الجمعة

1446-04-15

|

2024-10-18

العدالة الإلهية والميزان يوم القيامة

مختارات من كتاب العدالة من المنظور الإسلامي

بقلم: د. علي محمد الصلابي

الحلقة (20)

 

قال تعالى: َ {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}. يخبر تعالى عن حكمه العدل وقضائه القسط بين عباده إذا جمعهم يوم القيامة، وأنه يضع لهم الموازين العادلة التي يبين فيها مثاقيل الذرة التي توزن به الحسنات والسيئات َ مسلمة {فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ} كافرة َ بأن تنقص من {شَيْئًا}، أو يُزاد من سيئاتها، وإن كان مثقال ذرة من خردل التي هي أصغر الأشياء وأحقرها من خير أو شر أتينا بها، وأحضرناها ليجازى بها صاحبها، كقوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}

يعني بذلك نفسه {وَيَقُولُون ياوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ً ïوَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}، فكفى بها حاسباً، أي: عالماً بأعمال العباد حافظاً لها، مثبتاً لها في الكتاب عالماً بمقاديرها، ومقادير ثوابها وعقابها واستحقاقها، موصلاً للعمال جزاءها.

18 ـ قال تعالى: َ {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}.

قال القرطبي: وسمي العدل ميزاناً؛ لأن الميزان الة الآنصاف والعدل، والإشارة إلى السماء ـ كباقي الإشارات القرآنية إلى مجالي هذا الكون ـ تقصد إلى تنبيه هذا القلب الغافل، وإنقاذه من بلادة الألفة، وإيقاظه لعظمة هذا الكون وتناسقه وجماله، وإلى قدرة اليد التي أبدعته وجلالها.

وإلى جوار هذه العظمة في رفع هذه السماء الهائلة الوسيلة «وضع الميزان» ميزان الحق وضعه ثابتاً راسخاً مستقراً، وضعه لتقدير القيم، قيم الأشخاص والأحداث والأشياء كي لا يختل تقويمها، ولا يضطرب وزنها، ولا تتبع الجهل والغرض والهوى، وضعه في الفطرة، ووضعه في هذا المنهج الإلهي؛ الذي جاءت به الرسالات، وتضمنه القرآن.

وضع الميزان َ فتغالوا وتفرطوا َ ومن ثم يستقر الوزن {أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ *وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}، بلا طغيان ولا خسران، ومن ثم يرتبط الحق في الأرض وفي حياة البشر، ببناء الكون ونظامه، يرتبط بالسماء في مدلولها المعنوي، حيث يتنزل منها وحي الله ونهجه ومدلولها المتطور؛ حيث تمثل ضخامة الكون وثباته بأمر الله وقدرته، ويلتقي هذان المدلولان في الحسن بإيقاعهما وظلالهما الموحية، قال القلعي: العدل ميزان الله في أرضه، وضعه للخلق ونصبه للحق، فمن خالف الله في ميزانه وعارضه في سلطانه فقد عرض دينه للخبال، ودولته للزوال، وعزه للذل، وكثرته للقل.

 

مراجع الحلقة:

- العدالة من منظور إسلامي، علي محمد الصلابي، دار المعرفة، بيروت، ص 63-66.

- تفسير السعدي ، ص: 608.

- الجامع لأحكام القرآن (16/17).

- في ظلال القرآن (6/3449).

- في ظلال القرآن (6/3450).

- تهذيب الرياسة وترتيب السياسة ، ص: 189.

-

لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:

كتاب الأنبياء الملوك في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي:

https://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/50


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022