المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام)
الخلاصات والإستنتاجات(3)
الحلقة: السابعة والخمسون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
رمضان 1441 ه/ مايو 2020
- معنى كون عيسى (كلمة الله) في قوله تعالى (وكلمته ألقاها إلى مريم) فهي كلمة الله التي يخلق بها المخلوقات وهي (كن) وتفسير هذه العبارة أنه سبحانه خلق عيسى بالأمر الإلهي الكوني المباشر، الذي يقول عنه في مواضع شتى من القرآن الكريم إنه (كن فيكون)، فقد ألقى هذه الكلمة إلى مريم، فخلق عيسى في بطنها من غير نطفة أب –كما هو المألوف في حياة البشر غير آدم والكلمة التي تخلق كل شيء من العدم، لأعجب في أن تخلق عيسى عليه السلام في بطن مريم من النفخة التي يعبر عنها (وَرُوحٌ مِّنْهُ). إن عيسى عليه السلام بالكلمة كان، وليس هو عين الكلمة، فالكلمة التي ألقاها الله عز وجل إلى مريم حين قال له (كن) فكان عيسى بـ(كن) وليس عيسى هو الكن، ولكن بالكُن كان، فالكُنْ من الله، قوله ليس مخلوقاً، وعيسى بالكن كان ولذلك فهو مخلوق من الله تعالى.
- في قوله تعالى (وَرُوحٌ مِّنْهُ) ليست للتبعيض، لأن روح الله لا تتبعّض ولا تتجزّأ ولا تنقسم إلى أبعاض وجزئيات وأقسام، إن (من) هنا لابتداء الغاية أي من عند الله سبحانه، وإضافة الروح إلى الله هي إضافة أعيان منفصلة عن الله فهي إضافة مخلوق إلى خالقه، ومصنوع إلى صانعه وهي تقتضي تشريفاً وتخصيصاً يتميز بها المضاف عن غيره، يعني أنها روح خيرية مطيعة لله تعالى كمثل (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين)، فالروح مخلوق من عند الله تعالى.
- جاءت تفاصيل مولد عيسى - عليه السلام - في سورة مريم، بدقة متناهية، وأوصافٍ محكمة للمكان والحالة النفسية التي مرت بها مريم عليها السلام ابتداء من أخذها للمكان البعيد ومجيء المخاض وآلامها عند الوضع وتمنيها الموت ومناداة ابنها لها من تحتها، وما صاحب ذلك من نفحات وبركات.
- جعل الله صوم مريم وصمتها عن الكلام آية لها ودليلاً على براءتها وطهارتها فبينما صامت هي عن الكلام وهي القادرة عليه فقد أنطق الله وليدها عيسى - عليه السلام - الذي لم تمض على ولادته إلا فترة يسيرة وهو في المهد فكان كلامه أقوى وأبلغ في إزالة التهمة عنها، كما أن السكوت عن السفهاء وعدم الرد عليهم من أخلاق الصديقة العفيفة الطاهرة المطهرة.
- عندما نطق عيسى - عليه السلام - في المهد أخرس كل من اتهم والدته وبين معجزته الخالدة في كون الله خلقه من دون أب، وبين رسالته في الحياة وأنه عبد الله آتاه الكتاب وجعله نبياً وأوصاه بالصلاة والزكاة، وبرّه بوالدته وقدم نفسه لقوم أمه، وذكر عبوديته لله الواحد، وذكر ما سيؤتيه الله من النبوة الكتاب، ومن السمات والمزايا الإيجابية القائمة على بره بأمه وتواضعه وعدم تجبره، أو تكبره، وما سيضفيه عليه من السلام والأمان في حياته، وتوقف عرض القرآن لقصة ميلاد عيسى عليه السلام عند هذا الحد.
- بعدما ذكر الله عز وجل سيرة مريم وابنها - عليهما السلام - بشفافية عالية ومصداقية لا يوجد مثيل لها علّق على القصة بتبيانه (ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون).
- إن القرآن الكريم ذكر قصة عبد الله ورسوله المسيح عيسى ابن مريم بقدر هائل من الدقة المتناهية بعد أن كانت كل من سيرته الشريفة ودعوته الكريمة قد شابها الكثير من التحريف والتشويه ويعتبر ذلك بحق وجهاً من أوجه الإعجاز التاريخي في هذا الكتاب العزيز، يشهد له بأنه كلام الله الخالق، ويشهد للرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة والرسالة.
- تأثر ملك الحبشة النجاشي بعدما قرأ جعفر بن أبي طالب عليه سورة مريم وأسلم في ختام المطاف.
- ليس في القرآن الكريم سورة باسم امرأة سوى سورة مريم - عليها السلام - لا آمنة أم رسول الله محمد ولا خديجة زوجه ولا فاطمة ابنته.
- شبَّ عيسى - عليه السلام - وعاش صباه وشبابه طاهراً تقياً يحفظه الله ويحميه ويرعاه ويبعد عنه الشيطان ووساوسه حتى أنزل عليه الوحي وجعله نبياً رسولاً وبعثه إلى بني إسرائيل وأنزل عليه كتابه الإنجيل، وكانت بعثة عيسى عليه السلام وإنزال الإنجيل تحقيقاً للبشرى التي قدمها الله إلى أمه قبل حملها به (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ( (آل عمران: 47-48). وهي تحقيق لما أخبر هو عن نفسه عندما كلم بني إسرائيل وهو في المهد قائلاً: (قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً).
- خاطب عيسى عليه السلام بني إسرائيل وبين لهم أنه رسول الله إليهم، ودعاهم إلى عبادة الله وتوحيده والالتزام بشرعه.
- بيَّنت الآيات القرآنية الكريمة بشرية عيسى عليه السلام وأن مثل خلقه كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون، ونهى عن الغلو فيه ووضحت الآيات القرآنية حقيقة عيسى عليه السلام وبأنه ليس إلهاً ولا ابن إله وإنما عبد الله ورسوله، وإن الله منزّه عن الولد والشريك والصاحبة.
- تحدّثت الآيات الكريمة عن الاستجواب العظيم على رؤوس الأشهاد من الله تعالى لعيسى عليه السلام يوم القيامة.
- بيّنت الآيات القرآنية بأن عيسى عليه السلام عبد أنعم الله عليه وداعية إلى التوحيد وعبادة الله عز وجل.
- عرض القرآن الكريم موكب الإيمان الجليل يقوده ذلك الرهط من الرسل: من نوحٍ عليه السلام إلى إبراهيم إلى خاتم النبيين، وكان من بينهم عيسى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين حتى يعلم أنه نبيٌّ كباقي الأنبياء والمرسلين وليس هو الله، أو ثالث ثلاثة، ولا ابن الله فهو نبيٌّ مرسل.
- شملت رسالة المسيح كذلك الإيمان بالوحي، وأن التعاليم التي يبلغها ليست من عنده وإنما يوحى بها إليه من ربه، وذكر الله المسيح في القرآن الكريم من جملة من يوحى إليهم من النبيين.
- ذكرت الآيات الكريمة أن عيسى، نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم من أولي العزم.
- بيّنت الآيات الكريمة أن أصول الشرائع ووحدة الدين عند الله حقيقة دلت عليها النصوص كالأمر بالصلاة والزكاة والصيام والقصاص والجهاد ... إلخ.
- اتفقت جميع الرسالات السماوية على أصول الإيمان على امتداد دعوات الرسل عليهم الصلاة والسلام ولم تختلف هذه الرسالات في تقرير أصول الإيمان قبل أن ينال منها التحريف والتبديل؛ لأنها تتحدث عن مقررات ثابتة لا يقوم الإيمان إلا بها فهي حقائق ثابتة لا تتطور ولا تتغير، ولا يدخلها النسخ كما يدخل فروع الشرائع، وقد جاءت النصوص القرآنية تؤكد هذه الحقيقة.
- كان همُّ عيسى عليه السلام أن يدعو الناس إلى طاعة الله، وتقديم العبادة له دون سواه، وتحقيق التوحيد تحقيقاً حقيقياً مبنياً على إيمانٍ عميق، ومعرفة راسخة، ومن أصول دعوته الإيمان بالله واليوم الآخر، والملائكة، والكتب السماوية، والأنبياء والمرسلين والإيمان بالقدر.
- اتصف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بأفضل الصفات وأنبل الأخلاق والفضائل، وفي مقدمتها الصدق والأمانة والفطانة والبيان وغيرها، وقد تحدث القرآن الكريم عن أصول الدين وأخلاقه الجامعة التي اتفقت عليها الرسل في كل الديانات السماوية والمقررة في كل الشرائع العادلة كالوصايا العشرة المذكورة في سورة الأنعام.