الجمعة

1446-04-15

|

2024-10-18

التوراة المحرفة... صناعة أحبار اليهود وحاخامانهم

الحلقة: الخامسة و الثلاثون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

شعبان 1441 ه/ أبريل 2020م

أ‌. تعريف التوراة:
لقد ذكر الله سبحانه وتعالى أن أحبار اليهود قد قاموا بتحريف التوراة، وأنهم أضافوا إليها وأنقصوا منها الشيء الكثير، وقد فضحهم الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في مواضع عدَّة.
- قال تعالى:﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾(البقرة: 75).
- قال سبحانه تعالى:﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ * فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ﴾(البقرة: 78-79).
- وقال عز من قائل:﴿ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ﴾(النساء: 46).
- وقال تعالى:﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾(المائدة: 13).
- وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ (المائدة: 41- 42).
ويفصِّل بعض العلماء في أنواع التحريف الذي قام به أحبار بني إسرائيل في التوراة، وبيَّنوا أن عناصر التحريف هي كالتالي:
- تحريف بالتبديل.
- تحريف بالزيادة.
- تحريف بالنقصان.
- تحريف بتغيير المعنى دون تغيير اللفظ.
ويأخذ ذلك أشكالاً كثيرة كالآتي:
• إلباس الحق بالباطل والباطل بالحق حتى ينطلي ذلك الباطل ويروج على عامة الناس:
قال تعالى:﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾(آل عمران: 71)، لا تخلطوا الحق بالباطل والصدق بالكذب، فقد كانوا يكتبون في التوراة ما ليس فيها ومثاله اتهام هارون عليه السلام بأنه الذي وضع لهم العجل وأمرهم بعبادته.
• كتمان الحق:
يرتبط كتمان الحق أيضاً بإلباس الحق بالباطل، كما في الآية المذكورة أعلاه، وفي قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ (البقرة: 42).
ومن أهم أمثلة كتمانهم الحق إنكارهم لصفة محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، وقد روت صفية بنت حيي بن أخطب زعيم اليهود، وزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أسلمت أن عمها سأل أباها عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قدم المدينة قائلاً: أهو هو النبي الذي كنا ننتظر؟ فقال حيي بن أخطب والله إنه لهو النبي... ولكنا والله لا نؤمن به، وقد كتموا أيضاً حكم رجم الزاني والزانية ولكن الله فضحهم على يد حَبرهم السابق الصحابي الجليل عبد الله بن سلام وأظهر حكم التوراة وهو الرجم.
• إخفاء الحق:
وهو شبيه إلى حد ما بالكتمان، والعلماء يفرقون بينهما على اعتبار أن الكتمان للأمر العظيم مثل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، والاخفاء هو للأمر الذي فيه خزي لهم، وقد قال تعالى: ﴿ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ (المائدة: 15).
• تحريف الكلم عن موضعه:
يوضع كلمة مكان كلمة أو جملة مكان جملة، وهذا هو تحريف التبديل، وقد يكون بإسقاط كلمة، وهو تحريف بالنقص أو بزيادة كلمة أو جملة وهو تحريف بالزيادة، وقد يكون بصرف المعنى إلى معنى آخر غير مقصود وهو تحريف المعنى، قال تعالى:﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾(المائدة: 13)، وقال تعالى:﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴾(المائدة: 41).
• ليُّ اللسان: وذلك أثناء قراءتهم للتوراة فيضعون كلاماً من عندهم بدلاً من آيات الله، قال تعالى:﴿ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾(آل عمران: 78).
هذه باختصار أنواع التحريفات التي قام بها أحبار اليهود في كتاب الله المنزَّل على موسى عليه السلام، ومع مضيِّ الأيام وضياع التوراة الأصلية؛ بسبب الحروب والسبي والشتات في الأرض، وبسبب ترك بني إسرائيل مراتٍ عديدة دينهم، وارتدادهم عنه حتى عبدوا الأصنام وخاصة البعليم وعشترون وملكوم وغيرها من الأوثان، وذبحوا لها وعبدوها وأقاموا لها المعابد الضخمة.
وأسفار العهد القديم مليئة بذكر ذلك كلِّه، وفي عهد القضاة (140سنة) ارتدوا سبع مرات، وعبدوا الأوثان، بل وذبحوا أبناءهم وبناتهم قرباناً لها ثم ازدادت الردَّة في عهد الملكية، حتى زعموا كذباً وبهتاناً أن سليمان عليه السلام عبد الأوثان، وبنى لها المعابد.
لهذا كلِّه ضاعت التوراة الأصلية وبقي منها آيات يذكرهم بها أنبياؤهم الذين أرسل الله إليهم تباعاً ليردُّوهم عن غيِّهم وكفرهم وضلالهم، ولكنهم كثيراً ما كانوا يقتلون الأنبياء بعد تكذيبهم والهزء بهم، قال تعالى:﴿ ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون ﴾(البقرة: 87).
وبقيت شذرات من التوراة الأصلية يتوارثونها، ثم قام أحبارهم بجمع تلك الأخبار والآيات وإضافة ما زينه لهم الشيطان، فصاغوها في كتب وقدَّموها للناس على أساس أنها التوراة التي أنزلها الله، ثم جاءت الأبحاث الحديثة خلال القرون الثلاثة الماضية لتؤكِّد أن التوراة الحالية قد كُتبت على مدى ألف عام بواسطة عشرات ومئات الكُتَّاب في أزمنة مختلفة متباينة، وأن ذلك كله قد جمعه بعض الأحبار، ونسَّقه في كتاب أسماه (التوراة)، وأن ذلك ظهر بعد العودة من النفي في بابل، أي في القرن الخامس والرابع قبل الميلاد، أي بعد وفاة موسى عليه السلام بما يقارب ألف عام .
فجميع أسفار التوراة التي لدى أهل الكتاب كُتبت بعد السبي، كما كتب غيرها من أسفار العهد القديم، يدل على ذلك كثرة الألفاظ البابلية بها.
وقد اعترف علماء اللاهوت النصارى بفقد توراة موسى -التي هي أصل الدين وأساسه -قال صاحب كتاب (خلاصة الأدلة السنية على صدق أصول المسيحية): والأمر مستحيل أن تبقى نسخة موسى الأصلية في الوجود إلى الآن، ولا نعلم ماذا كان من أمرها؟ والمرجَّح أنها فقدت مع التابوت لما خرَّب -بختنصَّر-الهيكل، وربما كان ذلك سبب الحديث الجاري بين اليهود على أن الكتب المقدسة فقدت وأن عزرا الكاتب الذي كان نبياً جمع النسخ المتفرقة من هذه الكتب وأصلح غلطها، وبذلك عادت إلى منزلتها الأصلية، وقال العلامة محمد رشيد رضا: نحن نعلم إجابتهم عندما يُسألون من أين جمع -عزراً-تلك الكتب بعد فقدها، وعلى أيِّ شيءً اعتمد في إصلاح أغلاطها؟ إنهم يقولون: كتب ما كتب بإلهام، فما دليل هذا الإلهام؟ وهل مع الإلهام يحتاج الكاتب إلى جمع ما بأيدي الناس الذين لا ثقة بنقولهم؟ وليته كتب الشريعة مجردة من الأخبار التاريخية التي انضمت إليها.
إن الأخبار التي حوتها هذه الأسفار، كانت الشاهد الأول على تسلل الكذب إليها من كل ناحية، أكان نوحٌ عليه السلام رجلاً يسكر حتى يفقد وعيه؟ أكان لوطاً رجلا يسكر حتى يزني بابنتيه في ليلتين متعاقبتين، لينجب من كل منهما أبناء وأحفاد؟ وإن جملة من المفتريات تملأ سِير المصطفين الأخيار من أنبياء الله، فهل هذا تأليف مقبول؟، وغير ذلك من الإفك والبهتان المبين.
ب‌. القرآن الكريم لا يعترف بالتوراة المحرَّفة:
التوراة المحرَّفة هي التي ألقاها وصاغها أحبار اليهود وحاخاماتهم، على مدار التاريخ اليهودي الطويل، وأظهروها للناس وسمَّوها (العهد القديم) بأسفارها الكثيرة، والتي فيها من الأخطاء والأكاذيب والأباطيل الشيء الكثير، والصواب والصحيح فيها قليلٌ جداً لا يكاد يذكر، وهذه التوراة المحرفة (العهد القديم) يكذبها القرآن في كثيرٍ مما فيها ويبين الأكاذيب والأخطاء والتحريف التي وقع فيها الأحبار وهم يكتبونها.
ولم يعترف القرآن أن هذه التوراة المحرَّفة كلام الله، لأن التوراة التي أنزلها الله على موسى عليه السلام أضاعها اليهود وحرَّفوها وغيَّروها وبدَّلوها، وجاء هذا في آيات صريحةٍ عدة، تحدثنا عنها في فقرة (تحريف التوراة)، كما أن إقرارنا أن التوراة المحرفة اليهودية المسمَّاة (العهد القديم) من صياغة وتأليف الأحبار على مدار التاريخ اليهودي الطويل، لا يمنع وجود - بقايا - قليلة من التوراة الربانية متفرقة في أسفارها، لكنها لا تخرج عن كونها كلمات أو عبارات متناثرة هنا وهناك، وهي قليلة جداً وسط ذلك الركام الكبير من تحريفات الأحبار.
وقد ردَّ الله عز وجل في كتابه العزيز على كثيرٍ من التحاريف والأكاذيب والأباطيل التي جاءت في التوراة المحرفة، وقد جاء تكذيبه لها في نماذج وأمثلة عديدة من أشهرها ما يلي:
- تكذيب الأحبار في نسبة التعب إلى الله:
نسب مؤلفو التوراة المحرفة اليهودية التعب إلى الله، عندما خلق السماوات والأرض، حيث اضطره التعب إلى أن يستريح في اليوم السابع، الذي كان في يوم السبت، وقد ورد هذا في الفصل الثاني من سفر التكوين قالوا: (وهكذا أكملت السماوات والأرض وجميع قواتها، وانتهى الله في اليوم السابع من عمله الذي عمله، واستراح في اليوم السابع من كل عمله الذي عمله، وبارك الله اليوم السابع وقدسه؛ لأنه فيه استراح من كل عمله الذي عمله) [سفر التكوين: الفصل الثاني: 1-3] .
ونسبة الاستراحة إلى الله كفرٌ به؛ لأنها تنسب النقص والتعب والإعياء إليه، بسبب ما قام به من عمل، مما اضطرَّه إلى أن يستريح ويزول عنه التعب، وهذه عوارض تعترض الإنسان المخلوق الضعيف وينزَّه عنه الخالق، ولقد كذب الله عز وجل في كتابه العزيز هذا القول في آية قصيرة موجزة قال تعالى:﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ﴾ (ق:38).
خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام وكان قادر على خلقها في لحظة واحدة لأنه إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون، وهو سبحانه وتعالى لم يتعب من خلق السماوات والأرض (وما مسنا من لغوب)، واللغوب هو التعب والإعياء الذي يضطر بصاحبه إلى أن يستريح، وهذا تكذيب صريح لمؤلفي التوراة اليهودية في قولهم السابق.
- تكذيبهم في زعمهم بحث الله عن آدم:
زعم الأحبار مؤلفو التوراة أن آدم وحواء لما أكلا من الشجرة صارا عريانين، فسمعا وقع خطى الربِّ وهو يتمشَّى في الجنة، فاستحيا منه، واختبأ آدم خلف أشجارها، فصار الرب يبحث عن آدم وهو لا يراه ولا يدري أنه أكل من الشجرة.
قال الأحبار في سفر التكوين: (سمعنا وقع خطى الرب الإله وهو يتمشى في الجنة، عند نسيم النهار، فاختبأ الإنسان وامرأته من وجه الرب الإله فيما بين أشجار الجنة، فنادى الرب الإله الإنسان وقال له: أين أنت؟ قال: إني سمعت وقع خطاك في الجنة، فخفت لأني عريان فاختبأت، قال: فمن أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أمرتك ألا تأكل منها؟ فقال الإنسان: المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت) [سفر التكوين، الفصل الثالث: 8/12].
وفي هذا النص مجموعة من الأباطيل والأكاذيب التي فيها نسبة ما لا يجوز إلى الله، ومنها:
- تجسيم الإله الرب أن تكون له قدمان تسيران وتتحركان ويخرج من سيرهما صوت مسموع يسمعه الآخرون، كما يسير أي إنسان ويسمع وقع خطاه، قال تعالى:﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾(الشورى: 11).
- وصف الإله الرب بالجهل وعدم العلم وأنه تخفى عليه الأشياء فعندما اختبأ آدم وزوجته بين أشجار الجنة وقف الإله الرب يبحث عن آدم، ولما بين لم يشاهده ناداه قائلاً: أين أنت يا آدم؟
وهل هذا إله يخفى عليه آدم ومكانه فيضطر إلى أن يناديه ليعرف مكانه؟ ومنها:
- وصف الإله الرب بالجهل وعدم العلم بما حصل، فهو لا يعلم أن آدم أكل من الشجرة، وهو لا يعلم أنه عرياناً، ولذلك سأل آدم: من أعلمك أنك عرياناً؟ هل أكلت من الشجرة التي أمرتك ألا تأكل منها؟
وهذا التخفِّي والحوار بين الإله الرب وبين آدم كأنه (لعبة) هزيلة يلعبها الأولاد الصغار، وقد كذب الله عز وجل في القرآن الكريم هذا الكلام في قوله تعالى:﴿ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾(الأعراف: 22). وفرقٌ بين قول الأحبار: نادى الرب الإنسان أين أنت؟ وهل أكلت من الشجرة؟ وبيَّن قول القرآن وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة.
- تكذيبهم في زعمهم صنع هارون عليه السلام العجل:
زعم الأحبار مؤلفو التوراة اليهودية أن هارون النبي عليه السلام هو الذي أخذ حليَّ بني إسرائيل وصنع لهم العجل الذهبي ودعاهم إلى عبادته، وورد في سفر الخروج قول الأحبار: (ورأى الشعب أن موسى قد تأخر في النزول من الجبل، فاجتمع الشعب على هارون وقالوا له: قم فاصنع لنا آلهة تسير أمامنا فإن موسى ذلك الرجل الذي أصعدنا من أرض مصر، لا نعلم ماذا أصابه؟ فقال لهم هارون: انزعوا حلقات الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم، وائتوني بها، فنزع كل الشعب حلقات الذهب التي في آذانهم، وأتوا بها هارون. فأخذها وصبَّها في قالب، وصنعها عجلاً مسبوكاً، فقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل، التي أصعدتك من أرض مصر، فلما رأى هارون ذلك بنى مذبحاً أمام العجل ونادى قائلاً: غداً عيد للرب... فبكَّروا في الغد وأصعدوا مُحْرقات وقرَّبوا ذبائح سلاميَّة، وجلس الشعب يأكل ويشرب ثم قام يلعب...) [سفر الخروج: الفصل 32: 1/6] .
ينسب الأحبار في هذا النص إلى هارون النبي عليه السلام الكفر، فهو الذي أخذ الحليَّ من بني إسرائيل، وهو الذي صنع لهم العجل، ودعاهم إلى عبادته، وقد كذَّبهم الله في القرآن، حيث ذكر أن من صنع العجل هو المجرم السامري.
- قال تعالى:﴿ قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ﴾(طه: 85).
- وقال تعالى:﴿ قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ * فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ ﴾(طه: 78-88).
- وقال تعالى:﴿ وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ﴾(طه: 91).
- تكذيبهم في زعمهم أنهم أبناء الله وأحباؤه:
إنَّ الأحبار مفترون كاذبون على الله، وهم عنصريون أنانيُّون، وقد أوهموا عامة اليهود أنهم أبناء الله، وأحباؤه، وأن الله اصطفاهم وكان معهم، وأنه لن يتخلَّى عنهم، وأنهم هم المهتدون وأن الجنة لهم وحدهم، وقد كذَّبهم القرآن في هذه المزاعم، قال تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ (البقرة: 18).
هم كاذبون في زعمهم أنهم أبناء الله وأحباؤه، لأن الله يعذبهم بذنوبهم، ولو كانوا أبناء الله لما عذَّبهم، ثم إن الله سبحانه ليس له أبناء لأنه خالق كل شيء في السماوات والأرض، وقد خلق البشر جميعاً، وهم من هؤلاء البشر المخلوقين لا يميِّزهم عن شيء في الخلقة والصورة، وأساس التفضيل والتمييز عند الله هو العمل الصالح، فالأكرم عند الله هو الأتقى، ولا محاباة عند الله، وكل إنسان مسؤول عن عمله، والله يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء.
- تكذيبهم في زعمهم أنهم أولياء الله:
زعم اليهود أنهم أولياء الله من دون الناس، وأن الجنة لهم وحدهم، لأنهم وحدهم المؤمنون، وغيرهم كافرون، وقد كذبهم القرآن في هذا الزعم وذلك في قوله تعالى: ﴿ قُلْ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ (الجمعة: 6-8 )، من أجل إظهار كذب اليهود في هذا الزعم، يتحداهم الله بتمنِّي الموت بمعنى أن يقولوا: اللهم أمتنا، فإذا كانوا أولياء لله وإذا كانت الجنة خالصة لهم، فإنهم سيذهبون إلى الجنة بعد موتهم، وموتهم راحة لهم، وعليهم أن يتمنَّوا الموت لينالوا السعادة.
ولم يتمنَّ اليهود الموت ولم ينجحوا في التحدِّي وآثروا أن يوصفوا بالجبن لأنهم يعلمون كذبهم في مزاعمهم، ويعلمون صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويعلمون أنهم لو تمنَّوا الموت لأماتهم الله، ويعلمون أنهم لو ماتوا لذهبوا إلى النار، وقد أكَّد هذا المعنى قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ (البقرة: 94- 96).
كيف يتمنَّى اليهود الموت وهم يعرفون ما قدَّمت أيديهم من الجرائم والقبائح والرذائل؟
إن ملفَّهم عند الله أسود، وينتظرهم عنده العذاب الأليم، فكيف يتمنَّون الموت وهذا مصيرهم (ولن يتمنَّوه أبداً بما قدمت أيديهم)، إنهم أحرص الناس على (حياة) وهدفهم هو أن يعيشوا حياتهم الدنيا مستمتعين بالأكل والشرب والشهوة، ولا يهمهم بعد ذلك أن يكونوا أعزَّاء أو أذلاء، أحراراً أو مستعبدين، وهم لا يفكرون في الآخرة.
- تكذيبهم في نسبة إبراهيم عليه السلام إلى اليهودية:
من مزاعم اليهود وأكاذيبهم زعمهم أن إبراهيم الخليل عليه السلام كان يهودياً، وقد نافسهم النصارى في هذه الأكذوبة، حيث زعموا أنه كان نصرانياً، وقد كذَّبهم الله في هذا، فبين أنه ما كان يهودياً ولا نصرانياً ولا مشركاً وإنما كان حنيفاً مسلماً.
قال تعالى: ﴿يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ* هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: 65- 68).
أبطلت الآيات احتجاج اليهود والنصارى في إبراهيم عليه السلام، وفنَّدت مزاعمهم أنهم على دينه، فالتوراة والإنجيل أنزل من بعده، واليهود والنصارى كانوا من بعده، فكيف يزعم اليهود أنه كان يهودياً؟ وكيف يزعم النصارى أنه كان نصرانياً؟ وقد عاش ومات عليه السلام قبل أن يولد أوَّل يهوديٍّ وأوَّل نصرانيّ.
ونكتفي بهذه النماذج التي كذَّب فيها القرآن التوراة المحرّفة اليهودية، فيما زعمه الأحبار الذين ألَّفوها ونسبوها إلى كاذبين مفترين.
إن التوراة اليهودية المحرفة العهد القديم مليئة بالأكاذيب والأباطيل، مما يؤكد أنها ليست من التوراة الربانية، وإنما هي من تأليف أحبار السوء.

مراجع البحث:
- علي محمّد محمّد الصّلابيّ، المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام (الحقيقة الكاملة)، 2019م، (258:247)
- صلاح الدين الخالدي، حديث القرآن عن التوراة والإنجيل، دار النفائس، عمَّان، الأردن، ط1، 1438ه، 2017م. ص 150.
- محمد الغزالي، صيحة تحذير من دعاة التنصير، دار القلم، دمشق، ط1، 2000م، ص 116.
- محمد البار، المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم، دار القلم، دمشق، ط2، 2011م، ص 120.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022