الأحد

1446-12-19

|

2025-6-15

مفهوم البيعة في ضوء مبايعة أبي بكر الصديق (رضي الله عنه)

بقلم: د. علي محمد الصلابي

 

عرَّف العلماءُ البيعةَ بتعاريف عدةٍ، منها تعريف ابن خلدون: العهد على الطاعة لولي الأمر (ابن خلدون، ص 209)، وعرفها بعضهم بقوله: البيعة على التعاقد على الإسلام، وعُرِّفت كذلك بأنَّها أخذ العهد، والميثاق، والمعاقدة على إحياء ما أحياه الكتاب والسُّنَّة، وإقامة ما أقامه (الجزري، /252)، وكان المسلمون إذا بايعوا الأمير؛ جعلوا أيديهم في يده، تأكيداً للعهد والولاء، فأشبه ذلك الفعل البائع، والمشتري، فسمِّي هذا الفعل بيعة.

ونتعلَّم من مبايعة الأمَّة للصِّدِّيق بأنَّ الحاكم في الدَّولة الإسلاميَّة إذا وصل إلى الحكم عن طريق أهل الحل والعقد، بايعته الأمَّة بعد أن توفَّرت فيه الشروط المعتبرة، فيجب على المسلمين جميعاً مبايعته والاجتماع عليه، ونصرته على مَنْ يخرج عليه، حفاظاً على وحدة الأمَّة، وتماسك بنيانها أمام الأعداء في داخل الدَّولة الإسلامية، وخارجها (أبو عيد، 1996، ص 250).

قال (ﷺ): « من مات وليس في عنقه بيعةٌ؛ مات ميتةً جاهليةً »، فهذا الحديث فيه حثٌّ على وجوب إعطاء البيعة، والتوعُّد على تركها، فمن مات، ولم يبايع؛ عاش على الضلال، ومات على الضلال (مسلم، كتاب الإمارة، رقم: 1851).

وقال رسول الله (ﷺ): « ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه؛ فَلْيُطِعْه ما استطاع، فإن جاء اخر ينازعه؛ فاضربوا عنق الآخر » (مسلم، كتاب الإمارة، رقم: 1852) (أبو عيد، 1996، ص 250).

فالشارع الحكيم قد رتَّب القتل، وأمر به نتيجة الخروج على الإمام، ممّا يدلُّ على حرمة هذا الفعل؛ لأنَّه يطلب بيعةً أخرى بالبيعة الأولى؛ التي هي فرضٌ على المسلمين.

والذي يأخذ البيعة في حاضرة الدَّولة هو الخليفة، وأمّا في الأقاليم فقد يأخذها الإمام، وقد يأخذها نوّاب الإمام، كما حدث في بيعة الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ فبيعة أهل مكَّة، والطائف أخذها نوّاب الخليفة.

والذي تجب بيعتهم للإمام هم أهل الحلّ، والعقد، وأهل الاختيار من علماء الأمَّة وقادتها، وأهل الشورى، وأمراء الأمصار، وأمّا سائر الناس، وعامَّتهم، فيكفيهم دخولهم تحت بيعة هؤلاء، ولا يمنع العامَّة من البيعة بعد بيعة أهل الحلِّ، والعقد، وهناك من العلماء مَنْ قال: لابدَّ من البيعة العامَّة؛ لأنَّ الصِّدِّيق لم يباشر مهامه كخليفة للمسلمين إلا بعد البيعة العامَّة له من المسلمين (أبو عيد، 1996، ص 253).

والبيعة بهذا المعنى الخاصِّ الذي تم للصِّدِّيق لا تعطى إلا للإمام الأعظم في الدَّولة الإسلاميَّة، ولا تعطى لغيره من الأشخاص سواءٌ في ظلِّ الدولة الإسلاميَّة، أو عند فقدها، لما يترتب على هذه البيعة من أحكام (الشاوي، ص 439). وخلاصة القول: إنَّ البيعة بمعناها الخاصِّ هي إعطاء الولاء، والسَّمع والطاعة للخليفة مقابل الحكم بما أنزل الله تعالى، وأنَّها في جوهرها، وأصلها عقدٌ، وميثاقٌ بين طرفين: الإمام من جهةٍ، وهو الطرف الأوَّل، والأمَّة من جهةٍ ثانيةٍ، وهي الطَّرف الثاني، فالإمام يبايع على الحكم بالكتاب والسُّنَّة، والخضوع التامِّ للشريعة الإسلاميَّة عقيدةً، وشريعةً، ونظام حياةٍ، والأمَّة تبايع على الخضوع، والسَّمع، والطاعة للإمام في حدود الشَّريعة.

فالبيعة خصِّيصةٌ من خصائص نظام الحكم في الإسلام، تفرَّد به عن غيره من النُّظم الأخرى في القديم، والحديث، ومفهومه أنَّ الحاكم، والأمَّة كليهما مقيَّدٌ بما جاء به الإسلام من الأحكام الشرعيَّة، ولا يحقُّ لأحدهما سواءٌ كان الحاكم، أو الأمَّة ممثلةً بأهل الحلِّ والعقد الخروج على أحكام الشريعة، أو تشريع الأحكام التي تصادم الكتاب والسُّنَّة، أو القواعد العامَّة في الشريعة، ويعدُّ فعل مثل ذلك خروجاً على الإسلام، بل إعلان الحرب على النِّظام العامِّ

للدَّولة الإسلامية، بل أبعد من هذا نجد أنَّ القرآن الكريم نفى عنهم صفة الإيمان (أبو عيد، 1996، ص 254)، قال تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65] .

المراجع:

  1. ابن خلدون، المقدمة.
  2. الجزري، أبو السعادات المبارك بن محمد، جامع الأصول في أحاديث الرَّسول، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط، طبع مكتبة الحلواني، سورية عام 1392هـ.
  3. أبو عيد، عارف، (1996)، نظام الحكم في الإِسلام، دار النَّفائس، الأردن، الطَّبعة الأولى 1416هـ 1996م.
  4. الشاوي، توفيق، (1992)، فقه الشُّورى والاستشارة، د. توفيق الشَّاوي، دار الوفاء بالمنصورة، الطَّبعة الثانية 1412هـ 1992م.

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022