حوار مع الدكتور علي محمد الصلابي حول موسوعة قصص الأنبياء والمرسلين في القرآن الكريم التي صدرت مؤخرا
السؤال الأول: ما الهدف من تأليف هذه الموسوعة، وما رسالتها في ترسيخ الإيمان وفهم مشيئة الله؟
الجواب: بدأت فكرة الموسوعة خلال زيارة قمت بها إلى إيطاليا برفقة بعض الإخوان يوم 29/04/2015، بدعوة من منظمة سانت أجيديو (منظمة مجتمع مدني) تُعنى بالسلام. وجرى نقاش هناك حول "أهمية السلام في الحياة الإنسانية". حيث انتقل الحديث إلى سيدنا عيسى عليه السلام، فبيّنت للحضور – وكان بينهم سيدة إيطالية كاثوليكية مترجمة تتقن اللغة العربية تترجم الحديث بيني وبين القساوسة – أن القرآن الكريم هو المصدر الذي حفظ الحقيقة الكاملة لعيسى عليه السلام من حيث العقيدة والتاريخ والتساؤلات المتعلقة بعيسى والسيدة مريم عليهما السلام، وأن هناك سورًا بأسماء آل عمران ومريم والمائدة وغيرها تناولت قصته،،
حين قرأت لهم الآيات الكريمة من سورة مريم: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ إلى ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾، انفجرت المترجمة بالبكاء. فقلت في نفسي: سبحان الله، كم نحن مقصرون في بيان حقيقة هذا النبي الكريم!
ومن هنا شرح الله صدري لتأليف كتاب حول "عيسى ابن مريم عليه السلام"، جمعت فيه كل ما ورد عنه في القرآن الكريم، بأسلوب التفسير الموضوعي، وتناولت الشبهات حول عقيدته، وردود القرآن عليها، كقوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ...﴾ .. إلى أن صدر كتاب: "المسيح عيسى ابن مريم: الحقيقة الكاملة"، وانتشر بشكل واسع وتُرجم لعدة لغات، بل وأقيمت عليه ندوات أكاديمية في أوروبا، واعتبر البعض أن هناك سردية جديدة غير الموجودة في الثقافة الكاثوليكية،،
ومن سيدنا عيسى، اتجهت لكتابة سيرة أولي العزم، فبدأت بسيدنا نوح عليه السلام، ثم قصة سيدنا آدم، ووجدت أن القرآن يحفظ لنا الذاكرة الإنسانية الكبرى، ويعرض القدوات الكبرى التي يُحتذى بها.
كان الهدف من الموسوعة هو ربط الناس بالقرآن، وترسيخ التوحيد، وبيان عقلية الأنبياء ومنهجهم في مواجهة الباطل، وكذلك تقديم نماذج عملية للاقتداء بها، والإجابة عن الأسئلة الوجودية الكبرى في الحياة.
السؤال الثاني: كيف يمكن للقصص القرآني أن يقدم حلولًا واقعية لمواجهة تحديات الإنسان المعاصر؟
القصص القرآني مليء بالنماذج الواقعية التي تُلّهِم الإنسان في تعامله مع الابتلاءات والأزمات، فمثلاً قصة يوسف عليه السلام تقدّم نموذجًا في الصبر والعفة والتخطيط والتعامل مع الفتن والانتصار في النهاية، وهي ملهمة للشباب.. وقصة أيوب عليه السلام نموذج في الصبر الجميل والتوسل بأسماء الله الحسنى عند الكرب.. وقصة يونس عليه السلام قدوة في اللجوء إلى الله عند الشدائد.. وقصة إبراهيم عليه السلام نموذج في مواجهة عبّاد الأصنام والظواهر الطبيعية، وإقامة الحجة بالعقل والمنطق والوصول إلى الوجدان الإنساني.. وقصة موسى عليه السلام قدّمت نموذجًا في مقارعة الظلم، وإنقاذ المستضعفين، والصبر على الأذى، وعاقبة المجرمين والمفسدين،،
فجميع الأنبياء جسّدوا منظومة أخلاقية عظيمة، كما قال الله تعالى: ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾.
السؤال الثالث: ما دور السرد القرآني في تشكيل الهوية الدينية والأخلاقية في زمن التحولات الكبرى؟
الجواب: القرآن جمع هذه الأمة في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾، فهي أمة ممتدة من عهد آدم إلى محمد ﷺ، وأمة التوحيد والكرامة والعدالة، تقاوم الشذوذ والانحراف والإلحاد،،
السرد القرآني يصنع هوية أخلاقية موحدة قائمة على توحيد الله وإفراده بالعبادة وعمارة الأرض، ويواجه المدرسة الإبليسية التي تدعو إلى الإلحاد والظلم والشذوذ والكبائر والفواحش ما ظهر منها وما بطن والانحرافات العقائدية والسلوكية،،
وتظهر هذه الهوية في النماذج مثل: داود وسليمان كنموذج الحاكم الصالح، وزكريا كنموذج المنكسر أمام الله في الدعاء والرجاء، وهود في التوكل على الله سبحانه وتعالى، ويوسف عليه السلام في حسن الصلة بالله سبحانه وتعالى وتقديم الخير للناس الذين خالفوه في عقيدة التوحيد تقربا إلى الله سبحانه وتعالى.
السؤال الرابع: ما الأثر الذي تطمح أن تتركه الموسوعة في وعي القارئ وفهمه لرسالة الأنبياء؟
الجواب: أطمح إلى تقريب سير الأنبياء للناس بأسلوب عصري، وتنقية القصص القرآني من الروايات الضعيفة والخرافات، والرد على الشبهات، مع الاعتماد الكامل على القرآن والأحاديث الصحيحة، بما يرسّخ الفهم السليم لرسالة الأنبياء وتكون هذه الموسوعة أحد المصادر التي تعين الخطباء والدعاء والعلماء وطلاب العلم لأداء رسالتهم الدعوية، ولكي يستفيد منها عامة الناس.
السؤال الخامس: هل هناك قصة نبي لها وقع خاص في نفسك؟ وما سبب ذلك؟
الجواب: كل القصص لها وقع في نفسي، لكن تبقى قصة موسى عليه السلام هي الأبرز، لما فيها من مواجهة مع النظام الفرعوني الظالم، وكيف صبر على أذى قومه، وكيف ناضل لتحرير المستضعفين، قصة موسى تتكرر عبر التاريخ، وتُلهِم في مقاومة الطغيان.. أيضًا قصة إبراهيم عليه السلام مميزة؛ لأنه استخدم العقل والمنطق وخاطب الفطرة والوجدان في الانتصار للتوحيد، وتنقل في عدة دول ومراحل، وبنى بيت الله الحرام.. وكذلك قصة يوسف فيها من العفو والصفح والابتلاء والتمكين ما يُلهم الإنسان في حياته،،
وسائر القصص مثل أيوب، ويونس، وزكريا، ويحيى، وإسحاق، ويعقوب، وإسماعيل، كلها عظيمة، وهي منظومة إعجازية في العقيدة والأخلاق، والتاريخ، والتشريع، والحضارة.
حول إعداد الموسوعة ومراجعتها:
خلال العمل على الموسوعة كنت أستشير وأناقش العلماء والمشايخ مثل الشيخ علي القره داغي، والشيخ محمد الحسن الددو، والشيخ محسن عبد الحميد، والشيخ فضل مراد، والشيخ ونيس المبروك، والشيخ عبدالسلام المجيدي وغيرهم. وكنت أضع أسئلة مخصصة لكل نبي، ونناقشها مع العلماء وخصوصاً الشيخ محمد الحسن الددو فكانت الحوارات معه حول القصص القرآني هي الأعمق والأوسع وكنت أدوّن الفوائد والدروس والعبر والدرر التي يجريها الله على لسانه، وأراجع بعدها كتب التفسير القديم والحديث. وقد راجع بعض الكتب الشيخ علي القره داغي والشيخ فضل مراد، والشيخ عبد السلام المجيدي، والدكتور ياسين أقطاي، مما أغنى الموسوعة علميًا وفكريًا.
نسأل الله أن تكون لوجه خالصة ولعباده نافعة ويكتب لها القبول في الأرض وينتفع بها بني الإنسان حيث ما كان، فالقصص القرآن جزء من الذاكرة الإنسانية الممتدة في تاريخ البشر، وآخر دعوانا أن الحمدالله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المصدر: المكتب الإعلامي للاتحاد)