الجمعة

1446-04-15

|

2024-10-18

المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام) ...الخلاصات 4

الحلقة: الثامنة و الخمسون (الأخيرة)

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

رمضان 1441 ه/ مايو 2020

- إنَّ الإسلام هو دين الله الخالد الذي لا يقبل الله سواه، وأن هذا الدين هو الدين الذي فرضه الله على البشرية، منذ خلقهم، جاء به آدم، وإدريس ونوح وإبراهيم، وآل إبراهيم، وآل عمران، وأنه تم برسالة خاتم النبيين، وأن هذا الدين جاء به النبيون، لأنه هو الدين الوحيد الذي يدعو إلى الوحدانية الخالصة التي لا يشوبها أدنى شرك، وهو الدين الذي يشمل العقائد الصحيحة والأحكام العامة التي لا تتغير بتغير الزمان أو المكان، أو بتغير أحوال الناس في سلسة حياتهم الإنسانية على وجه الأرض مهما اختلفت ألوانهم وأجناسهم ولغاتهم وبيئاتهم ومهما تغيرت مهنهم وحرفه وثقافتهم في الحياة الدنيا.
- أرسل الله تعالى المسيح عيسى ابن مريم برسالة الإسلام، فكان يدعو بني إسرائيل إلى اعتناق هذا الدين المؤسَّس على الاعتراف بالخالق ووحدانيته.
- أخبر الله بأن عيسى - عليه السلام - مصدِّق لما بين يديه من التوراة في مواضع مختلفة من كتابه العزيز، فدعوة عيسى مكمِّلة لشريعة موسى عليه السلام، وموضحة لها وامتداد لها ومصححة لما طرأ عليها من انحرافات وضلالات مع توالي الحقب والأزمان، كما أنه عليه السلام قد أتى ببعض التخفيفات والتسهيلات لبني إسرائيل، ولهذا كان المفهوم الطبيعي للنصرانية أن تحكم شريعة التوراة مع مراعاة التعديلات الواردة في الإنجيل.
- وصف القرآن الكريم التوراة بصفات إيجابية، حيث مدحها وأثنى عليها، واعترف بفضلها، وهذا أمر طبيعي؛ لأن القرآن من عند الله والتوراة أيضاً من عند الله أنزلها على عبده موسى عليه السلام، ولذلك وصفت بالهدى والرحمة النور والضياء والفرقان وهذا الوصف للتوراة الربانية.
- لقد ذكر الله سبحانه وتعالى أن أحبار اليهود قد قاموا بتحريف التوراة، وأنهم أضافوا إليها، وأنقصوا منها الشيء الكثير، وقد فضحهم الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في مواضع عديدة
- لا يعترف القرآن الكريم بالتوراة المحرّفة التي ألّفها وصاغها أحبار اليهود وحاخاماتهم على مدار التاريخ اليهودي الطويل، وأظهروها للناس، وسمَّوها (العهد القديم) بأسفارها الكثيرة، والتي فيها من الأخطاء والأكاذيب والأباطيل الشيء الكثير، والصواب والصحيح فيها قليل جدّاً لا يكاد يذكر.
- لم يكن حظّ الإنجيل خيراً من حظّ التوراة، فبعدما رفع عيسى عليه السلام، اختفت معه صحائف الكتاب الذي أنزل عليه، ولم يجد أحد أثراً لها إلى يومنا هذا.
- إنَّ الفوضى الواسعة التي أعقبت غياب عيسى عليه السلام، ترجع إلى سطوة السلطة الرومانية وإلى أثر اليهود بين طبقات الشعب، فقد تعاون الفريقان على مطاردة من آمن بعيسى ومصادرة ما يشير إلى تعاليمه، وظل هذا الاضطهاد أكثر من ثلاث قرون اختلف المسيحيون خلالها اختلافاً كبيراً.
- ظهر اختلاف في الكتب التي قيل فيها إن تلاميذ عيسى ألقوها متضمنة تعاليمه، وقد سميت هذه الكتب كلها (أناجيل)، وقد اختلفت فيما بينها اختلافاً واسعاً بلغ حد التناقض، والمرويّ أنها بلغت سبعين إنجيلاً وقيل أكثر.
- إنَّ الأناجيل الحالية عبارة عن مصنفات تاريخية حول قضية حياة مريم وابنها عيسى وما جرى له منذ ولادته حتى نهاية حياته في الأرض حسب معتقداتهم، ولم يكتب شيء من هذه الأناجيل في حياة عيسى عليه السلام وإنما كتبت بعد رفعه إلى السماء.
- إنَّ وجود التحريف في الأناجيل الأربعة واضح بيّنٌ ظاهر بأنواعه الثلاثة؛ تحريف بالتبديل، وتحريف بالزيادة، وتحريف بالنقصان، كما ورد الإخبار بتحريفها في آيات كثيرة في الذكر الحكيم.
- تدخلتِ العوامل السياسية في القرن الرابع الميلادي في تشكيل المسيحية وبنائها بالصورة التي تعرف بها اليوم، فالإمبراطور قسطنطين حاول توحيد كلمة النصارى تحت سلطانه خشية على إمبراطوريته من الانقسام والفرقة، فجمع القساوسة في مؤتمر نيقية، وتآمر هو وبطريرك الإسكندرية واتفقا على القول بوجود ثلاثة آلهة، وحاربت السلطات الحاكمة كل من كان يقول بغير تلك المقالة، كما أن الإمبراطور قسطنطين كان وثنياً قبل أن يعتنق المسيحية، فلا غرابة أن يؤيد المقالة التي تنادي بوجود ثلاثة آلهة، لأن ذلك يتوافق مع هواه وعقيدته السابقة الوثنية.
- بشّر عيسى عليه السلام برسول الله ، وذكرت صفاته في التوراة والإنجيل، وسطعت بشارته في كتب أهل الكتاب، وأثبت ذلك علماء من أهل الكتاب من أشهرهم عبد الأحد داود في كتابه (محمد في الكتاب المقدس).
- شاء الله عز وجل أن يجعل عيسى عليه السلام آية، ولذلك جعل معجزاته عديدة في حياته، وصاحبته منذ خلقه إلى موته قبل قيام الساعة، ومن أشهر معجزاته، ميلاده من غير أم بلا أب بقدرة الله، وتأييده بروح القدس، وتعليمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، وإبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى بإذن الله، والخلق من الطين ونفخ الروح بإذن الله، وإخباره عن الغيوب ونزول المائدة من السماء بدعائه.
- الحواريون هم أنصار عيسى عليه السلام، فقد استجابوا لدعوة عيسى - عليه السلام -وأصبحوا أنصار الله، آمنوا بالله، وبما أنزل، واتبعوا رسوله.
- تعرض عيسى عليه السلام لمكر اليهود وحاولوا قتله، ولكن الله حماه ونجّاه ورفعه إليه.
- من معاني التوفّي في القرآن الكريم: الموت والنوم، فأحياناً يرد بمعنى الموت وقبض الروح، وأحياناً يراد به النوم.
- توفى الله عيسى مرتين: وفاة نوم ووفاة موت:
- المرة الأولى: وفاة نوم عندما أراد اليهود صلبه وقتله ومكروا به فأنجاه الله منهم، وذلك بأن توفاه ورفعه إليه وقال له قبل توفيه: (إني متوفيك ورافعك إلي) وهو توفي نوم، وذلك بأن ألقى الله النوم على عيسى عليه السلام، ولما نام رفعه إليه: (إني متوفيك ورافعك إليّ).
- المرة الثانية: عندما سينزله الله قبيل قيام الساعة ليستكمل باقي عمره الذي حدده الله له، حيث سيتوفّاه الوفاة الحقيقية يقبض روحه، وخروجها من جسده وموته كما يموت الناس، وذلك التوفي موت: (فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم) أي لما أمتّني وقبضت روحي.
- تحدث القرآن الكريم عن محاولة اليهود قتل عيسى - عليه السلام - في ثلاثة مواضع بثلاث سور:
- إشارة سريعة إلى كف بني إسرائيل عنه لما جاءهم بالبينات وذلك في سورة المائدة (وإذ كففت بني إسرائيل عنك) (المائدة: 110).
- حديث مجمل في حماية عيسى عليه السلام منهم بأن ألقى عليه النوم ثم رفعه إليه وذلك في سورة آل عمران (وإذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ ومطهرك من الذين كفروا ...).
- وحديث أكثر تفصيلاً عن نفي قتل اليهود وصلبهم لعيسى عليه السلام لأن الله رفعه إليه، وقيامهم بقتل وصلب شبيه له وذلك في آيات سورة النساء (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) (النساء: 157-158).
- إن الأناجيل الأربعة (متى، ولوقا، ومرقس، ويوحنا) وهي المعتمدة عند النصارى، اضطربت في حديثها عن أحداث تلك الليلة الأخيرة من حياة عيسى عليه السلام على الأرض اضطراباً كبيراً، واختلفت اختلافاً بيناً، وتناقضت تناقضاً واضحاً.
- إن عقيدة الخلاص المسيحية التي هي من وضع بولس قائمة على أسس باطلة، وهي أن آدم عليه السلام أخطأ وهذه الخطيئة انتقلت بالوراثة إلى كل أبنائه، والطريق الوحيد للخلاص منها هو ما زعموه من أن الله نزل وتجسّد في صورة بشرية ليصلب ويتغلب على الموت فيقوم، وبذلك ينال الناس الخلاص.
- إن تنزه المسيح عما جاء في كتب النصارى من الصّلب والإهانات التي تعرض لها قد استدل النصارى على قولهم بالصّلب على الأناجيل، وقد بيّنا أنها محرّفة ومبدلة ومتناقضة بالدليل والبرهان.
- ليس عند الله خطيئة موروثة تحتاج إلى التكفير عنها بصلب نبيٍّ أو ابن الله - تعالى عما يقولون علوّاً كبيراً - بل إن كل إنسان مسؤول عمّا اقترفه، ومحاسب عليه (ولا تزر وازرة وزر أخرى) (الأنعام: 64).
- إنَّ الخلاص المسيحي تأثر بالعقائد الوثنية، فالتجسد الإلهي من أجل الخلاص من المعتقدات الوثنية التي كانت منتشرة في البلاد اليونانية ثم الرومانية قبل ظهور المسيح بمئات السنين وكان لظهورها في هذه البلاد أكبر الأثر في تأثر دعاة المسيحية بها كما أن الصلب وتعذيب الإله من أجل الخلاص صورة وثنية أخرى كانت سائدة في المجتمعات الوثنية قبل المسيحية، وقيامة المخلص من أجل الخلاص في صورة وثنية ثالثة ظهرت بين الوثنيين قبل المسيحية بفضل بولس وأتباعه ولم يفعلوا شيئاً سوى وضع اسم المسيح عيسى ابن مريم بدلاً من هؤلاء الآلهة المخلصين الوثنيين.
- لقد كان لدخول الوثنين في النصرانية أمثال الإمبراطور قسطنطين الأثر الأكبر على تلقيح النصرانية بالتعاليم الوثنية، وتولدت عقيدة التثليث من قرارات المجامع الكنسية المتعددة، وفي أزمنة مختلفة:
- مجمع نيقية سنة 325م قرر ألوهية المسيح.
- ومجمع القسطنطينية الأول سنة 381م قرر ألوهية روح القدس.
- ومجمع آفس الأول سنة 431م قرر الآلهة ثلاث: أب وابن وروح القدس.
- ثم اختلفوا بعد ذلك في طبيعة المسيح: هل هو: ذو طبيعة واحدة؟ أم ذو طبيعتين؟، هل هو: منبثق من الأب وحده، أم من الأب والروح القدس معاً؟ وبهذا يتضح أن عقيدة التثليث التي يؤمن بها النصارى لم يأت بها المسيح عليه السلام، ولم يأمر بها أتباعه، ذلك لأن عيسى عليه السلام كما بين هذا الكتاب رسول الله ما دعا الناس إلا إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأنه عليه السلام لم يدع لنفسه منصباً أكثر من أنه عبد الله (قال إني عبد الله آتاني الكتاب) (مريم:20).
- استمرت المسيحية المؤمنة بنبوة عيسى عليه السلام وبشريته منذ العصور الأولى للمسيحية وتعرضت للاضطهاد من قبل السلطة الدينية القائلة ببنوّة المسيح مدعومة بالسلطة السياسية كثيراً من الاضطهاد من الموحدين النصارى كالقتل والحرق والسجن.
- كان من أشهر الدعاة إلى بشرية عيسى عليه السلام آريوس الذي ولد في ليبيا وقد لاقت دعوته قبولاً من جموع غفيرة من شعب الإسكندرية، وجماعة من الشمامسة والقساوسة، وحتى في فترات السيطرة الأرثوذكسية كان للآريوسية تواجد واضح بمصر وسائر بلدان الإمبراطورية البيزنطية.
- يوجد حالياً الكثير من النصارى الموحدين بدليل كثرة كنائسهم وتزايد أعدادهم في أوروبا وأمريكا وبعض دول آسيا، واعتنقت شخصيات متميزة في عطائها الفكري عقيدة التوحيد المسيحية فكان منهم الساسة والأدباء والأطباء، بل كان منهم عدد لا يستهان به من رجال الدين المسيحي، وقد اهتم رسولنا محمد ﷺ بتوجيه الدعوة إلى الآريوسيين، فقد ورد ذكرهم في كتابه إلى هرقل عظيم الروم لدعوته إلى الإسلام.
- إن الله عز وجل رفع عيسى - عليه السلام - إليه، وإنه الآن حيٌّ في السماء حياة طيبة قد التقى به رسولنا ﷺ في رحلة الإسراء والمعراج، التقى به أولاً في المسجد الأقصى عندما صلى رسول الله ﷺ بالأنبياء إماماً وكان عيسى مأموماً خلفه، ثم التقى به ثانياً لما عرج به إلى السماء، حيث أخبرنا أنه قابل عيسى عليه السلام في السماء ثانية.
- هناك أدلة من القرآن الكريم والسنة المطهرة تدل على نزول عيسى عليه السلام قبل قيام الساعة ونزوله من علامات يوم القيامة الكبرى والتي منها خروج يأجوج ومأجوج، والخسوفات الثلاثة، والدخان وطلوع الشمس من مغربها، والنار التي تحشر الناس.
- يحكم عيسى عليه السلام بالشريعة المحمدية ويكون من أتباع محمد ﷺ فإنه لا ينزل بشرع جديد، لأن دين الإسلام خاتم الأديان وباق إلى قيام الساعة لا ينسخ، فيكون عيسى عليه السلام حاكماً من حكام هذه الأمة ومجدداً لأمر الإسلام إذ لا نبي بعد محمد ﷺ.
- حدثت مجادلة عظيمة خلدت في القرآن الكريم في سورة آل عمران بين نصارى نجران والنبي ﷺ وكانت من أهم موضوعات الجدل؛ بيان القرآن الكريم من خلال رسول الله ﷺ بطلان ألوهية المسيح.
- امتنع نصارى نجران عن المباهلة خوفاً من العذاب، لما يعلمون من صدقه ﷺ وصحة نبوته، فقد أكدت الروايات الواردة عنهم اعترافهم بأنه النبي الذي بشرت به الكتب السماوية، وقد طلبوا الصلح مع النبي ﷺ واستجاب لهم رسول الله ﷺ.
- ثار العقل الأوروبي على تعاليم الكنيسة البعيدة عن وحي السماء وهدايات الله عز وجل، والخطاب العقلاني والمنطقي والوجداني الذي يلبّي أشواق الروح وقد قاد رجال الإصلاح البروتستانتي الثورة على الكنيسة، وعارضوا مظاهر الطقوس الدينية واحتكار رجال الكنيسة للسلطة الدينية وسلطة البابا المطلقة، كما أن العقل الأوربي ثار على المسيحية المحرفة كدينٍ يعوق الفكر ويقف أمام التقدم العلمي، وحجرة أمام البحث العلمي المستقل القائم على العقل والمنطق، وكان لهذا أثره في الخروج على تعاليم الكنيسة.
- إن الخطاب القرآني هو الأقرب للعقل الأوروبي المتحرر ووجدانه المتلهف للحقائق الإيمانية ومنطقه الذي ضاع في عالم الماديات والشهوات وغاب عن عوالم المعاني والقيم الروحية.
- إن القرآن الكريم بيّن حقيقة عيسى - عليه السلام - وكونه لا يعدو إلا أن يكون عبداً ورسولاً لله تعالى من أولى العزم.
 
 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022