السؤال
هناك العديد من الغربان والحمام حيث أعيش، وهي تُسقِط فضلاتها في كل مكان من منزلي، إلى الشوارع، والسيارات، والمسجد، وأي شيء في الخارج. من الصعب تجنبها خاصة خارج منطقة الوضوء في المسجد، حيث يمشي الجميع في الخارج بأقدام مبللة، وأخشى أن ينشروا النجاسات، عندما سألت الإمام عن ذلك، قال: إنها مَعفيٌّ عنها؛ لصعوبة تجنبها، وأنَّ فضلات الحمام معفيٌّ عنها أصلاً. هل صحيح أنها كذلك، وإلى أيِّ مدى؟ كيف يمكن التفريق بين فضلات الحمام والغربان؟ وماذا ينبغي أن أفترض عندما أرى فضلات؟
ملخص الجواب
ذرق الحمام طاهر، وذرق الغراب نجس، لكن يعفى عن قليله، وإذا كان كثيرا واختلط بذرق الحمام ولم يتميز، فإن ثوب المصلي وبدنه لا ينجس بما أصابه منه؛ لأنه لا يحكم بالنجاسة بالشك.
الجواب
الحمد لله.
أولا:
فضلات الطيور والحيوانات مأكولة اللحم، طاهرة، على الراجح.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/ 65): "وبول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر. وهذا مفهوم كلام الخرقي. وهو قول عطاء والنخعي والثوري ومالك. قال مالك: لا يرى أهل العلم أبوال ما أكل لحمه وشرب لبنه نجسا. ورخص في أبوال الغنم الزهري ويحيى الأنصاري.
وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة الصلاة في مرابض الغنم، إلا الشافعي، فإنه اشترط أن تكون سليمة من أبعارها وأبوالها.
ورخص في ذرق الطائر: أبو جعفر والحكم وحماد وأبو حنيفة.
وعن أحمد: أن ذلك نجس، وهو قول الشافعي وأبي ثور، ونحوه عن الحسن؛ لأنه داخل في عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - تنزهوا من البول. ولأنه رجيع، فكان نجسا كرجيع الآدمي.
ولنا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر العرنيين أن يشربوا من أبوال الإبل، والنجس لا يباح شربه، ولو أبيح للضرورة، لأمرهم بغسل أثره إذا أرادوا الصلاة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في مرابض الغنم . متفق عليه. وقال: صلوا في مرابض الغنم. متفق عليه.
وهو إجماع كما ذكر ابن المنذر.
وصلى أبو موسى في موضع فيه أبعار الغنم. فقيل له: لو تقدمت إلى هاهنا؟ فقال: هذا وذاك واحد.
ولم يكن للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ما يصلون عليه من الأوطئة والمصليات، وإنما كانوا يصلون على الأرض، ومرابض الغنم لا تخلو من أبعارها وأبوالها؛ فدل على أنهم كانوا يباشرونها في صلاتهم.
ولأنه متحلل معتاد من حيوان يؤكل لحمه، فكان طاهرا كاللبن، وذرق الطائر عند من سلّمه [أي عند من سلّم بأنه طاهر].
ولأنه لو كان نجسا، لتنجست الحبوب التي تدوسها البقر، فإنها لا تسلم من أبوالها، فيتنجس بعضها، ويختلط النجس بالطاهر، فيصير حكم الجميع حكم النجس" انتهى.
وفي "الموسوعة الفقهية" (21/ 211) : "ذرق الطيور، مما يؤكل لحمه كالحمام والعصافير: طاهر عند جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية وهو الظاهر عند الحنابلة)؛ وذلك لعموم البلوى به بسبب امتلاء الطرق والخانات بها؛ ولإجماع المسلمين على ترك الحمام في المساجد.
وعلى ذلك؛ فإن أصاب شيء منه بدن الإنسان، أو ثوبه، داخل الصلاة أو خارجها: لا تفسد صلاته، ولا ينجس ثوبه...
وقال الشافعية - وهو رواية عن أحمد - بنجاسة خرء الطيور، سواء أكان من مأكول اللحم أم من غيره؛ لأنه داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "تنزهوا من البول" ولأنه رجيع فكان نجسا كرجيع الآدمي. ومع ذلك فقد صرحوا بأنه يعفى عن ذرق الطيور المأكولة اللحم، سواء أكان قليلا أم كثيرا على الأصح عند الشافعية؛ لمشقة الاحتراز عنه، وفي رواية لا يعفى عن كثيره.
وفرق بعضهم بين الصلاة وغيرها، فقالوا بالعفو عنه في الصلاة مطلقا، وفي خارج الصلاة يعفى عن قليله ولا يعفى عن كثيره" انتهى.
وعلى هذا فذرق الحمام طاهر، ولا يضر لو سقط على المصلي، أو داسه بقدمه.
ثانيا:
أما ما لا يؤكل لحمه، كالغراب، فذرقه نجس، لكن يعفى عن القليل منه عند جمهور الفقهاء.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (21/ 211): "ذرق الطيور التي لا يؤكل لحمها:
جمهور الفقهاء على أن ذرق الطيور التي لا يؤكل لحمها، كالباز والشاهين والرخم والغراب والحدأة: نجس. وهذا قول المالكية والشافعية والحنابلة، وهو الأصح والمعتمد عند الحنفية؛ لأنه مما أحاله طبع الحيوان إلى نتن وفساد.
وفي رواية الكرخي: أنه طاهر عند أبي حنيفة وأبي يوسف، خلافا لمحمد.
واستدلوا لطهارته بأنه ليس لما ينفصل من الطيور نتنٌ وخبثُ رائحة، ولا ينحّى شيء من الطيور عن المساجد؛ فعرفنا أن خُرْءَ الجميع طاهر.
ولأنه لا فرق في الخُرْء بين ما يؤكل لحمه، وما لا يؤكل لحمه.
وعلى القول بنجاسته - كما ذهب إليه الجمهور - قال المالكية: يعفى عما أصاب منه الثوب أو البدن، مقدارُ ما يصعب ويشق الاحتراز عنه، بأن يكون مقدار الدرهم، أو أقل، في المساحة.
وقال الشافعية: يعفى عن قليله؛ لعموم البلوى، ولعسر الاحتراز عنه، ولا يعفى عن كثيره لندرته وعدم مشقة الاحتراز عنه.
وتعرف الكثرة والقلة عندهم بالعادة الغالبة، فما يغلب عادة التلطخ به، ويعسر الاحتراز عنه عادة قليل، وما زاد عليه كثير.
وقال الحنابلة: لا يعفى عن يسير شيء من النجاسات، إلا إذا كانت دما أو قيحا يسيرا مما لا يفحش في نظر الشخص...
وفي رواية عن أحمد أنه يعفى عن يسير القيء والمذي، وريق البغل والحمار وسباع البهائم وسباع الطير.
قال القاضي أبو يعلى: وكذلك الحكم في أبوالها وأرواثها؛ لأنه يشق التحرز عنه.
أما الحنفية فعلى الرواية بنجاسة الذرق، اعتبره أبو حنيفة وأبو يوسف من النجاسة الخفيفة، لأنها تذرق في الهواء، والتحامي عنه متعذر.
واعتبره محمد من النجاسة الغليظة؛ لأن التخفيف للضرورة ولا ضرورة هنا؛ لعدم مخالطة هذه الطيور للناس.
وعلى ذلك؛ فيعفى قدر ما دون ربع الثوب أو البدن، المصاب بذرق الطيور غير مأكولة اللحم، عند أبي حنيفة وأبي يوسف، ولا يعفى أكثر من قدر الدرهم عند محمد، بناء على أصل الحنفية من التفريق بين النجاسة الخفيفة والنجاسة الغليظة.
ويعرف قدر الدرهم عندهم في النجاسة المتجسدة بالوزن، وفي المائعة بالمساحة بأن تكون قدر مقعر الكف داخل مفاصل الأصابع" انتهى.
وعلى هذا؛ فذرق الغراب القليل معفو عنه عند الجمهور.
ثالثا:
إذا اختلط ذرق الطيور، ولم يعرف ما كان من حيوان مأكول، وما كان من غير مأكول، فإن كان ذلك قليلا، فهو معفو عنه.
وإن كان كثيرا، لم يضر أيضا؛ لأنه لا يحكم بالنجاسة بالشك، فالأصل طهارة ثوب الإنسان وبدنه، والذرق الذي أصابه مشكوك فيه، فلا يحكم بالنجاسة بالشك.
قال خليل المالكي في مختصره، ص18: "لا إن شك في نجاسة المصيب" انتهى.
قال المواق في "التاج والإكليل لمختصر خليل" (1/ 243): "(لا إن شك في نجاسة المصيب) الباجي: وإن أصاب ثوبه شيء لا يدري أطاهر هو أم نجس؛ فليس فيه نضح ولا غيره" انتهى.
وقال عليش في "منح الجليل" (1/ 74): "(لا) يجب النضح (إن) تحقق الإصابة، و (شك في نجاسة) الشيء (المصيب)؛ إذ الأصل طهارته، (أو) شك (فيهما)؛ أي الإصابة، ونجاسة المصيب، على فرض إصابته: فلا يجب النضح بالأولى؛ إذ الأصل عدمهما" انتهى.
والحاصل:
أن ذرق الحمام طاهر، وأن ذرق الغراب نجس، لكن يعفى عن قليله، وإذا كان كثيرا واختلط بذرق الحمام ولم يتميز، فإن ثوب المصلي وبدنه لا ينجس بما أصابه منه؛ لأنه لا يحكم بالنجاسة بالشك.
والله أعلم
المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب