الجمعة

1446-04-15

|

2024-10-18

الأناجيل مصنفات تاريخية تصل درجة التناقض

الحلقة: السادسة و الثلاثون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

شعبان 1441 ه/ أبريل 2020م

ورد لفظ الإنجيل في اثنتي عشرة مرة في القرآن الكريم، وإليك بعض الآيات التي ورد فيها ذكر هذا اللفظ:
- قال تعالى:﴿ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ* مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾(آل عمران: 3-4).
- وقال تعالى:﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾(آل عمران:65).
- وقال تعالى:﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ﴾(المائدة:66).
- وقال تعالى:﴿ قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾(المائدة:68).
والإنجيل: لفظ معرَّب من الأصل اليوناني (انكليوس) ، وجاء بمعنى البشارة والتعليم. وفي الاصطلاح: الإنجيل هو كتاب الله المنزَّل على رسوله عيسى ابن مريم، هدىً ونوراً لبني إسرائيل، كما أخبر بذلك القرآن الكريم، وأما الإنجيل الآن لفظ مختصٌّ بالأسفار الأربعة لدى النصارى: متى، ومرقس، ولوقا، ويوحنا، وقد يُطلق مجازاً على أسفار العهد الجديد.
ولا يعرف للأناجيل الحالية الموجودة عند أهل الكتاب سند متصل بصحيح نسبتها إلى عيسى عليه السلام، ومعظمها لا يصح بحال من الأحوال نسبته إليه، وأحسن ما يقال في هذه الأناجيل أنها مصنفات تاريخية حول سيرة المسيح، وبعض وصاياه ومواعظه ومعجزاته.
ولم يكن حظُّ الإنجيل خيراً من حظِّ التوراة، فبعدما اختفى عيسى، اختفت معه صحائف الكتاب الذي أُنزل عليه، ولم يجد أحد أثراً لها إلى يومنا هذا، وإن الفوضى الواسعة التي أعقبت -غيابه -عليه الصلاة والسلام، ترجع إلى سطوة السلطة الرومانية، وإلى أثر اليهود بين طبقات الشعب، فقد تعاون الفريقان على مطاردة من آمن بعيسى ومصادرة ما يشير إلى تعاليمه، وظل هذا الاضطهاد أكثرَ من ثلاث قرون، اختلف المسيحيون خلالها اختلافاً كبيراً، وظهر هذا الاختلاف في الكتب التي قيل إن تلاميذ عيسى ألغوها، متضمنةً تعاليمه.
وقد سميت هذه الكتب كلُّها أناجيل؛ لأن مؤلِّفيها شرحوا حياة عيسى عليه السلام، وسجَّلوا ما وعَوا من عظاته، وتعاليمه، على أنه خلاصة الإنجيل الذي بُشِّر به، وهذه تسمية تدعو إلى التساؤل، بل إلى الإنكار، وقد اختلفت فيما بينها اختلافاً واسعاً بلغ حدَّ التناقض، والمرويّ أنها بلغت سبعين إنجيلاً.
وهناك من يرى أنها أربت على المائة، بعضها يقوم على التوحيد، وبعضها يقوم على التثليث، وتبع ذلك اختلاف النصارى في أصل العقيدة، وقد ظلَّ هذا الانقسام إلى مؤتمر (نيقية) سنة 325م، حتى نصر قسطنطين مبدأ التثليث، ومهَّد لذلك بجعل المسيح ابناً لله -مع أنه رأيُ قلَّة المؤتمرين-ثم جاء مؤتمر آخر فألَّه روح القدس، واعتُبرت الأناجيل الموحِّدة كاذبة، وبدأ عصر مصادرتها الشاملة.
ويذكر الشيخ محمد رشيد رضا صاحب المنار رأياً لبعض مؤرخي الكنيسة، بأن عدد الأناجيل الكاذبة خمسة وثلاثون، كما ذكر رأياً آخر لصاحب كتاب (ذخيرة الألباب) الماروني، ينكر القول بكثرة الأناجيل، ويزعم أن سبب القول بكثرتها تسمية الإنجيل الواحد بعدة أسماء، ويؤكد أن الخمسة والثلاثين إنجيلاً لا تكاد تبلغ العشرين، وعدَّها كلها، وذكر أن بعضها مكرر الاسم، وذكر منها إنجيل برنابا، ولنفرض جدلاً أنها عشرون إنجيلاً فقط، فأين ما فوق الأربعة المعتمدة؟
الواقع أن الأناجيل التي قامت على التوحيد كانت أغلب، وأن الأقدار حفظت إنجيل برنابا، ليكون نموذجاً لها، وأن الاستبداد السياسي الذي عرف به الرومان أتى عليها، وأن الأربعة المعتمدة، لا تنهض على نقلً صحيح، وأن أصولها وترجماتها معلقة لا يكاد يعرف لها صاحب.
ولو فرضنا جدلاً أن بها خيراً، فلست هي يقيناً إنجيل عيسى، الذي كان يقول للناس: توبوا وآمنوا بالإنجيل، والذي وردت تسميته تارةً بأنه إنجيل الله، وتارةً إنجيل المسيح، ومعروف كما قال صاحب (المنار) أن الكتاب الإلهي ينسب إلى الله لأنه منزله، وينسب إلى الرسول، لأنه تلقاه عن ربه، فيقال: إنجيل عيسى، كما يقال: توراة موسى.
إن النصارى في انتمائهم إلى عيسى، لا يعتمدون على شيء ذي بال، ولعل ذلك السرّ في مجيء العبارة القرآنية عنهم، وبها رائحة الدعوى، قال تعالى:﴿ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾(المائدة:14).
ما أبعدهم عن عيسى وما أجرأهم عليه، قال صاحب المنار: (وقد اشتد اليهود في عداوتهم ومطاردتهم، فلم تكن لهم هيئة اجتماعية ذات قوة وعلم، تدوِّن ما حفظوه من إنجيل المسيح وتحفظه).
ويظهر من تاريخهم وكتبهم المقدسة أن كثيراً من الدعاة كانوا ينشرون بين الناس في عصرهم تعاليم باطلة عن المسيح عيسى ابن مريم، ومنهم من كتب ذلك حتى أن الذين كتبوا كتباً سمَّوها الأناجيل كثيرون جداً، كما صرَّحوا في كتبهم المقدسة، وتواريخ الكنيسة، وما ظهرت هذه الأناجيل الأربعة المعتمدة عندهم الآن إلا بعد ثلاثة قرون من تاريخ المسيح، وعندما صار للنصارى دولة بدخول الملك قسطنطين في النصرانية وإدخاله إياها في طور جديد من الوثنية، وهذه الأناجيل عبارة عن تاريخ ناقص للمسيح، وهي متعارضة متناقضة مجهولة الأصل والتاريخ، بل وقع الخلاف بينهم في مؤلفيها، واللُّغات التي ألَّفوها بها.
وقد أورد الشيخ رحمة الله الهندي في كتابه (إظهار الحق) مائة شاهد من الكتب المقدسة عند اليهود، والنصارى على وقوع التحريف اللفظي والمعنوي فيها، إن القدامى والمحدثين من علماء الإسلام ومقارنة الأديان نقدوا النصرانية سنداً ومتناً، وكشفوا عن كثيرٍ مما يكشف عقائدها من رِيب، واليوم ونحن في القرن العشرين للميلاد نقرأ للمحققين المسيحيين ما يؤكد رأينا، ويصدِّق علماءنا، لقد ألَّف اللواء المهندس أحمد عبد الوهاب كتاباً أسماه (اختلاف في تراجم الكتاب المقدس)، اعتمد فيه على وثائق أثبتها لمحققين مسيحيين، تشير إلى تفاوتٍ رهيب في هذه التراجم، تمسُّ صميم العقائد المسيحية.
إنَّ العقائد المتوارثة بين النصارى نبتت في الأرض، ولم تنزل من السماء، وهي وليدة مؤتمرات بشرية، أشرفت عليها سلطات وثنية، ولو افترضنا كذباً أن لها أسانيد قائمة، فإن متونها تصادم العقل، والمنطق، وتجعل الدين مرادفاً للأساطير والخرافات، وهذا سرُّ الصراع بين الدين والعلم، وسرُّ الشقَّة الواسعة بين الحضارة المنشودة، وما يصبو إليه رجال الكهنوت، وإن تخلف الدين الحق فسح الطريق للأوهام والخرافات.
إنَّ الأناجيل الحالية عبارة عن مصنفات تاريخية حول قصة حياة مريم، وابنها المسيح عيسى، وما جرى له منذ ولادته حتى نهاية حياته في الأرض، حسب معتقداتهم، ولم يكتب شيء من هذه الأناجيل في حياة عيسى عليه السلام، وإنما كتبت بعد رفعه إلى السماء، وهذه الأناجيل هي:
1. إنجيل )متى(:
هو أقدم الأناجيل عندهم، وأوَّلها، كُتب بعد نهاية المسيح بأربعة سنوات، وقد كُتب باللغة العبرية، والموجودة الآن ترجمته، ولكن من هو المترجم، وأين الأصل المترجَم، بحيث ما تتم المقارنة بينهما؟ كل ذلك ليس له جواب، فأية قيمة علمية إذاً لوثيقة لا يُعرف أصلُها ولا مترجمها، وليس لها سند متصل إلى السيد المسيح، أو تلاميذه؟
2. إنجيل )مرقس(:
كتب باللغة اليونانية، بعد رفع المسيح بثلاث وعشرين سنة، وقد اختلف النصارى في تاريخ تأليف هذا الإنجيل، فقال فريق: إن الذي كتبه هو (بطرس) رئيس الحواريين، وقال آخرون: إن (مرقس) كتب إنجيله بعد موت بطرس، وبعد موت بولس أيضاً، وجاء في كتاب )مرشد للطالبين( أن إنجيل مرقس كتب بتدبير بطرس سنة 61 لنفع الأمم الذين كان تنصرهم بخدمته، وهذا الإنجيل ينكر ألوهية المسيح، فلماذا نرى أن الشك قد وقع عند مؤرخي النصرانية في تعيين كاتب هذا المصنف بشكل حازم، كما ثبت أن عيسى عليه السلام لم يكتب هذا المصنف ولم يملِه، فكيف تطمئن إليه النفس؟
3. إنجيل (لوقا):
كتب باتفاق مؤرخي النصارى بعد عشرين سنة من رفع عيسى عليه السلام، وهو ليس من تلاميذ المسيح اتفاقاً، ولا من تلاميذ تلاميذه، وإنما هو تلميذ (بولس) وبولس هذا كان يهودياً متعصباً على المسيحية، ولم يرَ المسيح في حياته، وكان يسيء إلى النصارى إساءات بالغة، ولما رأى أن اضطهاده للنصرانية لا يجدي، عمد عن طريق الحيلة إلى الدخول فيها، وأظهر الاعتقاد بالمسيح، وادعى أنه صُرع، وفي حالة صرعه لمسه المسيح وزجره عن الإساءة لأتباعه، ومن ذلك الوقت آمن، وأرسله المسيح ليبشر بإنجيله، وانطلت حيلته على الكنيسة، وأباح لهم أكل الميتة، وشرب الخمر، وقد أتى لوقا في إنجيله بزيادات كثيرة عما ذكره (متى) و(مرقس) بشكل واضح يرتاب له القارئ. وهنا يقف البحث العلمي شاكَّاً في لوقا، ومتهماً أستاذه بولس بتحريف الديانة النصرانية في أصول عقيدتها، ومثبتاً أن هذا المصنف لا صلة له بعيسى عليه السلام، لا كتابة ولا إملاء.
4. إنجيل (يوحنا(:
كتب بعد رفع المسيح بـ 32 سنة، وتزعم الكنيسة أن هذا المصنف من كتابة )يوحنا بن زبدي( أحد تلاميذ المسيح عليه السلام، وقد أنكر جمهور كبير من محققي النصارى نسبة هذا المصنف إليه، وبينوا أنه تصنيف طالب من طلبة مدرسة الإسكندرية في القرن الثاني الميلادي، وجاء في دائرة المعارف البريطانية التي اشترك فيها خمسمائة من علماء النصارى ما نصه: )أما إنجيل يوحنا فإنه لا مرية ولا شك، كتاب مزوّر، أراد صاحبه مضادَّة اثنين من الحواريين وهما القديسان يوحنا ومتى وقد ادعى هذا الكاتب المزوِّر في متن الكتاب أنه الحواريُّ الذي يحبه المسيح...).
وقد انفرد هذا الإنجيل بفقراتٍ تدلُّ على ألوهية المسيح، والعجب في الأمر أن الكنيسة تعتمد عليه في معتقدها المخالف لأصول الديانة التي أنزلها الله على عيسى عليه السلام، مع علمها اليقين بعدم صحَّة نسبة هذا الإنجيل إلى (يوحنا) أحد تلامذة السيد المسيح، وقد ذكر الشيخ النجار في كتابه قصص الأنبياء صوراً من تناقض هذه الأناجيل الحالية، وعن اضطرابها، واختلافها، بشكل يلمَس فيه الإنسان عدم الوثوق بما كتب فيها، فارجع إليه إن شئت، فإنه دقيق ونفيس.
ويتضح لكل عاقل متبصِّر، أن الأناجيل الموجودة الآن محرفة، وأنها غير الإنجيل الذي أنزله الله، وأنها منقطعة الإسناد، ومضطربة المتن، ويكفي هذا لعدم الاطمئنان والوثوق بما فيها من أخبار، وأحكام.
• وقد قامت الدكتورة سارة حامد محمد العبادي بدراسة مستفيضة قيمة في كتابها (التحريف والتناقض في الأناجيل الأربعة)، وخرجت بهذه النتائج العلمية:
- شكوك وظنون كثيرة تدور حول أهم النقاط في أناجيل النصارى المعتمدة من تعريف بمؤلفيها، ومدى صحة نسبة كل إنجيل إلى مؤلفه، ومن تاريخ تدوينها.
- اعتمادها دون غيرها من أناجيل النصارى الكثيرة، كان من قِبل حاكم وثنيّ رومانيّ (قسطنطين (استطاع بقوة سلطانه إرغام الموحدين بقبولها، وحرق جميع ما عداها من الأناجيل.
- إن هذه الأناجيل منقطعة السند تماماً عن واضعيها.
- اتفاق الباحثين المنصفين على وجود إنجيل أصلي للمسيح عليه السلام كما ذكر القرآن الكريم، وأنه مفقود.
- وجود التحريف في الأناجيل الأربعة واضحاً بأنواعه الثلاث، تحريف بالتبديل، وتحريف بالزيادة، وتحريف النقصان، كما ورد الإخبار بتحريفها في آيات كثيرة في الذكر الحكيم.
- رفض المسيحيين المتعصبين، لإنجيل برنابا رفضاً باتّاً لأنه كشف التحريف في الأناجيل الأربعة، وخاصة التحريف في مجال العقيدة.
- وجود التناقض ظاهراً في كل إنجيل من الأناجيل الأربعة على حدة، ووجوده كذلك واضحاً فيما بين هذه الأناجيل.
- إن الأناجيل الأربعة قد تضمنت ذكر حوادث تاريخية غير صحيحة، وهي أقرب ما تكون إلى الخيال منه إلى الحقيقة.
- الأناجيل الأربعة لا تصلح أن تكون حجة للنصارى في عقائدهم، لتحريفها وتناقضها وبطلان دعوى الإلهام لكتّابها.
وقد أورد العلامة الكبير رحمة الله الهندي في كتابه النفيس )إظهار الحق( مائة شاهد من الكتب المقدسة عند اليهود والنصارى على وقوع التحريف اللفظي والمعنوي فيها.
• قدمت الدكتورة عزية علي طه دراسة وافية حول منهجية جمع السنة وجمع الأناجيل في كتابها )منهجية جمع السنة وجمع الأناجيل( دراسة مقارنة، وخرجت بمجموعة من النتائج من أهمها:
- إن النصارى من أسفار العهد الجديد لم يلتزموا منهجاً ثابتاً ومعروفاً عند جمع تلك الأسفار.
- إن تلك الأسفار كتبت بلغة مغايرة للّغة الأصلية التي كانت سائدة في فلسطين في الزمن الذي أنزل فيه الإنجيل على سيدنا عيسى عليه السلام.
- إن جميع كتَّاب أسفار العهد الجديد لم يلتقوا بالسيد المسيح، بل إن بعضهم تقمَّص شخصية الحواريين، وكتب على لسانهم دون توضيح ذلك، كما أن كتابة تلك الأسفار وزمان كتابتها متنازعٌ فيه.
- كانت هناك -الكثير من الأناجيل-ولكنها أحرقت، كما أن الناس كانوا في صراع ونزاع حول حقيقة المسيح عليه السلام.
- تدخلت العوامل السياسية في القرن الرابع الميلادي في تشكيل المسيحية، وبنائها بالصورة التي تعرف بها اليوم، فالإمبراطور قسطنطين حاول توحيد كلمة النصارى تحت سلطانه خشية على إمبراطوريته من الانقسام والفرقة، فجمع القساوسة في مؤتمر نيقية، وتآمر هو وبطريقة الإسكندرية واتفقا على القول بوجود ثلاثة آلهة، وحاربت السلطات الحاكمة كل من كان يقول بغير تلك المقالة، كما أن الإمبراطور قسطنطين كان وثنياً قبل أن يعتنق المسيحية فلا غرابة أن يؤيد المقالة التي تنادي بوجود ثلاثة آلهة، لأن ذلك يتوافق مع هواه وعقيدته الوثنية السابقة.
- وبينت الباحثة في كتابها صوراً من تضارب متن الأناجيل، وكيف أن الرواة تناقضوا واختلفوا اختلافاً ظاهراً في سرد القصة التي تدور حول حادثة واحدة تعتبر من أساسيات العقيدة النصرانية، وهي حادثة الصلب وملحقاتها من محاكمة وفن وقيام.
- واختلفوا في حقيقة الإله، وتناقضت أقوالهم وتضاربت، ورأينا كيف أنهم ألَّهوا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله، وبالرغم من ذلك وصفوه بصفاتٍ لا تليق ببشر عاديّ ناهيك عن إله خالقٍ، -ولقد وصفوه-بالجهل والكذب وعقوق والدته، بل نسبوا لأمه ارتكاب الفاحشة عند نستبهم عيسى ليوسف النجار الذي لم يكن زوجاً لها عندما حملت بعيسى، بل كان خطيبها كما يدَّعون.
- دخل رجال الدين المسيحي في تخبط وصراع مع العلوم التجريبية عند ظهور النهضة العلمية في أوربا، وحاربت الكنيسة العلم والعلماء وتصدت لهم، وقد ظهر طبقات الفلاسفة بين رجال الدين الذين عملوا جاهدين للتوفيق بين العلم ومبادئ المسيحية، وحصلت هزة عنيفة للديانة المسيحية عندما حاول رجال الدين المسيحي أنفسهم تطبيق النظريات والوسائل العلمية الحديثة على المسيحية، وظهرت مدارس النقد الألماني ومدارس البحث عن عيسى التاريخي في أوربا، وخاصة في ألمانيا.
- وبينت الباحثة: أن صموئيل ريموراس هو أول من تشجّع وبحث عن عيسى التاريخي، رغم أن النتيجة التي توصل إليها كادت أن تؤدي إلى هدم المسيحية كلياً.
وقالت: ورأينا كيف ظهر علماء القرن التاسع عشر بنفس الأفكار، ورأينا شبه إجماعهم على أن الأقوال التي تنبني عليها الديانة المسيحية اليوم –متمثلة في أسفار العهد الجديد- لا تمتُّ لعيسى التاريخي بصلةٍ، ورأينا ما يشبه الإجماع بينهم على أن إنجيل عيسى الحقيقي شبه مفقود، وأنهم لم يستطيعوا التوصّل لعيسى التاريخي، لعدم وجود منهجٍ ثابتٍ ومعلوم اعتمد عليه المؤتمرون في نيقيّة لاعتماد الأناجيل، واستمرَّ التخبُّط في القرن العشرين وبلغ قمته عندما زعم بعض النصارى بأن الإله قد مات، وعندما زعم أصحاب مدرسة اللاهوت المتطور أن الإله ناقص وغير كامل، وأنه محتاج للبشر لإكمال ذاته تعالى: الله عن ذلك علوّاً كبيراً .
وسبحان الله القائل في محكم كتابه:﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ (الإخلاص).
• قام الدكتور عبد الرزاق عبد الحميد بدراسة متميزة في رسالته العلمية للماجستير (مصادر النصرانية دراسة ونقد) وخرج بمجموعة قيمة من النتائج والتي من أهمها:
- إن أوثق مصدر لتجلية حقيقة دعوة عيسى عليه السلام القرآن الكريم، وما صحَّ من الأحاديث النبوية الشريفة.
- إن معظم الجذور الحقيقية لمعظم ما عليه النصارى اليوم من عقائد وشرائع هي مبادئ الفلسفة الأفلاطونية الحديثة، والتقاليد والمعتقدات الوثنية، لذا فإن درجة ارتباط النصارى بأسفارهم المقدسة ضئيلة جداً.
- إن ثمة فرقاً بين مصطلح )التوراة والإنجيل( وبين مصطلح (العهد القديم والعهد الجديد) فالعهد القديم عبارة عن مجموعة أسفار ) 46 أو 39( من بينما خمسة أسفار تنسب إلى موسى عليه السلام، وتسمى بالتوراة أو البنتاتوك، وأما العهد الجديد ففيه سبعة وعشرون كتاباً أو سفراً من بينها أربعة أناجيل (متى ومرقس ولوقا ويوحنا) وليس فيها إنجيل الله المنزل على المسيح عليه السلام.
- إن المصادر النصرانية منها ما هي عامة، وهي ما يسمى بالكتاب المقدس بعهديه القديم الجديد، وقرارات المجامع، ومنها ما هو خاص بطائفة دون أخرى، وهو قرارات البابوية.
- إن نسبة كتب العهد القديم والعهد الجديد إلى ما نسبت إليهم، في الغالب إنما تكون نسبة وهمية أو دعائية لغرض الترويج حيث أن معظم هذه الكتب لم تكتب إلا بعد رحيل من نسبت إليهم.
- إن الإنجيل المنزل على عبد الله ورسوله عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، وإن اختفى اليوم، وضاع، فإن ثمة إشارات إليه باقية في بعض فقرات العهد الجديد.
- إن أيَّ قولٍ أو فعل ورد في الأناجيل أن المسيح عليه السلام قاله أو عمله لا يُجزم بنسبته إليه، وذلك لأن شيئاً من ذلك لم يصل إلينا بإسناد صحيح متصل.
- إن لكلٍ من العهد القديم والعهد الجديد مصادر وأصولاً قد تفرَّع عنها، الروايات الشفهية، وتقاليد وعادات الشعوب، والأمم المختلفة، وبعض القوانين البشرية الوضعية، وأقوال بعض الحكماء ونحو ذلك.
- إن تناقضات أسفار النصارى المقدسة ليست فقط بين سفرٍ وآخر، ولا بين إصحاحٍ وآخر، فحسب، بل وفي داخل الإصحاح الواحد أحياناً، كما أن أخطاءها ليست منحصرة في الجانب الشرعي فقط، وإنما يوجد حتى في الجوانب التاريخية والعلمية، والعرفية وغيرها.
- إن أسفار النصارى المقدسة، لا سيّما كتب العهد القديم منها تعتبر مثالاً حياً لأبشع أنواع الإلحاد في أسماء الله وصفاته، والنيل من كرامة ومكانة أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام.
- إن ما اشتهر لدى بعض المفسرين من تأويل قصة الخصم الذين تسوروا محراب داود عليه السلام، لتعني التعريض بأمر نساء داود عليه السلام: تسع وتسعون نعجة مع امرأة واحدة فقط، لأوريا الحثي (نعجة واحدة)... إنما هو من الإسرائيليات، ونتيجة التأثير برواية العهد القديم للقصة، ولم يثبت في ذلك شيء عن المعصوم.
- إن الأناجيل الأربعة المعترف بها لدى النصارى إنما اختيرت من بين العشرات من نوعها، لأنها الأقرب إلى ما استقرت عليه النصرانية بعد تأثُّرها بالوثنية، والفلسفات، وابتعادها شيئاً فشيئاً عن الوحي السماويّ.
- إن جميع ما ينسب إلى حواريِّ المسيح عليه السلام أو تلاميذه من الأناجيل والرسائل لا يثبت منها شيء إليهم.
- إن الأرجح بثبوت علاقة التتلمذ أو نحوها لكاتب الإنجيل الثالث وسفر أعمال الرسل ببولس شاول اليهودي.
- إن بولس إنما تظاهر بالتحوّل إلى النصرانية لأغراض شخصية، من أبرزها إشباع رغبته في الرئاسة والزعامة، ومن ثمّ جاهر بمخالفته جميع تلاميذ المسيح وأقرب الناس إليه وأعلمهم بدعوته عليه السلام.
- إن بولس من واقع ما أعلنه ودعا إليه من المبادئ إذا قورن ذلك بما عليه النصارى والنصرانية اليوم، فإنه يحق لنا أن نقول إنه (بولس) المؤسس الحقيقي للنصرانية الحديثة أو البولسية.
- إن هناك فرقاً بين يوحنا الحواري التلميذ ويوحنا الشيخ اللاهوتي الفيلسوف -وهما متعاصران-ومن المرجَّح أن يكون الأخير هو كاتب الإنجيل الرابع.
- إن إنجيل لوقا –كما صرح كاتبه- بمثابة رسالة شخصية من صديق لصديقه، وليس للإلهام ولا الوحي أي أشرفية، وإنما كان مجرد جمع وتنسيق وترتيب للروايات الشفهية، رأى الكاتب في نفسه أهلية وكفاءة القيام بذلك كله.
- إن للترجمة العربية لكتاب النصارى المقدس عدد من مشكلات علمية وفنية من أظهرها ركاكة الأسلوب وكثرة الأخطاء النحوية والإملائية وانعدام الوحدة أو جودة التنسيق بين ما تكرر فيها من المعلومات.
- إن من أهم ما يعاني منه كتاب النصارى المقدس الاختلاف بين النُّسخ والإصدارات أو الطبعات والترجمات، وإجراء عدة تعديلات من نصوصه بين الفينة والأخرى، بدعوى مراجعةٍ أو تنقيحٍ أو تصحيح...
- إن المجامع النصرانية تعتبر ذات أهمية كبرى بالنسبة للنصرانية المحرفة من حيث إسهامها في بناء عقائدها وشرائعها أو ترسيخها على الأقل، وكذلك لما لهذه المجامع من دور في انقسام النصارى إلى طوائف وأحزاب كل حزب بما لديهم فرحون.
- إن ما انعقد من المجامع بعد المجمع المسكونيّ السابع في نيقية عام 787م، تعتبر مجامع خاصة أو مكانية، وإن ادّعى لها أربابها العالمية أو العمومية.
- إن المسيح عليه السلام لم ينشئ كنيسة ولا فكر في إنشائها، وكذلك تلاميذه الذين عاصروه، وما ينقل في عكس هذا القول من نصوص لا تثبت، أو لا يصحُّ بها الاحتجاج على المراد.
- إن ازدهار سلطة الكنيسة الغربية في القرون الوسطى في أوربا من أقوى عوامل سطوة هذه الكنيسة، وهيمنة بابواتها على الشعوب، ومن ثمَّ مصادرتها للشرائع والمعتقدات عندهم.
- إن القرون الوسطى وإن كانت تعدُّ الفترة التي شهدت نفوذ البابوية والبابوات وسلطتها، لكنها تعتبر كذلك الفترة نفسها التي شهدت بداية هذه السلطة النفوذ.
- إن دعوى العصمة للبابا دعوى عارية عن مستندٍ صحيح، كما أنه لم يوجد في التاريخ ما يؤيدها.
- لقد أضاف بابوات القرون الوسطى وغيرهم جملة أمور والتزامات وواجبات في دين النصارى من أتباعهم، بعضها باقٍ حتى اليوم، وبعضها ذهب أدراج الرياح نتيجة تغيُّر الظروف وتقلُّص الإمكانات.

مراجع البحث:
- علي محمّد محمّد الصّلابيّ، المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام (الحقيقة الكاملة)، 2019م، (271:258)
- محمد الغزالي، صيحة تحذير من دعاة التنصير، دار القلم، دمشق، ط1، 2000م، ص ص 120.
- عزية علي طه، منهجية جمع السنة وجمع الأناجيل، مؤسسة الرسالة، لبنان، ط2، 1417ه، 1996م، ص552.
- رحمة الله الهندي العثماني، إظهار الحق، تحقيق: أحمد حجازي السقا، طبعة دار التراث، الطبعة القطرية، 1/79 -80.
- سارة العبادي، التحريف والتناقض في الأناجيل، دار طيبة الخضراء، مكة المكرمة، ط1، 1424ه، 2003م، ص23.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022