السؤال
احد الرجال تزوج على امرأة فمات بالمرض و تزوج لها رجل آخر فمات و الان شخص آخر يريد الزواج منها سوالي هل صحيح يكون الزواج او النكاح بإمرأة معينة سبب الوفاة؟ و هل قصة عاتكة بنت زيد رضي الله عنها يكون دليلا على وقوع الوفاة بسبب النكاح لإمرأة معينه و قول النبي عليه السلام الشؤم في ثلاث: في المرأة والبيت والدابة، فجزاكم الله خيرا
الجواب
الحمد لله.
أولا:
الثابت في السنة هو النهي عن التشاؤم - التطير - والتحذير منه، والإخبار بأنه شرك.
ومن ذلك ما رواه البخاري (5776) ومسلم (2224) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: ( لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ. قَالُوا: وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ).
وروى أحمد (4194) وأبو داود (3910) والترمذي (1614) وابن ماجه (3538) عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الطيرة شرك). وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وروى أحمد (7045) والطبراني عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من ردَّتْه الطيرة مِن حاجة: فقد أشرك)!! قالوا يا رسول الله: ما كفارة ذلك؟
قال: (أن يقول أحدهم: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك).
وحسنه الأرنؤوط في تحقيق المسند، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 6264 .
وروى الطبراني في الكبير عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منا من تَطيَّر ولا من تُطُيِّر له، أو تَكهَّن أو تُكهِّن له، أو تسحَّر أو تُسحر له). وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 5435
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم (14/ 218) : "والتطير : التشاؤم ، وأصله الشيء المكروه، من قول أو فعل أو مرئي، وكانوا يتطيرون بالسوانح والبوارح، فينفّرون الظِّباء والطيور؛ فإن أخذت ذات اليمين تبركوا به، ومضوا في سفرهم وحوائجهم، وان أخذت ذات الشمال، رجعوا عن سفرهم وحاجتهم وتشاءموا بها، فكانت تصدهم في كثير من الأوقات عن مصالحهم، فنفى الشرع ذلك، وأبطله ونهي عنه، وأخبر أنه ليس له تأثير بنفع ولا ضر، فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا طيرة". وفى حديث آخر: "الطيرة شرك"؛ أي: اعتقاد أنها تنفع أو تضر، إذا عملوا بمقتضاها، معتقدين تأثيرها، فهو شرك؛ لأنهم جعلوا لها أثرا في الفعل والإيجاد" انتهى.
وأما ما جاء في الشؤم بالمرأة، كحديث: ( إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ ، فَفِي المَرْأَةِ ، وَالفَرَسِ ، وَالمَسْكَنِ ) رواه البخاري (2859) ومسلم (2226) من حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ= فأكثر أهل العلم على أن هذا نفي للشؤم، لا إثبات له، وأن التشاؤم من فعل أهل الجاهلية، وأن أكثر تشاؤمهم كان بهذه الأشياء، أو أن من تشاءم وتطير بها، وقع عليه تشاؤمه، كما بينا في جواب السؤال رقم (285144)
وغاية ما فيه أن من تأذي من دار أو فرس أو امرأة، فليفارق ذلك، لئلا يقع في التطير والتشاؤم، ولئلا يُدخل على نفسه الحزن، مع قدرته على التخلص منها، كما روى أبوداود (3924) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي دَارٍ كَثِيرٌ فِيهَا عَدَدُنَا، وَكَثِيرٌ فِيهَا أَمْوَالُنَا، فَتَحَوَّلْنَا إِلَى دَارٍ أُخْرَى، فَقَلَّ فِيهَا عَدَدُنَا، وَقَلَّتْ فِيهَا أَمْوَالُنَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (ذَرُوهَا ذَمِيمَةً)، والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
قال الخطابي، رحمه الله: " قد يحتمل أن يكون إنما أمرهم بتركها والتحول عنها إبطالاً لما وقع في نفوسهم من أن المكروه إنما أصابهم بسبب الدار وسكناها فإذا تحولوا عنها انقطعت مادة ذلك الوهم وزال ما كان خامرهم من الشبهة فيها والله أعلم". انتهى، من "معالم السنن" (4/237).
وقال ابن عبد البر، رحمه الله: " هذا عندي، والله أعلم، قاله لقوم خشي عليهم التزام الطيرة، فأجابهم بهذا منكرا لقولهم؛ لما رأى من تشاؤمهم وتطيرهم بدارهم، وثبوت ذلك في أنفسهم، فخاف عليهم ما قيل في الطيرة: إنها تلزم من تطير.
وعساهم ممن سمع قوله صلى الله عليه وسلم: "لا طيرة"، وقوله: "ليس منا من تطير"، وقوله: "وإذا تطيرتم فامضوا، وعلى الله فتوكلوا"، وقوله: "ما منا إلا من- يعني: يتطير- ولكن الله يذهبه بالتوكل"، وقوله: "من ردته الطيرة عن مسيره، فقد قارف الشرك".
فلما اشتُهر هذا من سنته صلى الله عليه وسلم ثم أتته هذه المرأة فذكرت عن دارها ما ذكرت، أو أتى معها غيرها فذكروا نحو ذلك؛ أجابهم دأن يتركوها ذميمة، لأنه كان بالمؤمنين رؤوفا رحيما". انتهى، من "التمهيد" (15/384).
ثانيا:
لا يجوز اعتقاد أن هذه المرأة سبب في موت من يتزوج بها؛ لعدم الدليل على ذلك.
ولا يجوز إثبات شيء سببا في شيء إلا أن يثبت ذلك بالشرع أو بالعلم التجريبي كتأثير الأدوية مثلا، ومن اعتقد ما ليس سببا، سببا؛ فقد أشرك.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولبس الحلقة ونحوها إن اعتقد لابسها أنها مؤثرة بنفسها دون الله، فهو مشرك شركاً أكبر في توحيد الربوبية؛ لأنه اعتقد أن مع الله خالقاً غيره.
وإن اعتقد أنها سبب، ولكنه ليس مؤثراً بنفسه، فهو مشرك شركاً أصغر؛ لأنه لما اعتقد أن ما ليس بسببٍ سبباً فقد شارك الله تعالى في الحكم لهذا الشيء بأنه سبب، والله تعالى لم يجعله سبباً.
وطريق العلم بأن الشيء سبب، إما عن طريق الشرع، وذلك كالعسل فيه شفاء للناس [النحل: 69]، وكقراءة القرآن فيها شفاء للناس، قال الله تعالى: وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين [الإسراء: 82].
وإما عن طريق القدر، كما إذا جربنا هذا الشيء فوجدناه نافعاً في هذا الألم أو المرض، ولكن لا بد أن يكون أثره ظاهراً مباشراً، كما لو اكتوى بالنار فبرئ بذلك مثلاً، فهذا سبب ظاهر بيّن" انتهى من "القول المفيد شرح كتاب التوحيد" (1/ 165).
والآجال مقدرة قبل أن تخلق الخلائق، وكلٌ يموت بأجله، ولم يرد في الشرع أن الزواج من امرأة معينة يكون سببا للموت، وتكرر هذا مع امرأة لا يعني أنها سبب.
ثالثا:
عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل العدويّة، أخت سعيد بن زيد، أحد العشرة، رضي الله عنها وعنها، تزوجت من عبد الله بن أبي بكر الصديق، ثم من زيد بن الخطاب، ثم من عمر بن الخطاب، ثم من الزبير، رضي الله عنهم جميعا.
وينظر ترجمتها في: الإصابة في تمييز الصحابة (8/ 227).
وقد استشهد هؤلاء جميعا، رضي الله عنهم، وأي شؤم في هذا؟!
وقد قيل: إن عليا رضي الله عنه خطبها، فقالت: يا أمير المؤمنين، أنت بقية الناس وسيد المسلمين، وإني أنفس بك عن الموت. فلم يتزوجها!!
وينظر: "أسد الغابة" لابن الأثير (7/181)، "البداية والنهاية" لابن كثير (8/ 26).
ثم إن عليا استشهد رضي الله عنه، ولم يكن زوجا لها.
وعلم بهذا أنها آجال مقدرة، وأن زواجهم منها رضي الله عنها ليس سببا في الموت.
وعلي رضي الله عنه أراد الزواج منها، ولم يتشاءم بموت أربعة قبله.
والحاصل:
أن هذه المرأة المسئول عنها: من وقع في نفسه شيء منها، أو خشي أن يتطير ويتشاءم بها: فلا ينبغي أن يتزوج بها؛ لئلا يقع في محذور الطيرة، أو تضعف نفسه، وينفتح عليها أبواب الوساسو.
ومن قوي توكله، ولم يخش ذلك، فله أن يتزوج منها، ولن تأتيه منيّته إلا في الوقت المقدر، لا يستأخر عنه ساعة ولا يستقدم.
روى مسلم (2663) عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ، وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَدْ سَأَلْتِ اللهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ، وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ، لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ، أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ، وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ، أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ، كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ).
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن رُوح القدس نفث في رُوعي: أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها؛ فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنّ أحدَكم استبطاءُ الرزق أن يطلبه بمعصية الله فإن الله تعالى لا يُنال ما عنده إلا بطاعته).
رواه أبو نعيم في الحلية، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم: 2085
والله أعلم.
المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب