رمضان شهر الصفاء وتهذيب النفس
د. علي محمد الصلابي
لقد خص الله سبحانه وتعالى شهر رمضان بالصيام دون سائر الشهور وذلك لفضل هذا الشهر، فقال عز وجل مبيناً ذلك: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة – 185]، ثم قال تعالى في بيان حكمته وغايته: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة – 183].
وأن الصوم الصحيح السليم القويم يصون الإنسان ويقيه من الآفات والعلل والأمراض والزلل، والثمرة الثانية هي القوة والمناعة والحصانة النفسية والمعنوية، فإذا كان الصوم في ظاهره حرماناً وتقليلاً من المتع الدنيوية من الأكل والشرب وغيرهما، فإنه في حقيقته يكسب الجسم والنفس والروح قوة وسلامة لا مثيل لها، فيوفر الصيام للإنسان مصادر القوة وموانع المضرة إلى جانب الصحة والعافية ولا يقتصر على كونه مجرد طقوس وشعائر تعبدية، بل يعتبر رمضان مصدر تهذيب عميق للنفس بتربيتها على الصبر وكبح نار الشهوة وإخضاعها لإرادة العقل والقلب.وهذا ما يجعل رمضان مدرسةٌ تربوية نفسية أكثر نفعاً وتأثيراً من الأساليب والطرائق التي تتبعها كافة مذاهب ومدارس علم النفس الحديثة في تربية النفس وإيصالها إلى مرحلة الصفاء والسكينة.
وصوم رمضان مِن أركان الإسلام التي بُني عليها، قد فرَضه الله على المكلَّفين القادِرين على صومه بدون مشقَّة، تهذيبًا للنفوس، وتطهيرًا للأرواح، وتخليصًا للقلوب من الأدران والأمراض التي تُصيبها، وهو مع ذلك يُربِّي في الإنسان الصائم روح الفضائل من الأمانة والصبر والإخلاص في العمل، ومُراقبة الله في السرِّ والعلن، وهو أيضًا رياضة بدنية تُعطي الجسم صحة وقوة. وفي الصوم تحقيق لكل هذه المعاني السامية، فالحكمة في تشريعه تعود علينا بالنفع؛ لأن الله سبحانه غنيٌّ عن عباده، لا تنقصُه طاعتهم، ولا تضرُّه معصيتُهم؛ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر: 15].
إن سبيل الإصلاح والتغيير يبدأ بالنفس من أجل الرقي بها إلى أن تصبح نفساً مطمئنة، تجتهد في تحصيل محبة الله تعالى بالامتثال لأوامره وتجنب نواهيه، وهي ترجو مغفرته وتخشع له، خائفة مما أعده الله للذين يخالفون أمره.
والصيام في رمضان يساعد المسلم على تجاوز ضعفه البشري أمام هوى النفس ورغباتها، فيتعلم ضبط زمام الهوى، وكبح جماح النفس، فالنفس التقية قد تمسك عن بعض الحلال من باب تعويد النفس على الصبر وإلزامها على المتناع والتقليل من رغباتها، ويجدر بها أن تكون أبعد عن الحرام والشبهات لأمر ربها، لأن في ذلك صلاحها وتزكيتها، فمن آثار الصوم غرس التقوى في النفوس وتوجيهها إلى الله سبحانه، ولذلك اقترن ذكر الصيام بالتقوى في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة – 183]. وقال الإمام القرطبي في قوله تعالى: (لعلكم تتقون)، لعلكم تضعفون، فإنه كلما قل الأكل ضعفت الشهوة، وكلما ضعفت الشهوة قلت المعاصي.
إن فريضة الصوم من أعظم فرائض الدين وعبادته، فنحن لسنا بحاجة إلى صوم نجوع فيه ونعطش فقط، وإنما نحن بحاجة لصوم نهذب به أخلاقنا ونفوسنا، وبهذا نكون قد حققنا غاية ومقصد الصوم الذي فرضه الله علينا ودعانا إليه محمد ﷺ.