الأحد

1446-10-29

|

2025-4-27

من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم: " وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا"

الحلقة الخامسة عشر

بقلم الدكتور: علي محمد الصلابي

جمادى الأولى ١٤٤١ ه/ يناير ٢٠٢٠م

هذه هي الآية الثانية من سورة الشمس والمحور الرئيسي لهذه السورة القصيرة يدور حول طبيعة النفس الإنسانية واستعداداتها الفطرية لكل من الخير والشر، لأن الله تعالى قد خلق الإنسان، وجعل له إرادة حرة يختار بها بين الإيمان والكفر، وبين الإصلاح في الأرض أو الإفساد فيها، وعلى أساس من اختياره يكون فلاحه في الدنيا والآخرة أو خيبته فيهما، وهذه هي مسؤولية الإنسان "صاحب الإرادة الحرة" عن نفسه في الدنيا، وعن مصيرها في الآخرة، فهو إما معتقها من العذاب أو موبقها فيه، وهي حقيقة يقسم عليها ربنا تبارك وتعالى ـ وهو الغني عن القسم ـ بثمان من آياته الكونية الكبرى في الآفاق والأنفس، فيقول عز من قائل :" وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا" (الشمس، آية : 1 ـ 8).
ويأتي جواب القسم:
" قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا" (الشمس، آية : 9 ـ 10).
وفي الصفحات السابقة ناقشنا الآية الأولى من هذه السورة المباركة ونبدأ على بركة الله لنبين الآية الثانية منها " وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا" لنبيين جانباً من جوانب القدرة الإلهية في إبداع خلق القمر وفي قيمة هذا التابع الصغير للأرض في إنارتها بمجرد غياب الشمس، والسبق القرآني بالإشارة إلى موالاة القمر للشمس في غروبه وشروقه.
يقول صاحب الظلال في تفسير " وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا" : إذا تلا الشمس بنوره اللطيف الشفيف الرائق الصافي .. وبين القمر والقلب البشري ود قديم موغل في السرائر والأعماق، غائر في شعاب الضمير بترقرق، ويستيقظ كلما التقى به القلب في أي حال، وللقمر همسات وإيحاءات للقلب، وسبحات وتسبيحات للخالق، يكاد يسمعها القلب الشاعر في نور القمر المناسب.. وإن القلب ليشعر أحياناً أنه يسبح في فيض النور الغامر في الليلة القمراء، ويغسل أدرانه، ويرتوي ويعانق هذا النور الحبيب.
وجاء ذكر القمر في القرآن الكريم سبعاً وعشرين مرة في ست وعشرين آية لتكرر ذكره مرتين في آية منها هي الآية رقم 37 من سورة فصلت، كما جاء ذكر القمر بالإشارة إلى مراحله تحت مسمى الأهلة مرة واحدة وهذه الآيات يمكن تصنيفها في ثماني مجموعات كما يلي:
أ ـ آيتان تصفان القمر في رؤيتين من رؤى اثنين من رسل الله أحدهما إبراهيم والآخر يوسف على نبينا وعليهما من الله السلام، وإحدى هاتين الرؤيتين كان في حال اليقظة والأخرى في حال المنام على النحو التالي:
"فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ" (الأنعام، آية : 77).
ـ "إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ" (يوسف، آية : 4).
ب ـ آيتان تصفان الشمس والقمر مرة بأنهما حسباناً أي وسيلة لحساب الزمن والأخرى بأنهما بحسبان أي يجريان بحساب دقيق مقدر معلوم على النحو التالي:
" فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ" (الأنعام، آية : 96).
ـ " الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ" (الرحمن، آية : 5).
ج ـ إحدى عشرة آية تتحدث عن خلق كل من الشمس والقمر وسجودهما لله تعالى وتسخيرهما بأمر الله سبحانه ليكون في خدمة خلق الله إلى أجل مسمى واعتبارهما آيتين من آيات الله، أو تنهى عن السجود لهما وتأمر بالسجود لخالقهما وحده وذلك على النحو التالي:
ـ "إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" (الأعراف، آية : 54).
ـ "اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ" (الرعد، آية : 2).
ـ " وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ" (إبراهيم، آية : 33).
ـ " وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ"(النحل، آية : 1).
ـ " وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" (الأنبياء، آية : 33).
ـ "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء" (الحج، آية : 18).
ـ " وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ" (العنكبوت، آية : 61).
ـ "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" (لقمان، آية : 29).
ـ "يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ" (فاطر، آية : 13).
ـ "خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ" (الزمر، آية : 5).
ـ " وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ" (فصلت، آية : 37).
د ـ آيتان تؤكدان طبيعة كل من الشمس والقمر وتفرق بينهما بأن الشمس ضياء أو سراج والقمر نور، وهو سبق علمي لم يدركه الإنسان إلا بعد تنزيل القرآن الكريم بقرون طويلة، وكثير من العلماء لا يدركونه وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى :" هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ" (يونس، آية : 5).
ـ " أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا" (نوح، آية : 15 ـ 16).
هـ ـ ثلاث آيات تتحدث عن منازل القمر وأطواره أي مراحله المتتالية، أو عن أحد هذه الأطوار، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى:
ـ " وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ" (يس، آية : 29).
ـ " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ" (البقرة، آية : 189).
و ـ آية واحدة تشير إلى دوران كل من الشمس والقمر في مدار محدد له وفيها يقول الحق تبارك اسمه: " اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ" (القمر، آية : 1).
ح ـ آيتان كريمتان يقسم فيهما ربنا تبارك وتعالى بالقمر وربنا غني عن القسم لعباده ولكن تعظيماً لشأن القمر جاء القسم به على النحو التالي:" كَلَّا وَالْقَمَرِ" (المدثر، آية: 32).
ـ " وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا" (الشمس، آية : 2).
ط ـ آيتان تتحدثان عن نهاية القمر في يوم القيامة يقول فيهما ربنا تبارك اسمه :" فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ" (القيامة، آية : 7 ـ 9).

المصادر والمراجع:
* القرآن الكريم
* علي محمد محمد الصلابي، المعجزة الخالدة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم براهين ساطعة وأدلة قاطعة، دار المعرفة، صفحة (65:61).
* زغلول النجار، من آيات الإعجاز العلمي السماء في القرآن الكريم، صفحة (454:449).


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022