من كتاب الوسطية في القرآن الكريم
(علاقة الملائكة مع الله والإنسان والكون وعددهم)
الحلقة: التاسعة والعشرون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ربيع الأول 1442 ه/ نوفمبر 2020
أ ـ علاقتهم مع الله:
فهي علاقة العبودية الخالصة، والطاعة والامتثال، والخضوع المطلق لأوامره، عز وجل، لا ينتسبون إليه سبحانه إلا بهذه النسبة، فهم ليسوا الهة من دونه سبحانه، ولا ذرية له، ولا بنات كما قال المشركون من قبل. قال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَانُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ *لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ *يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ *}[الأنبياء:26- 28] وقال تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ *} [النحل: 50] ـ وقال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ *}[التحريم: 6].
فهم خلق من مخلوقات الله الكثيرة يطيعونه سبحانه، ولا يقدرون على شيء من تلقاء أنفسهم، وهم لا يستطيعون أن يقترحوا على الله شيئاً بفضل قوتهم، وهم منقطعون دائماً لعبادة الله وطاعة أمره. قال تعالى على لسان الملائكة: {ومَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ *وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّآفُّونَ *وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ *}[الصافات: 164 ـ 166].
وإذا كانت هذه حقيقة أمرهم، فقد انحرف عن الصراط المستقيم، ووقع في الشرك بالله من عبد، أو استعان بالملائكة، أو اعتقد: أن لهم من الأمر شيئاً!
قال تعالى: {وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلاَئِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ *}[ آل عمران: 80].
ب ـ علاقة الملائكة بالكون والإنسان:
دلَّ الكتاب والسنة على أصناف الملائكة، وأنها موكلة بأصناف المخلوقات، وأنه سبحانه وكَّل بالشمس والقمر ملائكة، وبالأفلاك ملائكة، وبالجبال ملائكة، وبالسحاب ملائكة، وبالمطر ملائكة، وبالرحم ملائكة تدبر أمر النطفة؛ حتى يتم خلقها، وبالموت ملائكة، ووكل بكل عبد ملائكة يحفظونه، ووكل بكل مخلوق، وبكل حوادث الكون وظواهره ملائكة.
وهذا لا ينافي ما يلاحظ في الكون من قوانين وأسباب يرتبط بعضها ببعض؛ لأن هذه القوانين والأسباب إنما هي مخلوقات من مخلوقات الله، والملائكة موكلة بها أيضاً، وموكلة برعايتها كما ترعى المخلوقات الأخرى، ولولا إرادة الله في حفظ هذه الأسباب والقوانين، ولولا قدرته في تسخير الملائكة للحفاظ عليها؛ فإن العقل لا يستلزم أبداً بقاءها على هذه الاماد الطويلة في انتظامها، وتناسقها.
وأما الإنسان؛ فيدخل بحياته الفطرية في تلك الرعاية التي وكل الله سبحانه الملائكة بها؛ لأنه مخلوق من مخلوقات الله في الكون، بل هو المخلوق الذي سخر الله له ما في الكون كله، قال تعالى:{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدىً وَلاَ كِتَابٍ مُنِيرٍ *}[لقمان:20].
وفوق هذا: فإن للملائكة أعمالاً أخرى في حياة الإنسان الإرادية هدفها ـ كما حدده الله لهم ـ هداية البشر، وإسعادهم، ومساعدتهم على عبادة الله، وعونهم على اختيار الهدى والصلاح، واجتناب الشر والفساد والضلال.
فهم الذين اختارهم رب العالمين لإيصال هُداه إلى أهل الأرض عن طريق رسله الكرام والملَك المختار لهذه المهمة هو جبريل، عليه السلام.
قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ *نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ *عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ *}[الشعراء: 192 ـ 194].
كما أخبرنا عز وجل: أنه سخَّرهم للدعاء للمؤمنين، والاستغفار لهم، فقال سبحانه: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ *رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *}[غافر: 7 ـ 9].
وهم يشجِّعون العبد على طاعة ربه، وعبادته، ويحثُّونه بالذكر والقران، ويحثونه على العلم والخير، ويحضرون صلاته وقراءته، وفي ذلك كله أحاديث صحيحة.
وهم أيضاً يثبِّتون العبد على العمل الصالح؛ وخاصة الجهاد في سبيل الله تعالى، كما قال تعالى:
{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلاَئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ *}[الأنفال:12].
ومن أعمالهم التي أخبرنا عنها رب العالمين مما له أثر عظيم في تقويم حياة العباد وحفظهم من المعصية والشر ما وكل إليهم من مراقبة أعمال العباد، وكتابتها بعد إحصائها. فقال سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ *إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ *مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ *}[ق: 16 ـ 18] وقال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ *كِرَامًا كَاتِبِينَ *}[الانفطار: 10 ـ 11] وقال تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ *}[الزخرف: 80].
وقد وجدت كلاماً نفيساً جامعاً لابن القيِّم: فيِّ كتابه: (إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان) عن علاقة الملائكة بالإنسان، فقال: (والملائكة الموكلة بالإنسان من حين كونه نطفة إلى آخر أمره لهم وله شأن اخر، فإنهم موكلون بتخليقه، ونقله من طور إلى طور، وتصويره، وحفظه في أطباق الظلمات الثلاث، وكتابة رزقه وعمله، وأجله وشقاوته، وسعادته وملازمته في جميع أحواله، وإحصاء أقواله، وأفعاله، وحفظه في حياته، وقبض روحه عند وفاته، وعرضها على خالقه وفاطره، وهم الموكلون بعذابه ونعيمه في البزرخ وبعد البعث، وهم الموكلون بعمل الات النعيم والعذاب، وهم المثبتون للعبد المؤمن بإذن الله، والمعلمون له ما ينفعه، والمقاتلون الذابون عنه، وهم أولياؤه في الدنيا والاخرة، وهم الذين يعدونه بالخير، ويدعونه إليه، وينهونه عن الشر، ويحذرونه منه، فهم أولياؤه وأنصاره، وحفظته ومعلموه وناصحوه، والداعون له، والمستغفرون له، وهم الذين يصلون عليه ما دام في طاعة ربه، ويصلون عليه ما دام يعلِّم الناس الخير، ويبشرونه بكرامة الله في منامه، وعند موته، ويوم بعثه، وهم الذين يزهِّدونه في الدنيا، ويرغِّبونه في الاخرة، وهم الذين يذكِّرونه إذا نسي، وينشِّطونه إذا كسل، ويثبِّتونه إذا جزع، وهم الذين يسعون في مصالح دنياه واخرته، فهم رسل الله في خلقه وأمره، وسفراؤه بينه وبين عباده، تتنزل بالأمر من عنده في أقطار العالم، وتصعد إليه بالأمر).
وكل الذي قاله ابن القيِّم ـ رحمه الله ـ استنبطه من كتاب الله، وما صح من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ج ـ عدد الملائكة:
وهم كثير لا يحصي عددهم إلا الله. قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلاَ يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ *}[المدثر: 31 ].
وهكذا منهج القرآن في بيان حقيقة الملائكة فيه ملامح الوسطيَّة بعيداً عن الغلو، والإفراط، والتفريط، والمطلوب من المؤمن أن يؤمن بالملائكة إيماناً تفصيليّاً وإجماليّاً، فيجب عليه الإيمان بالملائكة التي وردت أسماؤهم في الكتاب أو السنة بالتفصيل،ومن هؤلاء رؤساؤهم الثلاثة: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل.
وجبريل هو الملك الموكل بالوحي الذي به حياة القلوب والأرواح، وقد ورد ذكره هو، وميكائيل في القرآن الكريم، قال تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ *مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ *}[البقرة: 97 ـ 98].
وجبريل عليه السلام عَادَتْه اليهود ظلماً، وعدواناً، وانتكاساً، وبُعداً عن الصراط المستقيم، أما الفلاسفة؛ فأنكروا الملائكة جملة. وقد أثنى الله سبحانه عليه في القرآن أحسن الثناء ووصفه بأجمل الصفات، قال تعالى: {فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ *الْجَوَارِ الْكُنَّسِ *وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ *وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ *إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ *ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ *مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ *}[التكوير: 15 ـ 21] وقال تعالى في وصفه: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى *ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى *}[النجم: 5 ـ 6].
وأما ميكائيل؛ فهو الملك الموكل بالقَطْرِ الذي به حياة الأرض، والنبات، والحيوان. وأما إسرافيل؛ فهو الملك الموكل بالنفخ في الصور الذي به حياة الخلق بعد مماتهم. ومن الملائكة الذين ورد ذكرهم في القرآن مالك خازن النار، قال تعالى: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ *} [الزخرف: 77] فهؤلاء وغيرهم ممَّن ورد ذكر أسمائهم في أحاديث ثبتت صحتها يجب الإيمان بهم، وبما نيط بهم من الوظائف والأعمال، وأما الملائكة الذين لم يرد ذكرهم، فيجب أن نؤمن بهم بصورة إجمالية، ونؤمن بما ذكر من أصنافهم، وأفعالهم في القرآن والسنة، فنؤمن بالكرام الكاتبين الذين جعلهم الله علينا حافظين، كما قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ *كِرَامًا كَاتِبِينَ *يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ *}[الانفطار: 10 ـ 12].
كما قال تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11] وذكرت بعض كتب التفسير: أنهم اثنان عن اليمين وعن الشمال يكتبان الأعمال، صاحب اليمين يكتب الحسنات، وصاحب الشمال يكتب السيئات، وملكان اخران يحفظانه، ويحرسانه واحد من أمامه وواحد من ورائه، فهو بين أربعة ملائكة.
وروى الإمام مسلم عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة»، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: «وإياي، لكنَّ الله أعانني عليه، فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير».
ونؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين. قال تعالى: {قُلْ يَتَوفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ *} [السجدة: 11] ولم يصرح القرآن، ولا السنة النبويّة باسمه، وجاء في بعض الآثار تسميته بعزرائيل،فالله أعلم.
ونؤمن بحملة العرش الذين أخبر عنهم الله في القرآن، فقال سبحانه: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ *}[الحاقة: 17].
ونؤمن كذلك بالملائكة الموكلين بالنار، أعاذنا الله منها! وهم الزبانية، ومقدموهم تسعة عشر. قال تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ } [غافر: 49] وقال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم: 6] وقال تعالى: { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ *وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً } [المدثر: 30 ـ 31].
ونؤمن أيضاً بالملائكة الموكلين بالجنان الذين يهيئون الضيافة لساكنيها من ملابس، وماكل، ومشارب، ومصنوعات، وغير ذلك مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وإذا أردت أن تعرف ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الملائكة فيمكنك أن ترجع إلى صحيح البخاري.
وبذلك يكون القرآن الكريم قد رسم لنا منهج الوسطيَّة في إيماننا بالملائكة، وهذا يبعدنا عن الوقوع في الخرافات، والأوهام التي وقع فيها من لا يؤمنون بالغيب، ولا يتلقون معارفهم عن الوحي الإلهي.
وبهذا المعتقد يكون المسلم على منهج الاستقامة الذي أمر الله به، وعلى الصراط المستقيم، فإن من يستشعر بقلبه وجود الملائكة جنود الرحمن، ويؤمن برقابتهم لأعماله وأقواله، وشهادتهم على كل ما يصدر عنه يستحيي من الله، ومن جنوده، فلا يخالفه، ولا يعصيه، لا في العلانية، ولا في السرِّ؛ إذ كيف له ذلك وهو يعلم: أن كل شيء محسوب، ومكتوب، ومشهود عليه.
وإيمانه بالملائكة الكرام يكسبه الصبر على مواصلة الجهاد في سبيل الله وعدم اليأس، والشعور بالأنس والطمأنينة التي هي من لوازم الإيمان بالملائكة، وما أخبر الله من أفعالها، وأحوالها، وبهذا يتضح لنا: أنَّ من نِعَم الله علينا خلقه الملائكة، وإخباره لنا عمَّا ينفعنا في معتقدنا في هذه المخلوقات الطائعة العابدة لله عز وجل.
وأسأل الله تعالى أن تكون صورة الاعتقاد في الملائكة قد اتَّضحت ملامحها من استقامة على الطريق، وسلامة في التصور، وعمق في المنهج، وحكمة في خلقها، واعتدال في وضعها، وعدل في حقيقتها بعيدة عن الغلو، والإفراط، والتفريط، والإنكار.
يمكنكم يمكنكم تحميل كتاب :الوسطية في القرآن الكريم
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/29.pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com