ذكر الله تعالى لنعائمه على عيسى عليه السلام يوم القيامة ونزول المائدة
الحلقة: السادسة و الأربعون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
رمضان 1441 ه/ أبريل 2020م
قال تعالى: ﴿ يَومَ يَجمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبتُم قَالُواْ لَا عِلمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلَّٰمُ ٱلغُيُوبِ * إِذ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبنَ مَريَمَ ٱذكُر نِعمَتِي عَلَيكَ وَعَلَىٰ وَٰلِدَتِكَ إِذ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلمَهدِ وَكَهلا وَإِذ عَلَّمتُكَ ٱلكِتَٰبَ وَٱلحِكمَةَ وَٱلتَّورَىٰةَ وَٱلإِنجِيلَ وَإِذ تَخلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَئَةِ ٱلطَّيرِ بِإِذنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيرَا بِإِذنِي وَتُبرِئُ ٱلأَكمَهَ وَٱلأَبرَصَ بِإِذنِي وَإِذ تُخرِجُ ٱلمَوتَىٰ بِإِذنِي وَإِذ كَفَفتُ بَنِي إِسرَٰءِيلَ عَنكَ إِذ جِئتَهُم بِٱلبَيِّنَٰتِ فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنهُم إِن هَٰذَا إِلَّا سِحر مُّبِين﴾ (المائدة:109-110).
يخبر الله تعالى عن يوم القيامة وما فيه من الأهوال العظام وأن الله يجمع فيه جميع الرسل، فيسألهم: (مَاذَا أُجِبتُم)، أي ماذا أجابتكم به أممكم فقالوا (لَا عِلمَ لَنَا)، وإنما العلم لك يا ربنا فأنت أعلم منا (إِنَّكَ أَنتَ عَلَّٰمُ ٱلغُيُوبِ) أي تعلم الأمور الغائبة والحاضرة.
- (إِذ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبنَ مَريَمَ ٱذكُر نِعمَتِي عَلَيكَ وَعَلَىٰ وَٰلِدَتِكَ) أي: اذكرها بقلبك ولسانك وقم بواجبها شكرًا لربك حيث أنعم عليك نعمًا ما أنعم بها على غيرك.
- (إِذ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلقُدُسِ) أي: إذ قويتك بالروح والوحي الذي طهّرك وزكّاك وصار لك قوّة على القيام بأمر الله والدعوة إلى سبيله وقيل المراد: إن المراد بروح القدس جبريل عليه السلام، وأن الله أعانه به وبملازمته له وتثبيته في المواطن المشقية.
- (تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلمَهدِ وَكَهلا): المراد بالتكليم عنا غير التكليم المعهود الذي هو مجرد الكلام وإنما المراد بذلك التكليم الذي ينتفع به المتكلم والمخاطب وهو الدعوة إلى الله، ولعيسى عليه السلام من ذلك ما لإخوانه من أولي العزم من المرسلين من التكلم في حال الكهولة بالرسالة والدعوة إلى الخير والنهي عن الشر وامتاز عنهم بأنّه كلّم الناس في المهد فقال: ﴿ قَالَ إِنِّي عَبدُ ٱللَّهِ ءَاتَىٰنِيَ ٱلكِتَٰبَ وَجَعَلَنِي نَبِيّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَينَ مَا كُنتُ وَأَوصَٰنِي بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمتُ حَيّا ﴾ (مريم:31-30).
- (وَإِذ عَلَّمتُكَ ٱلكِتَٰبَ وَٱلحِكمَةَ): فالكتاب: يشمل الكتب السابقة وخصوصًا التوراة، فإنه من أعلم أنبياء بني إسرائيل بعد موسى بها ويشمل الإنجيل الذي أنزله الله عليه. والحكمة: هي معرفة أسرار الشرع وفوائده وحكمه وحسن الدعوة والتعليم ومراعاة ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي.
- (وَإِذ تَخلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَئَةِ ٱلطَّير...) أي: طيرًا مصورًا لا روح فيه (فَتَنفُخُ) فيه فيكون (طَيرَا) بإذن الله (وَتُبرِئُ ٱلأَكمَهَ) الذي لا بصر له ولا عين (وَٱلأَبرَصَ بِإِذنِي وَإِذ تُخرِجُ ٱلمَوتَىٰ بِإِذنِي)، فهذه آيات بينات ومعجزات باهرات يعجز عنها الأطباء وغيرهم، أيد الله بها عيسى وقوّى بها دعوته.
- (وَإِذ كَفَفتُ بَنِي إِسرَٰءِيلَ عَنكَ إِذ جِئتَهُم بِٱلبَيِّنَٰتِ فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنهُم) لما جاءهم الحق مؤيّدًا بالبينات الموجبة للإيمان به.
- (إِن هَٰذَا إِلَّا سِحر مُّبِين): وهمّوا بعيسى أن يقتلوه وسعوا في ذلك فكف أيدهم عنه وحفظه منهم، فهذه مِنَن أمتنَّ الله بها على عبده ورسوله عيسى بن مريم ودعاه إلى شكرها والقيام بها فقام بها عليه الصلاة والسلام أتمّ القيام وصبر كما صبر إخوانه من أولي العزم.
- الحواريون والمائدة ثم الاستجواب الكبير يوم القيامة:
قال تعالى: ﴿ وَإِذ أَوحَيتُ إِلَى ٱلحَوَارِيِّنَ أَن ءَامِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُواْ ءَامَنَّا وَٱشهَد بِأَنَّنَا مُسلِمُونَ * إِذ قَالَ ٱلحَوَارِيُّونَ يَٰعِيسَى ٱبنَ مَريَمَ هَل يَستَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَينَا مَائِدَة مِّنَ ٱلسَّمَاءِ قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤمِنِينَ * قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأكُلَ مِنهَا وَتَطمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعلَمَ أَن قَد صَدَقتَنَا وَنَكُونَ عَلَيهَا مِنَ ٱلشَّٰهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ٱبنُ مَريَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِل عَلَينَا مَائِدَة مِّنَ ٱلسَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدا لِّأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا وَءَايَة مِّنكَ وَٱرزُقنَا وَأَنتَ خَيرُ ٱلرَّٰزِقِينَ * قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيكُم فَمَن يَكفُر بَعدُ مِنكُم فَإِنِّي أُعَذِّبُهُۥ عَذَابا لَّا أُعَذِّبُهُۥ أَحَدا مِّنَ ٱلعَٰلَمِينَ ﴾ (المائدة:111: 115).
أي: واذكر نعمتي عليك -يا عيسى-إذ يسرت لك أتباعًا وأعوانًا فأوحيت إليهم على لسانك، أي: أمرتهم بالوحي الذي جاءك من عند الله فأجابوا لذلك وانقادوا وقالوا:
- (امَنَّا وَٱشهَد بِأَنَّنَا مُسلِمُونَ)، فجمعوا بين الإسلام الظاهر والانقياد بالأعمال الصالحة والإيمان الباطن المخرج لصاحبه من النفاق ومن ضعف الإيمان والحواريون هم الأنصار، كما قال تعالى، كما قال عيسى بن مريم للحواريين (مَن أَنصَارِي إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلحَوَارِيُّونَ نَحنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ).
- (إِذ قَالَ ٱلحَوَارِيُّونَ يَٰعِيسَى ٱبنَ مَريَمَ هَل يَستَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَينَا مَائِدَة مِّنَ ٱلسَّمَاءِ)، أي: مائدة فيها طعام وهذا ليس منهم في شك في قدرة الله واستطاعته على ذلك وإنما ذلك من باب العرض والأدب منهم، ولما كان سؤال آيات الاقتراح منافيًا للانقياد للحق وكان هذا الكلام الصادر من الحواريين قد أوهم ذلك ربما فإن عيسى عليه السلام وعظهم فقال:
- فقال: (ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤمِنِينَ) فإن المؤمن يحمله ما معه من الإيمان على ملازمة التقوى، وأن ينقاد لأمر الله، ولا يطلب من آيات الاقتراح التي لا يدري ما يكون بعدها شيئًا، فأخبر الحواريون أنهم ليس مقصودهم هذا المعنى وإنما لهم مقاصد صالحة ولأجل الحاجة إلى ذلك فقالوا:
- (نُرِيدُ أَن نَّأكُلَ مِنهَا): وهذا دليل على أنهم محتاجون.
- (وَتَطمَئِنَّ قُلُوبُنَا): بالإيمان حين نرى الآيات العيانيّة حتى يكون الإيمان عين اليقين، فالعبد محتاج إلى زيادة العلم واليقين والإيمان كل وقت.
- (وَنَعلَمَ أَن قَد صَدَقتَنَا)، أي: نعلم صدق ما جئت به أنه حق وصدق.
- (وَنَكُونَ عَلَيهَا مِنَ ٱلشَّٰهِدِينَ): فتكون مصلحة لمن بعدنا نشهدها لك، فتقوم الحجة ويحصل زيادة البرهان بذلك.
فلما سمع عيسى عليه الصلاة والسلام ذلك وعلم مقصودهم أجابهم إلى طلبهم في ذلك فقال: (ٱللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِل عَلَينَا مَائِدَة مِّنَ ٱلسَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدا لِّأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا وَءَايَة مِّنكَ) أي: يكون وقت نزولها عيدًا وموسمًا يتذكر به هذه الآية العظيمة، فنحفظ ولا تنسى على مرور الأوقات وتكرّر السنين، كما جعل الله تعالى أعياد المسلمين ومناسكهم مذكرًا لآياته ومنبهًا على سنن المرسلين وطرقهم القويمة وفضله وإحسانه عليهم.
- (وَٱرزُقنَا وَأَنتَ خَيرُ ٱلرَّٰزِقِينَ) أي: اجعلها لنا رزقنا، فسأل عيسى عليه السلام نزولها لهاتين المصلحتين: مصلحة الدين بأن تكون آية باقية ومصلحة الدنيا، وهي أن تكون رزقًا.
وفي دعاء عيسى - بن مريم - كما يكرر السياق القرآني هذه المناسبة: أدب العبد المجتبى مع إلهه ومعرفته بربّه، فهو يناديه: يا الله، يا ربّنا، إنني أدعوك أن تنزل علينا مائدة من السماء، تعمّنا بالخير والفرحة كالعيد فتكون لنا عيدًا لأولنا وآخرنا وأن هذا من رزقك فارزقنا أنت خير الرازقين، فهو إذًا يعرف أنه عبد وأن الله ربّه وهذا الاعتراف يعرض على مشهد من العالمين، في مواجهة قومه، يوم المشهد العظيم، واستجاب الله دعاء عبده الصالح عيسى بن مريم، ولكن بالجد اللائق بجلاله سبحانه، لقد طلبوا خارقة، واستجاب الله، على أن يعذب من يكفر منهم بعد هذه الخارقة عذابًا شديدًا بالغًا في شدته لا يعذبه أحدًا من العالمين:
- (قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيكُم فَمَن يَكفُر بَعدُ مِنكُم فَإِنِّي أُعَذِّبُهُۥ عَذَابا لَّا أُعَذِّبُهُۥ أَحَدا مِّنَ ٱلعَٰلَمِينَ)، فهذا هو الجد اللائق بجلال الله حتى لا يصبح طلب الخوارق تسلية ولهوًا وحتى لا ينتهي الذين يكفرون بعد البرهان المفحم دون أن يلقوا جزاءًا رادعًا. ومن المعلوم بأنه قد مضت سنة الله من قبل بهلاك من يكذبون بالرسل بعد المعجزة، فأما هنا فإن النص يحمل أن يكون هذا العذاب في الدنيا، أو أن يكون في الآخرة.
بعد أن أخبر الله عز وجل عن جمعه للمرسلين وسؤالهم، وعددّ نعائمه على عبده ورسوله عيسى عليه السلام من معجزات وأتباع وأعوان وقبول الدعاء المتعلق بنزول مائدة من السماء يستمر القرآن الكريم في الحديث عن مسألة الألوهية المدعاة لعيسى بن مريم وأمه، في استجواب يوجه إلى عيسى عليه السلام -في مواجهة الذين عبدوه، ليسمعوه وهو يتبرأ إلى ربه في دهش وفزع من هذه الكبيرة التي افتروها عليه وهو منها بريء.
قال الله تعالى: ﴿وَإِذ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبنَ مَريَمَ ءَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَينِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبحَٰنَكَ مَا يَكُونُ لِي أَن أَقُولَ مَا لَيسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلتُهُۥ فَقَد عَلِمتَهُۥ تَعلَمُ مَا فِي نَفسِي وَلَا أَعلَمُ مَا فِي نَفسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّٰمُ ٱلغُيُوبِ * مَا قُلتُ لَهُم إِلَّا مَا أَمَرتَنِي بِهِۦ أَنِ ٱعبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُم وَكُنتُ عَلَيهِم شَهِيدا مَّا دُمتُ فِيهِم فَلَمَّا تَوَفَّيتَنِي كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيهِم وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيء شَهِيدٌ * إِن تُعَذِّبهُم فَإِنَّهُم عِبَادُكَ وَإِن تَغفِر لَهُم فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ * قَالَ ٱللَّهُ هَٰذَا يَومُ يَنفَعُ ٱلصَّٰدِقِينَ صِدقُهُم لَهُم جَنَّٰت تَجرِي مِن تَحتِهَا ٱلأَنهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا أَبَدا رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنهُم وَرَضُواْ عَنهُ ذَٰلِكَ ٱلفَوزُ ٱلعَظِيمُ * لِلَّهِ مُلكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيء قَدِيرُ﴾ (المائدة:116-120).
- في قول الله تعالى: (وَإِذ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبنَ مَريَمَ ءَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَينِ مِن دُونِ ٱللَّهِ)؛ هذا توبيخ للنصارى الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة فيقول الله هذا الكلام لعيسى، فيتبرأ منه عيسى ويقول: (سُبحَٰنَكَ): عن هذا الكلام القبيح وعمّا لا يليق بك (مَا يَكُونُ لِي أَن أَقُولَ مَا لَيسَ لِي بِحَقٍّ)، أي: ما ينبغي لي ولا يليق أن أقول شيئًا ليس من أوصافي ولا من حقوقي، فإنه ليس أحد من المخلوقين لا الملائكة المقرّبون ولا الأنبياء المرسلون ولا غيرهم له حق ولا استحقاق لمقام الإلهية وإنما الجميع عبادٌ مدبرون وخلق مسخرون وفقراء عاجزون.
- (إِن كُنتُ قُلتُهُۥ فَقَد عَلِمتَهُۥ تَعلَمُ مَا فِي نَفسِي وَلَا أَعلَمُ مَا فِي نَفسِكَ): فأنت أعلم بما صدر مني وأنت علّام الغيوب وهذا من كمال أدب المسيح عليه الصلاة والسلام في خطابه لربه فلم يقل عليه السلام: لم أقل شيئًا من ذلك وإنما أخبر بكلام ينفي عن نفسه أن يقول كل مقالة تنافي منصبه الشريف، وأن هذه من الأمور المحالة ونزّه ربَّه عن ذلك أتمّ تنزيه وردّ العلم إلى عالم الغيب والشهادة، ثم صرّح بذكر ما أمر به بني إسرائيل قال تعالى: (مَا قُلتُ لَهُم إِلَّا مَا أَمَرتَنِي بِهِ)، فأنا عبد متبع لأمرك لا متجرئٌ على عظمتك (أَنِ ٱعبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُم) أي: ما أمرتهم إلا بعبادة الله وحده وإخلاص الدين له المتضمن للنهي عن اتخاذي وأمي إلهين من دون الله وبيان أني عبد مربوب، فكما أنه ربكم فهو ربي (وَكُنتُ عَلَيهِم شَهِيدا مَّا دُمتُ فِيهِم) أشهد على من قام بهذا الأمر ممّن لم يقم به.
- (فَلَمَّا تَوَفَّيتَنِي كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيهِم) أي: المطلع على سرائرهم وضمائرهم.
- (وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيء شَهِيدٌ): علمًا وسمعًا وبصرًا فعلمك قد أحاط بالمعلومات وسمعُك بالمسموعات وبصرك بالمبصرات، فأنت الذي تجازي عبادك بما تعلمه فيهم من خير وشر.
- (إِن تُعَذِّبهُم فَإِنَّهُم عِبَادُكَ): وأنت أرخم بهم من أنفسهم وأعلم بأحوالهم، فلولا أنهم عباد تمردون لم تعذبهم.
- (وَإِن تَغفِر لَهُم فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ) أي: فمغفرتك صادرة عن تمام عزة وقدرة، لا عمن يغفر ويعفو عن عجز وعدم قدرة.
- (ٱلحَكِيمُ): حيث كان من مقتضى حكمتك أن تغفر لمن أتى بأسباب المغفرة.
- (قَالَ ٱللَّهُ): مبينًا لحال عباده يوم القيامة ومن الفائز فيهم من الهالك ومن الشقي ومن السعيد.
- (هَٰذَا يَومُ يَنفَعُ ٱلصَّٰدِقِينَ صِدقُهُم): والصادقون هم الذين استقمت أعمالهم وأقوالهم ونياتهم على الصراط المستقيم والهدي القويم، فيوم القيامة يجدون ثمرة ذلك الصدق إذا أحلّهم الله في مقعد صدق عند مليك مقتدر ولهذا قال: (لَهُم جَنَّٰت تَجرِي مِن تَحتِهَا ٱلأَنهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا أَبَدا رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنهُم وَرَضُواْ عَنهُ ذَٰلِكَ ٱلفَوزُ ٱلعَظِيمُ)، والكاذبون بضدهم سيجدون ضرر كذبهم وافترائهم وثمرة أعمالهم الفاسدة.
- (لِلَّهِ مُلكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ): لأنه الخالق لهما والمدبر لذلك بحكمه القدري وحكمه الشرعي وحكمه الجزائي ولهذا قال: (وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيء قَدِيرُ): فلا يعجزه شيء، بل جميع الأشياء منقادة لمشيئته ومسخرة بأمره.
مراجع البحث:
- علي محمّد محمّد الصّلابيّ، المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام (الحقيقة الكاملة)، 2019م، (325:318)
- عبد الرحمان بن ناصر السعدي، تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط1، 2000 م، ص 2044. 1/459.
- سيد قطب، في ظلال القرآن، ، القاهرة: دار الشروق، ط 38، 1430ه، 2009م. 2/100.