الأربعاء

1446-09-19

|

2025-3-19

إن اسم "الله" هو الاسم الأعظم الذي تحمل حروفه عظمةَ الخالق، وجلال المُبدع، وجمال المُصور. هو الاسم الذي إذا ذُكر ارتعدت له السماوات والأرض، وخرَّت له الجبال سجدًا، وانكسرت أمامه قلوب العباد خضوعًا وخشوعًا، اسم يجمع كل صفات الكمال، ويرتفع فوق كل نقص أو عيب.

فما أعظمه من اسم! وما أروعه من ذكر! ذلك الاسم الذي لا يُسمى به غيره، والذي يحمل كل معاني العزة والجلال، والرحمة والكمال، وهو مفتاح كل خير، وسبب كل بركة، وملجأ كل خائف، وملاذ كل طالب.

فاسم الله هو الجامع لجميع معاني أسماء الله الحسنى، والمتضمن لسائر صفات الله تعالى، ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم العظيم، كقوله تعالى: ﴿ وَلِلهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الذِينَ يُلحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: 180].

ويقال: الرحمن، والرحيم، والقدوس، والسلام، والعزيز، والحكيم من أسماء الله ولا يقال: الله من أسماء الرحمن، ولا من أسماء العزيز ونحو ذلك، فعُلم أن اسمه (الله) مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى، دالٌ عليها بالإجمال.

قال الشيخ ابن سعدي -رحمه الله-: " الله: هو المألوه المعبود، ذو الألوهية، والعبودية على خلقه أجمعين، لما اتصف به من صفات الألوهية التي هي من صفات الكمال، وأخبر أنه الله الذي له جميع معاني الألوهية، وأنه هو المألوه المستحقّ لمعاني الألوهية كلها، التي توجب أن يكون المعبود وحده، المحمود وحده، المشكور وحده؛ المعظم المقدّس ذو الجلال والإكرام، واسم الله هو الجامع لجميع الأسماء الحسنى والصفات العُلا".

الله أعظم الأسماء:

قال الإمام الغزالي في (المقصد الأسنى): " (الله) هو اسم للموجود الحق الجامع لصفات الإلهيّة، المنعوت بنعوت الربوبيّة، المتفرّد بالوجود الحقيقي، فإٕن كل موجود سواه غير مستحقّ الوجود بذاته، وإنما استفاد الوجود منه.. فكل موجودٍ هالكٌ إلا وجهه، والأشبه أنه جارٍ في الدلالة على هذا المعنى مجرى أسماء الأعلام، وكل ما ذُكر في اشتقاقه وتعريفه تعسف وتكلّف.

وهو أعظم الأسماء، لدلالته على ما يجمع الصفات الإلهية كلها، وأنه لا يقال لغير الله تعالى"، ويقول أيضًا: " اعلم أن هذا الاسم (الله) أعظم أسماء الله في التسعة والتسعين؛ لأنه دال على الذات الجامعة للصفات الإلهية كلها، حتى لا يشذ منها شيء، وسائر الأسماء لا يدل آحادها إلا على آحاد المعاني من علم أو قدرة أو فعل أو غيره؛ ولأنه أخص الأسماء، إذ لا يطلقه أحدٌ على غيره، لا حقيقةً ولا مجازًا، وسائر الأسماء قد يُسمّى به غيره: كالقادر والعليم والرحيم.. وغيره، فلهذين الوجهين يُشبه أن يكون هذا الاسم أعظم هذه الأسماء" (المقصد الأسنى، الغزالي، م1ص61).

يقول الشيخ القرضاوي: " ولفظ الجلالة تكرر في القرآن (2697) مرة، وهذا يدل على أن القرآن جاء ليصل الناس بالله، يعرفهم بالله إذا جهلوا، ويذكّرهم به إذا نسوا، ويقوي صلتهم به إذا ضعفوا، ولا يوجد مثل هذا في كتاب من الكتب السماوية، فطالما طالعت في أسفار التوراة الخمسة الموجودة، فيما يسمى الكتاب المقدس، وطالعت العهد الجديد، فما وجدت ذكرًا لله بهذه الكثافة.

وفي القرآن تجد ذكر الله في كل بضع آيات من آياته، وهذا غير ذكره بأسمائه وصفاته وأفعاله، فالقرآن كله كتاب يهدي إلى الله، ويقوي علاقة الإنسان بربه، يريد منّا القرآن أن نكون مع الله دائمًا داعين مستغفرين، عابدين مستعينين، متضرعين طائعين، منيبين خاشعين" (أسماء الله الحسنى، القرضاوي، ص56 بتصرف).

لفظ الجلالة في كلمة الشهادة ومعنى التوحيد:

إذًا فاسم (الله) هو أعظم أسمائه جل وعلا، وأكثرُها تردُّدًا في القرآن والسنة.  و(الله) هو أكثرُ الأسماءِ اشتهارًا وترديدًا على ألسنةِ المخلوقين كلّهم بمختلف لغاتهم وألسنتهم. و(الله) اسمٌ للربِّ المعبودِ المحمودِ، الذي يمجِّدهُ الخلقُ، ويسبّحونه، ويحمَدونه، وتسبّحُ له السماواتُ السبع، والأرضونَ السبعُ، ومن فيهنّ، والليل والنهار، والإنس والجن، والبَرُّ والبحر، ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ [الإسراء :44] (لا إله إلا الله، الصلابي، ص13).

و(الله) هو الربُّ الذي تألَهُهُ القلوبُ، وتحنُّ إليه النفوسُ، وتتطلعُ إليه الأشواقُ، وتحِبُّ وتأنَسُ بذكرهِ وقربِهِ؛ وتشتاقُ إليه؛ وتفتقر إليه المخلوقاتُ كلُّها في كلِّ لحظةٍ وومضةٍ، وخطرةٍ وفكرةٍ، في أمورِها الخاصّةِ والعامّةِ، والكبيرةِ والصغيرةِ، والحاضرةِ والمستقبلةِ.

فهو مبديها ومعيدُها، ومُنْشِئُها وباريها، وهي تدينُ له سبحانه وتُقِرُّ، وتفتقِرُ إليه في كلِّ شؤونها وأمورِها، فما مِنْ مخلوق إلا ويشعرُ بأنَّ الله تعالى طوّقه مِنَنًا ونعمًا، وأفاضَ عليه من آلائه وكرمه وإفضاله وإنعامه بالشيء الكثير، فجديرٌ إذًا أنْ يتوجَّه قلبُ الإنسان إلى الله- تبارك وتعالى- بالحبِّ والتعظيم والحنين.

و(الله): عظيمٌ في ذاته، وصفاته، وأسمائه، وجلاله، ومجده، لا تحيطُ به العقولُ، ولا تدرِكُه الأفهام، ولا تَصِلُ إلى عظمته الظنون، فالعقولُ تحارُ في عظمته، وإن كانت تستطيع بما مُنِحَتْ من الطّوْقِ والقدرةِ على أن تدرِكَ جانبًا من هـذه العظمةِ، يمنحُها محبةَ اللهِ، والخوفَ منه، والرجاءَ فيه، والتعبُّدَ له، بكلِّ ما تستطيع " (مع الله، سلمان العودة، ص36).

فهو ﴿ اللهُ لَا إِلهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَىٰ﴾ [ طه: 8]، و﴿ هُوَ اللهُ الذِي لَا إِلهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ﴾ [الحشر: 22]، و﴿ هُوَ اللهُ الذِي لَا إِلهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلَامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [ الحشر: 23]، فالحمدلله الذي عرفنا بذاته وبأسمائه، وشرّفنا بمناجاته باسمه الأعظم، وأكرمنا إذ أمرنا بتكراره وترديده في تلاوتنا للقرآن، وفي صلاتنا وأذكارنا ودعائنا.

 

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022