البلد الأمين (1)
الحلقة 130 من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
تاريخ النشر: شعبان 1443 هــ / مارس 2022
البيت الأول.. الأخير:
يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ [آل عمران: 96-97].
إن الله يخلق ما يشاء ويختار، وقد اختار هذا البلد الأمين ليكون مثابة للناس وأمنًا، وأن يكون فيه بيته الذي اختاره على الأرض كلها، فهو أطهر البقاع وأحبها إليه عز وجل، وأذن الله تعالى أن يحجه الناس ويعتمروه ويصلوا إليه، وأن يكون هو محل الرسالة الأخيرة الخاتمة، وقد حجه الرسل والأنبياء، وطافوا به وسعوا ولبوا لله الواحد القهار.
هذا المكان الطيب الذي اختاره الله تعالى من فوق سبع سماوات، وهذه البقعة الطاهرة والبيت العتيق والمكان الآمن هو محضن بقية النبوات.
يقسم الله جل وعز بالتين والزيتون، وطور سينين، وهذا البلد الأمين، فتلحظ أن القسم بدأ بالتين والزيتون، وهي مواقع ومنابت أشجار التين والزيتون في أرض الشام وفلسطين حيث نبوة إبراهيم وإسحاق ويعقوب وعيسى عليهم السلام، ثم بطور سينين، وهو الجبل الذي كانت فيه نبوة موسى عليه الصلاة والسلام، ثم يقسم بهذا البلد الأمين حيث تنطلق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فيأتي القسم أوضح ما يكون مشفوعًا بالإشارة: ﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ [التين: 3] الذي تراه بعينك وتحسه كما في قوله تعالى: ﴿وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ [البلد: 2] .
فأنت حال به مقيم، تراه بعينك وتحسه من حولك، ثم هو معروف، فهو البلد والأرض الحرام التي خصها الله تعالى وسماها، وأذن بأن تكون كالشامة في الأرض، فهي مركز الكرة الأرضية، ومنطلق الرسالة.
وفي «الصحيح» أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الإِسْلاَمَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، وَهُوَ يَأْرِزُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ فِي جُحْرِهَا»( ) يعني: يعود إليهما.
إذًا: مسجدا مكة والمدينة منطلق الإسلام وموئله في آخر الزمان.
وهذا البلد هو البلد الأمين، فالأمن صفة لهذا البلد، فهو البلد الذي أذن الله تعالى بحفظه، حتى حينما تكون الأرض من حوله مليئة بالمخاوف فإن هذا البلد يظل أكثر أمنًا من غيره، وفي الجاهلية كان الرجل يرى في الحرم قاتل أبيه فلا يخيفه ولا يفزعه، وظل البيت بحفظ الله عز وجل مثابة للناس وأمنًا.
هذا البيت قد بين الله تعالى مكانه ومقامه، وأنه فيه مقام إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وهذا المقام قد يكون الحجر الذي ترى فيه آثار إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أشار إليه أبو طالب حين يقول:
وَمَوطِئِ إِبراهيمَ في الصَخرِ رَطبَة *** عَلى قَدَمَيهِ حافِيًا غَيرَ ناعِلِ
وقد يكون الحرم كله مقام إبراهيم، ولا مانع من إرادة المعنيين معًا.
أذن ربنا جل وعز أن يكون هذا البلد آخر ما يفتح للنبي صلى الله عليه وسلم، فيفتح البلد الأمين، ويعود إلى الرحاب الطاهرة، وتزول أحكام الجاهلية ومظاهر الشرك والتخلف التي كانت تمارس في هذا البيت العتيق، زالت هذه المظاهر فلا يعبد إلا الله عز وجل، وانطمست كل آثار الجاهلية، فلا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى.
رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
http://alsallabi.com/books/view/506
كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي