الأحد

1446-03-26

|

2024-9-29

الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام، وبه تُنال العزة في الدنيا والآخرة، وهو من أفضل الأعمال وأجلِّ القربات، والصيام مصدرُ قوة روحية تدفع إلى العمل، وعبادة فرضها الخالق لكي تمدّ العبد المؤمن بالروح الفتية والعزم القوي، ولذلك ارتبط شهر رمضان بالجهاد، فلم يكن الصيام دافعاً للتقاعس والتثاقل، بل على العكس كان دافعاً لمضاعفة العمل والعبادة، فالتاريخ الإسلامي منذ أيامه الأولى وحتى يومنا هذا شاهدٌ على أن شهر رمضان كان شهر الفتوحات والانتصارات الحربية، ففي مواسم هذا الشهر الكريم تحققت انتصارات اسلامية رائعة كان أولها معركة بدر الخالدة – أولى المعارك والانتصارات الإسلامية -، مروراً بمعارك كثيرة أشهرها فتح مكة والأندلس، وحطين وعين جالوت، فكان هذا الشهر يحفل على مد العصور بكبريات الوقائع الحربية الحاسمة في تاريخ الإسلام. وبهذا نعلم مدى أهمية وارتباط شهر الصيام بالجهاد في سبيل الله، كيف لا!؟ ورمضان جهادٌ للنفس والبدن، والجهاد في سبيل الله أيضاً جهاد بالنفس والبدن والمال، فإذا ارتبطا معاً كان ذلك أقوى عزيمةً للمؤمن وأشد تثبيتاً، سيما أن الوجهة واحدة وهي ابتغاء رضوان الله تعالى. وقد أمر الله عز وجل بالجهاد وحث عليه، ورغب فيه حتى وصف من يبذل نفسه في سبيله بمن يبيع نفسه لله، ونعم البيع ذلك البيع، فقال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ َوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة:111). فشهر رمضان المبارك هو شهر الجهاد والقتوحات، ومن أشهر المعارك والفتوحات التي حدثت في رمضان: معركة بدر الكبرى وفتح مكة، وفتح الأندلس. غزوة بدر الكبرى في السنة الثانية من الهجرة: ففي السنة الثانية للهجرة خرج المسلمون بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعترضوا قافلة لقريش يقودها أبو سفيان، ولكن أبا سفيان غَيّرَ طريقه إلى الساحل واستنفر أهل مكة، فخرجوا لمحاربة المسلمين والتقى الجمعان في بدر في السابع عشر من رمضان سنة اثنتين للهجرة، فنصر الله رسوله والمؤمنين رغم قلة عددهم وعدتهم، وكانت تلك الغزوة فرقاناً بين الحق والباطل، تلك الغزوة التي جعلت للمسلمين كياناً مهاباً وجانباً مصوناً. فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة: ففي رمضان من السنة الثامنة للهجرة تحقق أكبر فتح للمسلمين، وهو فتح مكة، المعقل الأكبر للشرك حينها، كان رسول الله ﷺ قد عزم على فتح مكة، وفي اليوم العاشر من شهر رمضان في السنة الثامنة من الهجرة تحرّك عشرة آلاف صحابي تحت قيادة رسول الله ﷺ لفتح مكة، وخرجوا من المدينة وهم صائمون، ولم يلق المسلمون أية مقاومة أثناء دخولهم مكة سوى بعض المناوشات بين خالد بن الوليد وبعض رجال قريش، وقد هرب المشركون بعدها، فأمر النبي ﷺ أصحابه بألا يقاتلوا إلا من قاتلهم. وتمّ فتح مكة، وكان لهذا الفتح أثر كبير في تاريخ البشرية، فقد قضى على الأوثان والشرك في مكة تمامًا، وتسابقت القبائل العربية بعدها إلى الدخول في الإسلام. فتح الأندلس: في 28 رمضان عام 92 هجرية، كانت جيوش المسلمين بقيادة طارق بن زياد وموسى بن نصير تقرع أبواب أوروبا عن طريق الأندلس (إسبانيا والبرتغال حالياً)، فعبر طارق بجيشه المضيق الذي عرف باسمه -جبل طارق- ليلاقي جيوش القوط ويهزمها في معركة (وادي لكّة) والتي فتحت الباب أمام المسلمين لفتح شبه الجزيرة الأندلسية، حتى ظلت الأندلس عروس الأمة وبوابة ومعبراً لدخول الإسلام في عمق أوروبا. وفي رمضان سنة 31 هجرية كان فتح بلاد النوبة. وفي رمضان سنة 223 هجرية كان فتح عمورية. وفي رمضان سنة 658 هجرية كانت معركة عين جالوت في فلسطين. وفي رمضان سنة 702 هجرية كان فتح شقحب. وفي رمضان سنة 829 هجرية كان فتح قبرص في عهد المماليك. فهكذا كانت سيرة هذا الشهر في تاريخ الأمة، فكثير من الانتصارات والفتوحات التي كان لها أعظم الأثر في تاريخ الإسلام والمسلمين وقعت في هذا الشهر الكريم.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022