إثبات صفات الكمال لله تعالى
الحلقة: الرابعة والخمسون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
رمضان 1441 ه/ مايو 2020
ورد في القرآن الكريم وصف الله بصفات الكمال، وأنه المنفرد بها وحده دون ما سواه، قال تعالى: ﴿قُل هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ * ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ * لَم يَلِد وَلَم يُولَد * وَلَم يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُ﴾(الإخلاص).
وصف الله سبحانه وتعالى -في هذه السورة -نفسه بأنه أحد صمد، فهذان الوصفان يدلان على اتصاف الله بغاية الكمال المطلق.
وجاء معنى الصمد: أنه المستغني عن كل أحد والمحتاج إليه كل أحد، ويدل هذا المعنى للصمد على الإثبات والتنزيه، فالإثبات بوصفه سبحانه بأنه هو الذي يصمد إليه، أي: يرجع إليه في كل أمر؛ وذلك لأنه هو المتصف بجميع صفات الكمال فهو القادر على كل شيء، والفعّال لما يريد، والذي بيده الخلق والأمر والجزاء، وما من قوة لغيره تعالى إلا بهيمنة منه إذا شاء أبقاها ومتى شاء سلبها فالمرجع والمراد إليه سبحانه.
وأمّا التنزيه: فبوصفه تعالى بأنه غنيّ عن كل شيء، فلا افتقار فيه بوجه من الوجوه، لا في وجوده فإنه الأوّل، الذي ليس مثله شيء، وهو الذي لم يلد ولم يولد، ولا في بقائه فإنه الذي يُطعِم ولا يُطعَم ولا في أفعاله فلا شريك له ولا ظهير.
ويدل وصفه سبحانه وتعالى بأنه أحد صمد على اتصافه بالكمال المطلق، فـ (أحد صمد) يدلّان على معنى آخر وهو نفي الولادة والتولّد عن الله سبحانه، فإن الصمد جاء في بعض الأقوال بأنه الذي لا جوف له، ولا أحشاء فلا يأكل ولا يشرب سبحانه وتعالى كما قال تعالى:﴿ قُل أَغَيرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّا فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ وَهُوَ يُطعِمُ وَلَا يُطعَمُ قُل إِنِّي أُمِرتُ أَن أَكُونَ أَوَّلَ مَن أَسلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلمُشرِكِينَ ﴾(الأنعام:14). وقال تعالى:﴿ وَمَا خَلَقتُ ٱلجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلَّا لِيَعبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنهُم مِّن رِّزق وَمَا أُرِيدُ أَن يُطعِمُونِ * إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلقُوَّةِ ٱلمَتِينُ ﴾(الذاريات: 56-58).
فإن الأحد هو الذي لا كفؤ له ولا نظير فيمتنع أن تكون له صاحبة والتولد وإنما يكون من شيئين: قال تعالى:﴿ بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُۥ وَلَد وَلَم تَكُن لَّهُۥ صَٰحِبَة وَخَلَقَ كُلَّ شَيء وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيم ﴾(الأنعام: 101). وفي قوله سبحانه وتعالى:﴿ وَلَم يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُ (الإخلاص:4).
وفي هذا نفي عن المخلوق مكافأته أو مماثلته للخالق، ومثل ذلك قول تعالى: ﴿ ٱلحَمدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ ثُمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعدِلُونَ﴾ (الأنعام:1).
أي يعدلون به غيره فيجعلون له من خلقه عدلًا، ونظيرًا ومثال هذا قوله تعالى: ﴿ رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ وَمَا بَينَهُمَا فَٱعبُدهُ وَٱصطَبِر لِعِبَٰدَتِهِۦ هَل تَعلَمُ لَهُۥ سَمِيّا ﴾ (مريم: 65)، أي لا شيء يساميه، لا ندّ، ولا عدل، ولا نظير له يساويه، فأنكر التشبيه والتمثيل، وبهذا يتبين لنا أن تنزيهه سبحانه عن العيوب والنقائص واجب لذاته، كما دلّت على ذلك سورة الإخلاص.
مراجع البحث:
- علي محمّد محمّد الصّلابيّ، المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام (الحقيقة الكاملة)، 2019م، (401:400)
-صلاح الدين الخالدي، تفسير الطبري: تقريب وتهذيب، ، دمشق: دار القلم، ط1، 1418ه، 1997م،20/245.