البحري ، وهذه المحاولة قصد بها استفزاز مشاعر كافة المسلمين وبعث موجة من الذُّعر ، والرُّعب فيهم ، بل إنَّ الصليبيين عزموا على دخول المدينة المنورة ، وإخراج رفات الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم من ضريحه.
هـ  إقناع مملكة الحبشة المسيحية بالعمل: على المشاركة في الحروب الصَّليبية ، وقد استعدَّ أرناط لتنفيذ مشروعه البحري من كلِّ الجوانب، فأمر بقطع غابات المناطق الخاضعة له، وقطع نخيل منطقة العريش، فصنع هياكل سفن من أخشابها، وقام بتجربتها في مياه البحر الميت، كما عهد إلى صليبي عسقلان بصنع مراكب أخرى ، حتى صار لديه أسطول مكوَّن من خمس سفن حربية كبيرة ، وعدد كبير من المراكب المتوسطة، والصغيرة، قام رجاله بنقل أجزائها مفكَّكة إلى ساحل خليج العقبة على ظهر جمال مؤجَّرة يمتلكها بدو المنطقة بعد أن أغراهم بالمال ، ثم أحضر أرناط جيشاً برياً ، وسيَّره إلى بلاد تبوك للحيلولة دون وصول أيِّ مددٍ عسكريٍّ قد يطلبه نائب أيلة من الشَّام، أو مصر. 
واتَّخذ أرناط سبيله في البحر ، وتوجَّه نحو أيلة التي سقطت في يده بعد مقاومة قليلة ، إلا أنَّ قواته عجزت عن احتلال جزيرة القلعة «جزيرة فرعون» ومنع أهلها من الحصول على الماء «فنالوا شدةً شديدةً ، وضيقاً عظيماًـ على حدِّ قول ابن الأثير ـ بينما انطلقت بقية سفن الأسطول للإغارة على السَّاحل الإفريقي ، وأخذوا يغيرون على كلِّ ما صادفهم في طريقهم ، حتى وصلوا إلى عيذاب ، واستولوا فيها على سفن تجارية زاخرة بالسِّلع ، قدمت من اليمن ، والجهات الأخرى ، كالهند ، وعدن، وقد فزع المسلمون حين شاهدوا مراكب الصَّليبيين تجوب عباب البحر الأحمر؛ لأنهم لم يعهدوا بهذا البحر فرنجياً قطُّ لا تاجراً ، ولا محارباً.
وأحدث الصَّليبيون حوادث شنيعةً ، فأحرقوا نحو ستة عشر مركباً للمسلمين ، وأخذوا مركباً يحمل حجَّاجاً ، وأحرقوا مواد غذائية كانت معدَّة لميرة مكة ، والمدينة ، هذا فضلاً عن حوادث القتل ، والأسر ، والتنكيل؛ التي ارتكبوها في البرِّ ، والبحر ، ومن عيذاب توجه الصَّليبيون إلى ساحل البحر الأحمر الشرقي (أرض الحجاز) فأشعلوا الحرائق في السفن الراسية في «الحوراء ، وينبع» مينائي المدينة المنورة ، ثم توغَّلوا إلى الجنوب؛ حتى بلغوا «رابغ» من موانىء مكَّة ، وأغرقوا بالقرب منها سفينة كان يستقلُّها الحجَّاج، وتتَّجه نحو جدَّة.
وصلت هذه الأخبار في رسالةٍ بعث بها مستحفظ قلعة أيلة إلى صلاح الدين ،وكان نازلاً على الموصل ، فبعث السُّلطان إلى أخيه ، ونائبه على مصر الملك العادل أبي بكر ، يحثه على اتخاذ ما يلزم للردِّ على المعتدين بالسُّرعة الممكنة. ويبدو: أن الملك العادل استعدَّ لتلك المهمة قبل أن يصل طلب أخيه السُّلطان ، فأوعز إلى قائد الأسطول الحاجب حسام الدِّين لؤلؤ بالاستعداد للعملية العسكرية ، وعمَّر أسطولاً من السُّفن في مدينة مصر ، والإسكندرية ، ثم فكَّ أجزاءها ، وحملها على الجمال إلى ساحل خليج السويس ، فوصلت الأجزاء بصحبة محاربين مغاربة ، قاموا بتركيب تلك الأجزاء.
قسم الحاجب حسام الدين لؤلؤ سفن أسطوله إلى جماعتين ، فسارت الأولى إلى قلعة أيلة ، واستولت على مراكب العدو برمَّتها ، وقتلت أكثر من بها ، إلا أن قسماً منهم استطاعوا الهرب، والاختفاء في شعاب ، ووديان المنطقة ، فسلَّط عليهم الحاجب رجاله ، فعثروا عليهم ، وانقضُّوا عليهم انقضاض العقاب على صيدها. وأما الجماعة الثانية فوجَّهَهُم نحو عيذاب ، ولم يجدوا فيها أحداً منهم ، فقاموا بتعقب أسطول العدو ، فوجدوا قطعةً راسيةً قبالة الحوراء ، فنزلوا من المراكب ، وبدؤوا بمقاتلتهم ، ومطاردة الفارِّين منهم ، وألقوا القبض عليهم ، وبلغ عددد من تمَّ أسرهم (170) مئةً وسبعين أسيراً ، وحرَّروا الأسرى المسلمين ، ثمَّ استولوا على مراكبهم ، وما فيها من بضائع ،ثم عاد الحاجب بأسطوله المنتصر إلى مصر ، ومعه الأسرى وفي أرجلهم القيود ، وكان دخولهم الإسكندرية في 1 ذي الحجة 578هـ/1183م يوماً مشهوداً ، وصادف ذلك اليوم وصول الرحَّالة الشهير ابن جبير إلى هذه المدينة ، فشاهد مجتمعاً من الناس عظيماً لمعاينة الأسرى من الرُّوم أدخلوا البلد راكبين على الجمال ، ووجوههم إلى أذنابهم ، وحولهم الطبول ، والأبواق. وأمر الملك العادل: بضرب رقابهم ، وقطع أسبابهم ، بحيث لا يبقى منهم عين تطرف ، ولا أحد يخبر طريق ذلك البحر ، أو يعرف ، وتولى ذبحهم رجال الصوفية ، والفقهاء ، وأرباب الدِّيانة.
وكما جاء في رسالة القاضي الفاضل إلى الديوان الخليفي ببغداد: لم يكن في مقتل هؤلاء الكفار مراجعةٌ ، ولا للشرع في إبقائه فسحةٌ ، ولا في استبقاء واحدٍ منهم مصلحةٌ ، فليمض العزم في قتلهم؛ ليتناهى أمثالهم عن فعلهم، وقد كانت عظيمة ما طرق الإسلام بمثلها. وتصادف أن كان الموسم موسم الحج ، فساق المسلمون معهم البعض من الأسرى إلى منى، لذبحهم كما تنحر البدن ـ الذبائح ـ وصادر نجاح أسطول صلاح الدين في الردِّ على عملية الإنزال الصليبي تجربة قاسية للمغيرين ، وأسهم أكثر من أي حادث اخر في تعزيز شهرة صلاح الدين ، وتقوية مركزه بين كافة المسلمين ، وعزَّز أيضاً شهرة قائد أسطوله الحاجب حسام الدين لؤلؤ.
وأما مدبر الحملة الصليبية الأمير أرناط ، فقد استطاع الإفلات من الأسر ، والعودة إلى حصنه بالكرك ، كذئب كسيح يلعق جروحه ، ليواصل خططه ، ومشاريعه العدوانية ضدَّ المسلمين ، إلا أنَّ صلاح الدين أعلن بأنه لن يغفر له محاولته في انتهاك الحرمين ، ونذر نفسه للانتقام منه. ولم يستطع هذا الأمير الصليبي ، ولا غيره من القادة الصليبيين أن يعيد التجربة المريرة في البحر الأحمر؛ الذي ظلَّ بحراً إسلامياً. ولعلَّ اخر نشاط قامت به بحرية صلاح الدين في هذه الفترة خروجها في بداية سنة 579هـ/1183م إلى غياهب البحر المتوسط للبحث عن سفن صليبية ، فعثرت على بطسة عليها ثلاثمئة وخمسة وسبعون (375) مقاتلاً مع أسلحتهم وعليها أموال ، وأسلحة يسيرون بها إلى الساحل الشامي المحتل ، فقاتلهم المسلمون ، وصبر الفريقان ، ثم ظفر المسلمون ، فأخذوا أفراد البطسة الباقين أسرى ، وعادوا بهم ، وبالغنائم إلى مصر.
هـ  مرحلة ما بعد حطين إلى صلح الرَّملة 583هـ  588هـ: واصل جيش صلاح الدين انتصاراته بعد انتصار حطين الحاسم في جبهات القتال المختلفة، سواء في فتح ثغور ، وحصون شمالي الشام ، أو فلسطين ،ءُ وغور نهر الأردن؛ إلا أن نشاط الأسطول ظلَّ دون المستوى المطلوب في العمل العسكري ، وظلَّ دوره في التخفيف عن الأعباء القتالية الثقيلة الملقاة على عاتق الجيش البري في فتح المدن الساحلية محدوداً ، وهذا الوضع لم يكن ناجماً عن ضعف البحرية الأيوبية بقدر ما كان راجعاً إلى قوة البحرية الصَّليبية ، وكان صلاح الدين على علم بهذا الفرق ، فلم يشأ أن يشترك أسطوله مشاركةً جادة ، ولخشيته من هجوم قد يقوم به العدو على السَّاحل المصري إذا حشد كلَّ قواته البحرية في الساحل الشامي ، ولهذا نرى: أنَّ الجيش البري لم يقم بفتح القلاع ، والحصون الداخلية فقط، بل قام بفتح المدن البحريَّة كذلك ، كعكا، وبيروت ، وعسقلان ، واللاذقية ، وغيرها.
إلا أنَّ هذا لم يمنع اسطوله أن يضطلع ببعض المهام لمعاونة جيشه ، ففي صور ضاقت الحيل بجيش صلاح الدين ، وصار عليه أن يحارب في ثلاث جبهات: جبهة المدينة المحاصرة بسورها المتين ، وفي الجبهة الشَّمالية ، وكذلك الجنوبية المحيطة بالمدينة ، حيث تلقفهم الصَّليبيون بالرَّمي من سفنهم الراسية في جانبي الموضع؛ الذي يقال المسلمون منه أهل البلد ، فيرون المسلمين من جانبهم بالجروح ، فكانت سهامهم تنفذ من أحد الجانبين إلى الجانب الاخر لضيق الموضع، فكثر القتل ، والجراحات في المسلمين ، ولم يتمكَّنوا من الدنوِّ إلى البلد ، فما كان من صلاح الدين إلا وأرسل في إثر الشواني المصرية الراسية في مياه عكَّا التي تم فتحها حديثاً ، فوصلت هذه السفن في الوقت المناسب ، فاستطاع المسلمون الاقتراب من سور البلد ، فقاتلوه براً ، وبحراً، وضايقوه ، وكان من المتوقع أن تسقط هذه المدينة بعد هذا.
وفي ضوء هذه الاعتبارات صار للعمل الذي كلف به الأسطول أهمية خاصة ، وثقيلة ، فمن واجبه أن يحاصر الميناء، وأن يحول دون قدوم مساعدة بحرية للصَّليبيين إلى صور ، ولم يكن في استطاعة الحامية بسبب هذه الأحول أن تصمد طويلاً. إلا أنَّ المسلمين تماهلوا في واجبهم، والقيام بمهمة الحراسة للحيلولة دون اقتراب سفن الأسطول الصَّليبي من صور ، فأثناء ما كانت خمس قطع من الأسطول الأيوبي تقوم بالحراسة؛ ليمنعوا الصليبيين من الخروج من صور ، والدُّخول إليها تصوَّروا أنهم قد سيطروا على الوضع ، فأمن الحراس ، وناموا وقت السحر، فاستـغل رجال البحرية الصَّليبية الفرصة للإيقاع بهم: فقتلوا من أرادوا قتله ، وأخذوا الباقين بمراكبهم ، وأدخلوهـم إلى ميناء صور ، وأفراد جيش صلاح الدين في البر ينظرون إليهم.
كان قائد الأسطول الإسلامي هو عبد السَّلام المغربي؛ الذي يصفه ابن الأثير بالحذق في صناعته ، وشجاعته ، ومعه بدران الفارسي، وقد استطاع بعض رجال الأسطول الذين أسروا في شوانيهم أثناء نومهم رمي أنفسهم في البحر ، فمنهم من سبح ، ونجا ، ومنهم من غرق أما الشواني الخمس الباقية فقد طلب السُّلطان من متوليها أن يتَّجهوا بها نحو بيروت «لعدم انتفاعه بها لقلَّتها» فسارت ، لكن السفينة الصليبية تبعتها ، فما كان من البحارة والمقاتلين المسلمين فيها ، إلا وألقوا أنفسهم من شوانيهم إلى البر ، فنجوا بأنفسهم تاركين شوانيهم ، لكن صلاح الدين لم يدع هذه السفن تقع في أيدي الصليبيين ، فأوعز إلى جماعة من رجاله بالوصول إليها ، ونقبها ثم «عاد إلى مقاتلة صورفي البر». وكما هو متوقع فقد: اغتمَّ السلطان بسبب هذه النكبة ، وفرح الكفَّار بتلك الضربة.
و هكذا أخفق الأسطول الأيوبي في المشاركة في معارك إحدى المدن الساحلية؛ التي كانت بيد الصليبيين ، وكانت هذه العملية هي الوحيدة التي قام بها هذا الأسطول في هذا المجال ، ولم يكرِّرها في فتح المدن الأخرى ، ولكن يلاحظ: أن الأسطول عاد إلى نشاطه ثانيةً أمام الحصار الصليبي الطويل لمدينة عكا ، لإنجاح هذه المدينة ، وتزويدها بما تحتاج إليه من عتادٍ ، وذخيرةٍ ، ومقاتلين.
يمكنكم تحميل كتاب صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس
        من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022