الخميس

1446-10-19

|

2025-4-17

(في تعريفات السلطة التنفيذية)

الحلقة: 2

بقلم: د. علي محمد الصلابي

ربيع الآخر 1443 ه/ نوفبر 2021

يقول ابن خلدون: إن الإجماع الإنساني ضروري، ويعبر الحكماء عن هذا بقولهم: الإنسان مدني بالطبع، أي: لابد له من الاجتماع... ثم إن هذا الاجتماع إذا حصل للبشر كما قررناه، وتم عمران العالم بهم، فلا بد من وازع يدفع بعضهم لما في طباعهم الحيوانية من العدوان والظلم.. ثم بين ذلك الوازع أنه: واحد منهم يكون له عليهم الغلبة والسلطان واليد القاهرة؛ حتى لا يصل أحد إلى غيره بعدوان، وهذا هو معنى الملك.
وهكذا يبين ابن خلدون أهمية السلطة في حياة البشر، وأن أمور الناس لا تستقيم إلا بوجودها.
1 ـ السلطة في اللغة:
وردت مادة هذه اللفظة في القرآن الكريم على صيغة الفعل والسلطان لعدة معان:
_خ منها: القهر والغلبة، قال تعالى:َ {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ} [النساء:90].
وقال تعالى: َ {وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ}[الحشر: 6] .
_خ ومنها: الحجة والبرهان كقوله تعالى: َ {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ *}[هود 96:] .
وقال الدامغاني: وكل سلطان في القرآن في أمر موسى أراد به حجة موسى.
وقال الراغب الأصفهاني: سمى الحجة سلطاناً وذلك لما يلحق من الهجوم على القلوب، لكن أكثر تسلطه على أهل العلم والحكمة من المؤمنين، قال تعالى: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ}
[ غافر:35]، وقال تعالى: {فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ *}[ إبراهيم:10] .
ومنها: المِلك ـ بكسر الميم ـ كما قال تعالى:َ {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [إبراهيم :22] .
يعني: من ملك فأقهركم على الشرك.
والسلطان: الوالي.
وبالنظر في المعاني الواردة لكلمة «السلطة والسلطان» نجد أنها على معنى القوة، والقهر، والغلبة، والحجة، والقدرة، والتمكين.
ومن هذه المعاني أخذ المعنى الاصطلاحي، إذ أن صاحب السلطة تكون لديه المكنة على حمل الغير حسب ما يراه بمقتضى القوة الممنوحة له من لدن مانح هذه السلطة على من سلط عليهم.
2 ـ السلطة في المفهوم الإسلامي:
الشعب هو الذي يختار الحاكم، وهو مفوض من قبله بتنفيذ أوامر الله تعالى، فالسلطة الإسلامية ليست سلطة «ثيوقراطية»، وهي التي تجعل الحاكم يستمد سلطته من الإله، ويضفي عليه التقديس والتفوق على البشر؛ بحيث لا يعارض حكمه ولو استبد بالأمر، بل الحاكم المختار مقيد بالكتاب والسنة، ومن حق المواطنين النقد والمعارضة والنصيحة. روى ابن إسحاق في خطبة أبي بكر رضي الله عنه حين ولي الخلافة أنه قال: «أما بعد.. أيها الناس فإني وليتُ عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنتُ فأعينوني، وإن أسأتُ فقوموني.. أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم».
3ـ التنفيذ لغة:
مأخوذ من مادة «نفذ»، وبابه «دخل»، ويأتي نفذ لمعان كثيرة متقاربة، منها: الجواز، تقول: نفذت، أي: جزت، ونفذ، ينفذ، نفاذاً ونفوذاً، وفي حديث عمر بن الخطاب أنه طاف بالبيت مع فلان، فلما انتهى إلى الركن الغربي الذي يلي الحجر الأسود قال له: ألا تستلم؟ فقال له: انفذ عنك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستلمه، أي: دعه يتجاوزه.
يقال: سر عنك وانفُذ عنك، أي: امضِ عن مكانك وجُزه.
ووردت مادة «نفذ» في الكتاب بمعنى الجواز والخلوص والهروب كما في قوله تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لاَ تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ *} [الرحمن: 33] .
قال الشوكاني: أي: إن قدرتم أن تخرجوا من جوانب السموات والأرض ونواحيها هرباً من قضاء الله وقدره َ {فَانْفُذُوا}، وخلصوا أنفسكم، يقال: نفذ الشيء من الشيء؛ إذا خلص منه كما يخلص السهم.
ـ ومنها: الإمضاء: تقول: انفذ بكذا، أي امض به، وفي حديث بر الوالدين: «الاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما» أي: إمضاء وصيتهما، وما عهدا به قبل موتهما.
ـ ومنها: مخالطة الشيء لجوف شيء اخر، وخروج بعضه عنه.
يقال: نفذ السهم الرمية، ونفذ فيها ينفذها نفذاً ونفاذاً: خالط جوفها، ثم خرج طرفه من الشق الاخر وسائره فيه.
ـ ومنها: الجريان إلى الشيء، قال في اللسان: ونفوذ الشيء إلى الشيء نحو في المعنى من جريانه نحوه.
ـ ومنها: أنفذه بمعنى قضاه.
ـ ومنها: المخرج والمخلص، وهو النفذ بالتحريك، ويقال لمنفذ الجراحة: نفذ.
ـ ومنها: الخرق والمشي في وسط القوم.
يقال: أنفذت القوم؛ إذا خرقتهم، ومشيت في وسطهم، فإن جزتهم حتى تخلفهم قلت: نفذتهم بلا ألف، وقيل فيها بالألف.
ـ ومنها: السلوك، يقال: طريق نافذ؛ أي: سالك، وقد نفذ إلى موضع كذا ينفذ، والطريق النافذ: الذي يسلك وليس بمسدود بين خاصة دون عامة يسلكونه، ويقال: هذا الطريق ينفذ إلى مكان كذا وكذا، وفيه منفذ للقوم، أي: مجاز.
ـ ومنها: المحاكمة، يقال: نافذت الرجل ؛ إذا حاكمته، ومنه حديث عبد الرحمن بن الأزرق: ألا رجل ينفذ بيننا، أي: يحكم ويمضي أمره فينا.
والخلاصة: أن مادة نفذ تدل على الجواز، والإمضاء، والمخالطة، والجريان إلى الشيء، والقضاء، والمخرج، والمخلص، والخرق، والمشي وسط القوم، والسلوك، والمحاكمة.
ولو نظرنا إلى هذه المعاني مجملة نجد أن المعنى الاصطلاحي للسلطة التنفيذية أخذ من مدلولين من معاني كلمة «نفذ»، فباعتبار أن السلطة التنفيذية إنما تنفذ أوامر السلطة التشريعية فقد ناسبها المعنى اللغوي الذي هو الإمضاء، أي: إمضاء أوامر السلطة التشريعية، وباعتبار أن السلطة التنفيذية تؤثر بسلطاتها على المحكومين؛ فقد ناسبها المعنى اللغوي الذي هو «السلوك» ومخالطة الشيء لجوف شيء آخر كما ينفذ السهم الرمية.
4 ـ السلطة التنفيذية اصطلاحاً:
إن اصطلاح السلطة التنفيذية، وإن لم يكن معروفاً في الفقه الإسلامي من قبل، إلا أن محتواه ومضمونه موجود منذ بداية العهد الإسلامي، حيث خاطب الله رسوله صلى الله عليه وسلم بصيغة الأمر المحتوية على طلب التنفيذ، فقد وردت ايات كثيرة تفيد ذلك.
قال عز وجل:َ {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}[المائدة: 49] وهذا أمر بتنفيذ حكم الله بينهم.
وقال تعالى: َ {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}[طه: 132] وهذا أمر بتنفيذ أمر الله بإقامة الصلاة، والاصطبار عليها.
وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73].
وهذا أمر بتنفيذ جهاد الكفار والمنافقين، والتغليظ عليهم.
وكذلك وردت أحاديث واثار مختلفة تدل على مفهوم التنفيذ، كقوله صلى الله عليه وسلم: «أنفذوا جيش أسامة».
وقال أبو بكر رضي الله عنه وهو يشيع أسامة وجيشه: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يوصيك، فانفذ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني لست امرك ولا أنهاك عنه، إنما أنا منفذ لأمر أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال عمر بن عبد العزيز: ألا وإني لست بقاض، ولكني منفذ.

يمكنكم تحميل كتاب التداول على السلطة التنفيذية من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/16.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022